ان تُقَدّم الولايات المتحدة الامريكية انتقادات شديدة اللهجة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية فهذا امر طبيعي في سياق الحرب بين الطرفين والمتواصلة منذ سنوات، لكن ان تقوم بالانتقاص من السيد الخامني عبر سفارتها في بغداد فهذا يدل على تحرك خطير ومؤشر على ان العراق سيكون...
ان تُقَدّم الولايات المتحدة الامريكية انتقادات شديدة اللهجة للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية فهذا امر طبيعي في سياق الحرب بين الطرفين والمتواصلة منذ سنوات، لكن ان تقوم بالانتقاص من السيد الخامني عبر سفارتها في بغداد فهذا يدل على تحرك خطير ومؤشر على ان العراق سيكون احد الساحات الأبرز للحرب القادمة بين الطرفين.
في منشور لها على موقع فيس بوك قالت السفارة الامريكية ما نصه: "يستشري الفساد في جميع مفاصل النظام الإيراني، بدءا من القمة، فممتلكات مرشد النظام علي خامنئي وحده تقدر بـ 200 مليار دولار، بينما يرزح كثير من أبناء الشعب تحت وطأة الفقر بسبب الوضع الإقتصادي المزري الذي وصلت إليه إيران بعد أربعين عاما من حكم الملالي".
زمان ومكان البيان الامريكي فيه دلالات كبيرة، فالحرب انتقلت الى الحدود الإيرانية، وعبر ارض اكثر حلفاء طهران موثوقية، وتبقى طريقة التعامل العراقية هي الفيصل في تبيان مدى نجاح واشنطن في محاصرة طهران.
حكومة عادل عبد المهدي تعاملت مع الموقف الأمريكي وكانه امر اعتيادي، لذلك سجلت نقطة لصالح واشنطن، فيما تكفلت الكتل السياسية الحليفة لإيران بالرد، اذ اعتبر تحالف الفتح ان البيان الامريكي مخالف لأعراف وقواعد العمل الدبلوماسي، كونه تطاولا على أحد المرجعيات الدينية المحترمة لدى أبناء الشعب العراقي، لذلك طالب الفتح بحذف هذه "التدوينة" المسيئة واستدعاء القائم بأعمال السفير الأمريكي، وتسليمه مذكرة احتجاج شديدة اللهجة.
اذا كانت الولايات المتحدة الامريكية تريد مهاجمة اعلى رمز ديني وسياسي في ايران، فلماذا تتخذ من العراق منطلقا لها؟ ربما لان بغداد كانت اكثر هشاشة من أي دولة أخرى، فالدول التي تستورد النفط الإيراني قد رفضت الانصياع للمطالب الامريكية الرامية الى انهاء أي عملية بيع للنفط الإيراني، وهذا بحد ذاته يمثل نصرا تكتيكيا للصبر الإيراني على العقوبات الامريكية، طهران تُعَوّل كثيرا على الصبر وحرب الاستنزاف فهي تعودت هذا النوع من الحروب.
مفاتيح اللعب
واشنطن ممثلة بإدارة رئيسها دونالد ترامب فهي تبحث عن أي فعل سياسي يجعلها تبدو في موقع المتحكم في خطوط النفوذ الإيراني، والممسك بمفاتيح اللعبة الإيرانية، لذلك ترى إدارة ترامب ان اكبر ضربة يمكن توجيهها الى ايران تمر عبر العراق صاحب العلاقات الواسعة على المستويات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والدينية.
والإدارة الامريكية لا تزال تستذكر طريقة وصول الرئيس دونالد ترامب الى قاعدة عين الأسد ليلا وبدون تشغيل الإضاءة الليلية خوفا من الضربات التي يمكن ان تتعرض لها طائرة الرئيس، وقد استقبلت الزيارة بموجة استهجان كبيرة على مستوى الداخل العراقي او على مستوى العالم، اذ اعتبرت دليلا على ضعف النفوذ الأمريكي في العراق.
وتعززت القناعة بضعف النفوذ الأمريكي في العراق بعد الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني حسن روحاني الى العراق، وتجوله في عدد من المدن وزيارة المراقد المقدسة ولقائه بالمرجع الأعلى السيد علي السيستاني، كما عقد وزير الخارجية محمد جواد ظريف لقاءات مع شيوخ عشائر من المحافظات الجنوبية.
سؤال السيادة العراقية
كل تلك التناقضات بين زيارة رئيس امريكي لا يستطيع البقاء سوى ساعات قليلية في قاعدة جوية وفي زيارة غير معلنة بينما يأتي خصمه ليبقى أياما بلياليها متجولا بامان ودون ان يعترض عليه احد، هذه التناقضات تثير حفيظة الإدارة الامريكية وتحفزها لرد قوي يكون من نفس المكان وهو العراق، وهذا الرد يأتي تارة بانهاء الاعفاء العراقي من العقوبات الجديدة على طهران، او بعرقلة تنفيذ الاتفاقيات المشتركة، وتارة أخرى باستفزاز المشاعر الدينية التي تمثل احدى اقوى الروابط بين الشعبين العراقي والإيراني.
في مجموع الفعل الأمريكي ورد الفعل الإيراني، وضمن هذه الدائرة المتصاعدة، يثار سؤال السيادة في العراق، فهل تملك بغداد السيطرة على أراضيها وعلى السفارات والقواعد العسكرية الموجودة على أراضيها؟ بل هل تملك بغداد سيادتها وسلطتها على الأحزاب والفصائل المسلحة بما يجنب العراق ردود أفعال غير منضبطة في ظل تصاعد الخلاف الإيراني الأمريكي؟
بالنسبة للسفارات تبدو الولايات المتحدة الامريكية قد أسست في بغداد ومنذ انسحابها عام 2011 لاكبر مكتب تمثيلي لها في العالم، هذا يؤشر على انها تريد من العراق ان يكون ولاية أمريكية اكثر من كونه دولة صديقىة.
قاعدة الهجوم
وبنفس مقدار السيطرة الامريكية ولكن بطريقة بمختلفة استطاعت ايران ان تؤسس لقاعدة اجتماعية وسياسية وعسكرية تحفظ لها تمثيلا مهما في مختلف المجالات العراقية، وبالتالي خلق توازن مع النفوذ الأمريكي، وارباك حسابات واشنطن في حال ارادت الاستئثار بالسيادة على الأراضي العراقية.
السفارة الامريكية المتضخمة في بغداد استطاعت ان تحفظ لواشنطن مجالا كبيرة لاثبات قوتها ووجودها في الشرق الأوسط، واستخدامها كمنطلق لمهاجمة جيران العراق، وهذا ما قامت به مؤخرا عبر الانتقاد غير المسبوق للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، اما ايران فقد استطاعت ان تخلق جيلا سياسيا كاملا يدافع عن مصالحها، وهذا ما جعل تحالف الفتح ان يتخذ دور المحامي لحلفائه وداعميه الإيرانيين، عبر بيان استنكار شديد اللهجة موجه للسفارة الامريكية.
على الولايات المتحدة الامريكية ان لا تُدخل العراق في لعبتها وحربها المتصاعدة مع ايران، وعلى هذه الأخيرة ان لا تجر بغداد الى تلك الحرب، فابقاء العراق محايدا فيه مصلحة للطرفين، كما انه من غير المنطقي ان تتحمل دولة خارجة من حرب كبيرة ضد داعش كل تلك الخصومات بين طهران وواشنطن، على الأقل فليثبتوا انهم يحترمون سيادة العراق.
اضف تعليق