عندما نتحدث عن إدخال العالم الحديث في مرحلة نوعية جديدة من التطور، فهي ليست فقط تغير العصر الصناعي من عصر ما بعد الصناعة، ليحل محله في المقابل عصر مجتمع المعلومات، لان العولمة محورها عمليات تغيير وتحولات جنبا إلى جنب مع مجال الاقتصاد العميق...

إحدى سمات العالم الحديث هي دخول البشرية إلى مرحلة تكامل تطورها، والتي رافقها نمو غير مسبوق للتكنولوجيات العالمية، والتغيرات النوعية في هيكل القوى الإنتاجية، ووسائل الإنتاج وايجاد مساحة اقتصادية واحدة في إضفاء الطابع العالمي على الحياة. وحصول مصطلح “المعيار العالمي” على اعتراف عالمي ليتم إنشاء أشكال وحاجيات ومعايير مشتركة من التواصل والسلوك والاسلوب العام والتسلية بين الناس والتي اغلبها ليست على اتصال مع ثقافتهم الوطنية وتقاليدهم.

تؤدي العولمة إلى نظرة عالمية إلى إعادة النظر في القيم الأساسية، وفي مقدمتها دور الدولة في نمو وتطور العالم الحديث، كما وتؤثر على الروحانية والإيديولوجية ومحتوى الديمقراطية. وان العولمة فكرتها تقوم بالسماح لكل بلد بالانضمام إلى إنجازات العلوم والتكنولوجيا في العالم وإنها تسهل توحيد احتياجاتنا وتنشر ما يسمى ثقافة جماهيرية وهي عبر ذلك تكون مفيدة لبعض الناس ، وبالنسبة للآخرين فهي كارثة.

لقد أصبح مفهوم “العولمة” اليوم ليس دوليًا فحسب، بل أيضًا اصبح لها مجموعة كبيرة من التعريفات، غير إن مفهومها عكس الرأي السائد بأن العالم تحول بسرعة إلى فضاء اجتماعي تهيمن عليه القوى الاقتصادية والتكنولوجية وأن التغيرات في جزء من الكوكب يمكن أن تكون لها عواقب بعيدة المدى على حياة الأفراد أو المجتمعات على الجانب الآخر من الكرة الأرضية، وبالنسبة للكثيرين فأن العولمة ترتبط بإحساس بالقدرية السياسية والتهديد المستمر بأن يتجاوز المدى الحقيقي للتغيرات الاجتماعية والاقتصادية المعاصرة قدرة الحكومات الوطنية والمواطنين على التحكم في هذه التغييرات أو تحديها أو مقاومتها، وبعبارة أخرى فهي تفرض قيودًا حقيقية على السياسة الوطنية.

العولمة كتوسع غير محدود للعلاقات الشاملة بين جميع مناطق الأرض هي واحدة من الاتجاهات الرئيسية في تطور العالم الحديث، والتي ليس لها تأثير كبير على الحياة الاقتصادية فحسب، ولكنها تستتبع أيضا نتائج سياسية بعيدة المدى (محلية ودولية)، اجتماعية وحتى ثقافية وحضارية، وهذه العواقب تتزايد على نحو سريع من جانب جميع البلدان بوعي تام ونشاط وبصورة هادفة نحو الاندماج في الاقتصاد العالمي لذلك فإن تحليل هذه العملية العالمية ليس فقط من الناحية النظرية ، بل أيضا له أهمية عملية بحتة ومهمة للغاية.

واثر التقاء أمور فرائد من نوعها عبر التداخلات السياسية والظواهر الاقتصادية والعمليات الاجتماعية على نطاق كبير، وكل من تلك الامور على حدة يمكن أن يطلق عليه علامة فارقة من حيث آثاره على المجتمع الحلي والقاري وحتى الدولي بأكمله، ومع ذلك فهي مجتمعة أوجدت لها حقل هائل من الجهد العالمي، وإن التغيرات العميقة في الهياكل الجيوسياسية للمجتمع العالمي وتحويل الأنظمة الاجتماعية والسياسية تعطي أرضية للحديث عن الانتهاء من فترة تاريخية واحدة ودخول العالم الحديث إلى مرحلة جديدة نوعيا من تطوره نتيجة لثورة المعلومات والاتصالات في العالم الصناعي ، فيتحول مجتمع ما بعد الصناعة تدريجيا إلى مجتمع للمعلومات، وهناك تغيير في النموذج الاجتماعي-السياسي الذي تزامن مع هذه الثورة وحفزها بدلا من العالم الأوروبي الذي كان يهيمن عليها عبر المعايير الأساسية للحضارة العقلانية الغربية، مما أدى إلى تبلور حضارة كوكبية جديدة على أساس الجمع بين عضوية الوحدة وعدم قابليتها للتجزئة من جهة، وتنويع وتعدد وحدات المراكز والشعوب والثقافات والأديان.

من الواضح، عندما نتحدث عن إدخال العالم الحديث في مرحلة نوعية جديدة من التطور، فهي ليست فقط تغير العصر الصناعي من عصر ما بعد الصناعة، ليحل محله في المقابل عصر مجتمع المعلومات، لان العولمة محورها عمليات تغيير وتحولات جنبا إلى جنب مع مجال الاقتصاد العميق، وقد أثرت بذل على اغلب المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية والروحية. وإن الحاجة الملحة للمشاكل المرتبطة بتكوين مجتمع المعلومات العالمي جذبت الاهتمام الطبيعي للعلماء ففي العقد الماضي زادت بشكل ملحوظ عدد المؤتمرات الدولية والمحلية، والموائد المستديرة وورش العمل، وكذلك الدراسات والتقارير والمقالات والمنشورات المكرسة لدراسة جوانبها المختلفة وتحدياتها للمجتمع العالمي على أنها القضية الأكثر إلحاحا، ولإيقاف محاولاتها لتفنيد استقلالية الدول والحد من سيادتها.

..........................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال قد لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق


التعليقات

الكاتب الأديب جمال بركات
مصر
أحبائي
مايسمى بالعولمة انطفأت و انحسر الآن دورها
العالم الآن قرية صغيرة نعم لكن عادت الحواجز بين بيوتها
واستيقظت المشاعر الوطنية والقومية بقوة بل وعنف من سباتها
والتحالفات الإقليمية بدأت تتبلور أمام قوى استعمارية زاد طغيانها
و ماكرون رئيس فرنسا قال نريد تحالفا يحمينا من أمريكا أكبر حلفائنا
لكن السؤال الذي تعبت من طرحه: نحن كعرب مصيرنا مشترك اين دورنا
احبائي
دعوة محبة
أدعو سيادتكم الى حسن الحديث وآدابه...واحترام بعضنا البعض
ونشر ثقافة الحب والخير والجمال والتسامح والعطاء بيننا في الأرض
جمال بركات....مركز ثقافة الالفية الثالثة2019-03-03