هل من الممكن الخروج من الفخ الاجتماعي عندما تفتقد الثقة والثقافة الانسانية والروحية والقانونية في المجتمع وينعدم النشاط المدني ويمحى كل امل في المساواة؟ فهنا تكمن المشكلة الرئيسة لخلاصنا ليست المتمثلة فقط في قشة الثقة بين انسان وأخر ولا بين نظام وأخر ولا حتى الكامنة...
"الرجل الغارق يمسك بقشة" وهذا تعبير مجازي إذ لا يمكن إنقاذ شخصا وهو يصارع الغرق من خلال التمسك بقشة، غير انه من الواضح أن الشخص الذي وقع في حالة ميئوس منها يسعى جاهدا للهرب والخروج منها حينما يبدو له أن جميع وسائل الخلاص قد استنفدت، ولذلك فما زال الناس يأملون في العثور على فرصة الخلاص حتى لو كانت عبر التمسك بالقش، وهنا نتساءل هل هناك أي بديل قادر على تصحيح الوضع؟ مع الأخذ في الاعتبار أن جميعنا اليوم أصبحنا مواطنين شرعيين في دول ذات سيادة ومواطنين فعليين في كوكب الأرض الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من سبعة مليارات انسان وبتزايدنا زاد التأثير البشري على البيئة مصحوبًا بتغير المناخ ونضوب الموارد الطبيعية وتفاعل الكوارث التي اغلبها من صنع الإنسان.
لربما يمكننا تقييم عواقب التحديات والتهديدات الحاضرة والناشئة عبر انتشار خدمات الإنقاذ الحديثة والمؤسسات الدولية وما إلى ذلك لأن التغلب عليها لا يتطلب فقط مبادرات عامة وتعاونًا من دول وإنما أيضًا بناء الثقة الحقيقية بين قادة وأتباع الديانات المختلفة الذين يعتقدون بشكل مختلف في الخلاص، والسؤال هو هل يمكن أن يصبح الخلاص كفكرة دينية بديلاً فكريًا للأزمات في مواجهة كارثة حربية أو ارهابية أو بيئية أو أزمة أخلاقية؟ يتمحور المفهوم الديني للخلاص في أن تنقذ نفسك من الموت الروحي، والخلاص هو ليس مجرد خلاصا من الموت والخطيئة بل وأيضا من أجل تجديد الحياة ومن أجل الحرية كما وإنه التبرير والقداسة والحكمة والإيمان والأمل والحب والتحرر من متطلبات الحياة المحيطة والتغلب على الزيف والرغبات والعادات السيئة وكل الامور التي يتطلب اكتمالها الحياة الأبدية، وازاء ذلك فهل من الممكن أن نتخيل أن فكرة الخلاص يسير لها أن تصبح بديلاً للأزمات المستمرة في عالمنا؟ لن نبالغ إن ذكرنا وبملء الفم أنه لا يوجد استعداد لمثل هذا الحوار!! غير انه لابد بنا من الرجوع إلى إرثنا ومواردنا الفكرية والحضارية التي يجب أن نديرها بشكل احترافي لنقدم عبرها رؤية للماضي والحاضر من أجل المستقبل.
وفي الأوقات الحرجة التي يمر بها تاريخ كل دولة ستتحدد الكثير من المشاعر الإنسانية التي يتم حلها عبر الرموز التاريخية سواء كانت متعلقة بمسألة نضال الشعب أو من أجل تحقيق استقلال قراره أو لأجل حقوقه المدنية وحرياته السياسية وتلك في جوهرها جميعا تشير إلى رمز السيادة الوطنية ورمز حقوق الإنسان املا في الوصول إلى مخرج من الأزمات التي نشهدها اليوم مع مراعاة إعادة النظر في مفهوم السيادة.
وان تأملنا في صميم تلك الازمات سنجدها ليس بجوهر الإنسان ولا حتى في الإنسان ذاته فقط وإنما متجذرة في فشل التواصل الانساني نظرًا لأن الشخص كنوع متعدد وجوهر فهو ليس حقيقة مستقلة بذاتها إنما يتجلى إلى الحد الذي يحافظ فيه على التواصل ليستثمر حقوقه فيه، وازاء ذلك فهو مدعو إلى حرية الفضيلة وإذا لم تكن حريته سوى ذريعة لإرضاء الجسد فعليه إن يأخذ حذره من افعال بعضه البعض، وليس هناك شك في أنه يتم التحقق من حقيقة التواصل إذا ما تسبب الإنسان في نزاعات أفرزت عنفًا فذلك لأنه يتم التعامل معه كتعبير رسمي عن الأفكار وليس كشيء ثانوي في الفكر نفسه.
وفي نهاية العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين شبه زال واختفى الإيمان بفعالية من سياسات الدول وسيادتها لذا نتساءل ما مدى استقلال الدول الحديثة وما هي حدود قدرتها؟ وهل يمكنها وحدها ضمان سلامة المواطنين وحقوقهم وحماية الحدود وتنظيم الأنشطة الاقتصادية ومنع الأزمات المالية وحماية صحة الناس ومقاومة خطر الكوارث؟ وهل من الممكن الخروج من الفخ الاجتماعي عندما تفتقد الثقة والثقافة الانسانية والروحية والقانونية في المجتمع وينعدم النشاط المدني ويمحى كل امل في المساواة؟ فهنا تكمن المشكلة الرئيسة لخلاصنا ليست المتمثلة فقط في قشة الثقة بين انسان وأخر ولا بين نظام وأخر ولا حتى الكامنة في قشة الثقة فيما بين دولة واخرى وإنما أيضا في كل ما جرى ويجري بقش نطاق الازمات والقضايا ونتائج وأثر الإنجازات الحديثة للافكار والفلسفات وللعلوم والتكنولوجيا بشكل غرق عام.
اضف تعليق