ينبغي الفصل بين وظائف السياسة والخبرة والأخلاق قدر الإمكان، لأنه لا يمكن لأحد أن يمنع الخبير من الحصول على منصبه المدني فالخبير ليس حاسوبًا وليس روبوتًا ولكنه شخص له مشاعره وتفضيلاته الإنسانية والسياسية فيتم جذبه إلى الألعاب السياسية طوعًا أو لا إراديًا ليقدم للمستهلكين منتجاته التحليلية...
ينبغي الفصل بين وظائف السياسة والخبرة والأخلاق قدر الإمكان، لأنه لا يمكن لأحد أن يمنع الخبير من الحصول على منصبه المدني فالخبير ليس حاسوبًا وليس روبوتًا ولكنه شخص له مشاعره وتفضيلاته الإنسانية والسياسية فيتم جذبه إلى الألعاب السياسية طوعًا أو لا إراديًا ليقدم للمستهلكين منتجاته التحليلية الذين يتوقعون عبرها الحصول على وثيقة موضوعية وليس نسخة منقحة من الإثارة السياسية، فهل هذا يعني أنه لا توجد للخبير قيود أخلاقية على فكره وعلى أنشطته؟ بالطبع لا لإن الخبير الذي يبرر الإبادة الجماعية أو إثارة النزاعات على أساس الكراهية لا يقل جنائية عن المشاركين المباشرين في هذه الجرائم وان الخبير الذي يروج لنظام استبدادي فذلك أمر غير أخلاقي ولن يستطيع التستر على تواطؤه في الفعل الشرير.
لا يمكن للخبير أن يفهم فحوى الوطنية المجردة ولا يمكن له أن يثق في الأحكام غير المؤكدة حتى لو كانت تتفق مع قناعاته الداخلية، كما لا يجب به إن يسعى إلى الحصول على السلطة ويجدر به إن يقدم مقترحات بناءة لتأخذ السلطات التي تراه منها موافقا لها قدر الإمكان مع التركيز على وجوب التقليد والتقنيع للأنشطة بقصد تضليل الناخبين في كثير من الأحيان، ومن هنا جاءت ظاهرة المفسدين الذين يأخذون أصوات المشاركين الحقيقيين في الانتخابات من أجل الحصول على فرصة ليكونوا في السلطة ويحتكروها، وهنا نتساءل هل من الممكن للسياسي أن يكون سياسيا وخبيرا في وقت واحد؟ ربما تكون الإجابة الواضحة على هذا السؤال مستحيلة غير إن هنالك العديد من الحالات التي دخل فيها الخبراء في السياسة، ومع ذلك فإن معظم السياسيين لا يرون إلا آراء الخبراء وغالبًا ما يستخدمونها لمصالحهم الخاصة لمنحها تفسيرات مفيدة من وجهة نظر سياسية وغالباً ما تكون قصيرة الأجل.
وهنا يمكننا النظر في التعريفات الصارمة للفاشية أو الشمولية في مناقشة علمية متعمقة، ولكن في النقاش السياسي غالباً ما تستخدم هذه المصطلحات بشكل تعسفي، وذلك لربما يتوقف على زاوية الرؤية ودرجة الانفعال للشخص الذي يعبر عن وجهة نظر معينة، لذا فأن مسألة دور الخبير السياسي وطبيعة النظام في هذه الحالة هي واحدة من أهم المسائل لتحديد المواقف الأخلاقية تجاهه، فعبر ذلك سنجد انه من غير الأخلاقي أن نجعل من الخبرة السياسية مهنة في ظل نظام شمولي يدمر شعوبنا والشعوب الأخرى.
وإنه لأمر غير أخلاقي عندما تجري حكومات تلك الأنظمة مفاوضات سرية مع الإرهابيين ومع الحكومات المنتهرة للعدالة وفي ذات الوقت تكون أقل شأنا منها في كل بند تقريبا، وإنه أمر غير أخلاقي عندما تتخذ الحكومات قرارات مصيرية مستبعدة وبتعجرف رأي الشعوب ومعتمدة رأي الحد الأدنى من الأغلبية البرلمانية، وكذلك إنه أمر غير أخلاقي عندما تحيط الحكومات بالمشاكل الأكثر أهمية بحجاب من السرية وتتخذ القرارات فيها ومن دون طرح تلك المشاكل على الشعوب وأخذ رائيها فيها وفي كيفية معالجتها، وإنه أمر غير أخلاقي عندما تعرب الحكومات عن معارضتها للمعارضة السياسية وتأمر بقوة في ضربها لمظاهرة أو اعتصام، وإنه لأمر لا أخلاقي حينما تقوم الحكومات بتعريض مواطنيها لخطر جسدي ولتضحية بالارواح، كما انه أيضا أمر لا أخلاقي عندما توافق الحكومات على التضحية بجزء من سيادة بلادها واستقلالها!! وبالنسبة إلى الاستبداد وحتى الأنظمة الأكثر استبدادًا فهي لا توجد فقط بالأبيض والأسود بل يوجد أيضًا عدد كبير منها متلونا ومتخذا الظلال الرمادية والتي هي في حقيقتها أغلبية سيئة ملتحفة بالزيف الأخلاقي.
اضف تعليق