تختلف وظيفة الحزب في النظام الشمولي الدكتاتوري، مثل حزب البعث او الحزب النازي، عن وظيفة الحزب في النظام الديمقراطي مثل حزب المحافظين او العمال في بريطانيا، في الحالة الاولى يقوم الحزب الدكتاتوري بالاستيلاء على الحكم، والانفراد به، وفرض حكمه على العباد، واخضاعهم لرؤيته، ومنع قيام أحزاب...

تختلف وظيفة الحزب في النظام الشمولي الدكتاتوري، مثل حزب البعث او الحزب النازي، عن وظيفة الحزب في النظام الديمقراطي مثل حزب المحافظين او العمال في بريطانيا.

في الحالة الاولى يقوم الحزب الدكتاتوري بالاستيلاء على الحكم، والانفراد به، وفرض حكمه على العباد، واخضاعهم لرؤيته، ومنع قيام احزاب منافسة او معارضة، وتأمين سلطته المطلقة بكل الوسائل المتاحة له.

اما في الحالة الثانية يقوم الحزب الديمقراطي، وعادة يوجد اكثر من حزب، بالعمل على خوض المنافسة الانتخابية، وكسب اصوات الناخبين عن طريق برنامج انتخابي مقنع، ويرشح الاشخاص المناسبين للمواقع التشريعية والتنفيذية في الدولة.

وهذا يعني ان هدف الحزب الدكتاتوري سلطوي، فيما وظيفة الحزب الديمقراطي انتخابية.

بعد سقوط نظام الحزب الواحد الدكتاتوري، خاض العراق تجربة التعددية الحزبية في اطار عملية سياسية شابتها عيوب التأسيس الكثيرة فانتجت نظاما سياسيا هجينا. ومن هذه العيوب الكثرة المفرطة في عدد الاحزاب التي تراوحت بين الحزب المتوسط الحجم، والصغير، والصغير جدا، والمجهري، والموسمي، والشخصي. وافضى هذا التشدد الى عجز المجتمع السياسي عن ولادة حزب وطني كبير يستطيع ان يحقق اغلبية سياسية في البرلمان تؤهله لتشكيل الحكومة وادارة البلاد بصورة مريحة.

وانعكست هذه الحالة على اتجاهات الناس التي يمكن رصدها كما يلي:

الاتجاه الاول، يرفض الحزبية بالمطلق ويفضل المستقلين، ومنه جاء شعار حكومة التكنوقراط المستقل.

وهذا اتجاه لا يخدم عملية بناء الديمقراطية، بل قد يكون مضرا بها، لبداهة حاجة عملية البناء الى احزاب سياسية بمواصفات وطنية وديمقراطية مشتركة.

الاتجاه الثاني، يفضل الحزب الواحد الحاكم سواء قلنا على غرار البعث ام لم نقل. وهذا نكوص خطير عما تم تحقيقه حتى الان من مسيرة التحول الديمقراطي رغم السلبيات.

الاتجاه الثالث، يفضل تعددية حزبية (بعدد قليل) على اساس احزاب حاكمة واحزاب معارضة.

ويمثل الاتجاه الثالث الحالة الصحية في النظام الديمقراطي المعافى. فالاحزاب من مستلزمات النظام الديمقراطي السليم. بشرط ان يكون العدد معقولا، طبقا للحاجة الموضوعية للمجتمع، وان تجتمع في الحزب الواحد شروط ومواصفات تجعله حزبا وطنيا عابرا للتخوم العرقية او الدينية او الطائفية، وهذا ما المحنا الى عدم تحققه في العراق حتى الان.

واذا صح قولنا ان النظام الحالي نظام هجين، فان اصلاحه لا يكون بالنفور من الحزبية، ولا بالعودة الى الحزب الواحد، ولا بزيادة عدد الاحزاب؛ وانما يكون بتوفير الشروط الموضوعية لتقليل عدد الاحزاب عن طريق تشريع قوانين جديدة للاحزاب والانتخابات تكون مخرجاتُها احزابا وطنية عابرة وبعدد قليل. وهذا ما على مجلس النواب والحكومة العمل على تحقيقه قبل انتخابات مجالس المحافظات المزمعة وتمهيدا لانتخابات مجلس النواب لعام ٢٠٢٢.

تشير استطلاعات الرأي الى وجود شريحة ملموسة من المواطنين لا تميز بين دور الحزب في ظل نظام دكتاتوري ودوره في ظل نظام ديمقراطي، او لا تميز بين عيوب الممارسة الحزبية وبين ضرورة العمل الحزبي في الحياة الديمقراطية.

وهذا يحتاج الى عمل دؤوب لتحسين الاداء الحزبي من ناحية، وبناء الارضية القانونية السليمة لهذا الاداء.

ومن شأن الخطوات الاصلاحية ان تعدل من انطباعات بعض المواطنين العراقيين حول هذه المسالة وتخلق وعيا سياسيا سليما لدى جمهور الناخبين خاصةً.

ومن شأن الوعي السياسي السليم تحسين الاداء الانتخابي للمواطنين بما يحرر هذا الاداء من الالتزامات الطائفية او العرقية المسبقة والتي تؤثر على خيارات الناخب ونتائج العملية الانتخابية.

وتعد مثل الخطوات لبناتٍ مهمةً في تعبيد الطريق نحو الدولة الحضارية الحديثة.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق