لم يكن الانقسام الفلسطيني إلا عرضا لمرض وراثي عضال يسرى منذ القدم في جسد ثقافتنا العربية الإسلامية؛ وقد انتقل عبر عشرات القرون وجيلا بعد جيل لأبناء تلك الثقافة، وبما أننا جزء أصيل من تلك الثقافة العربية فقد أصابنا ذاك الداء المتوارث؛ والذي تمثل في عدم...

لم يكن الانقسام الفلسطيني إلا عرضا لمرض وراثي عضال يسرى منذ القدم في جسد ثقافتنا العربية الإسلامية؛ وقد انتقل عبر عشرات القرون وجيلا بعد جيل لأبناء تلك الثقافة، وبما أننا جزء أصيل من تلك الثقافة العربية فقد أصابنا ذاك الداء المتوارث؛ والذي تمثل في عدم قدرتنا على إنتاج نظام حكم سياسي ديمقراطي طبقا للثقافة الانسانية السائدة اليوم على هذا الكوكب؛ والتي هي حصيلة تطور الثقافة الانسانية الجمعية، ولكن للأسف داخل ثقافتنا المتوارثة المخيمة لا زال الأمر فيها محل جدل؛ ولا يبدو أن حسمه سيكون قريبا نظرا لأن التغيير الثقافي للأمم يستغرق أجيالا نظرا لبدايته من قاعدة الهرم باتجاه القمة وليس العكس.

والانقسام الفلسطيني طويل الأمد هو دليل واقعي على فشلنا كفلسطينيين في إدارة شؤوننا بأنفسنا؛ وهو ترجمة لفشلنا كفلسطينيين في إنشاء نظام حكم سياسي جامع يدير شؤون الشعب الموجود على أرض الإقليم؛ وهو ما يعنى فقدان أحد أهم أضلع المثلث لأى كيان سياسي؛ لأن عدم قدرة القيادة على بناء نظام حكم سياسي يعنى أنه ليس هناك ثمة قيادة قادرة على إدارة حكمها، وهذا ما أرادته اسرائيل منذ اليوم الأول لها على هذه الأرض؛ وهو نفس الهدف لكل من تسبب في هذا الانقسام؛ أو ساعد في حدوثه وبقاءه وهو كسر لمثلث الكيان السياسي الفلسطيني.

واليوم وبعد ما يزيد عن عقد من الزمن من عمر الانقسام الفلسطيني؛ ومع فشلنا في كل محاولات إنهائه ننتقل إلى مرحلة أشدة خطورة؛ وهي أن يصيغ لنا الآخرون نظامنا السياسي عبر عدة بوابات مفتوحة على الساحة الفلسطينية السياسية؛ والتي أصبحت مرتعا لكل من هب ودب؛ وأهم تلك البوابات وأخطرها بوابة التسوية الأمريكية المعنونة بصفقة القرن. وللتذكير هنا ليس مصادفة أن تعطى الادارة الأمريكية الضوء الأخضر لإنهاء الانقسام، ولكن انهاء الانقسام الفلسطيني من وجهة نظر الإدارة الأمريكية واللوبي الصهيوني وإسرائيل لا يعنى توحيد الضفة والقطاع بقدر ما يعنى صياغة نظام حكم سياسي فلسطيني يوائم التصور الإسرائيلي في التسوية لشكل الكيان السياسي الفلسطيني الذي ستنتجه تلك التسوية، وتحدد من خلاله علاقة الضفة الغربية بقطاع غزة.

ومن الواضح أن هناك أشواط قطعت في الخفاء في هذا المضمار؛ وأن أطراف دولية واقليمية ومحلية تؤدى أدوارا محددة وواضحة المعالم في تحويل الانقسام الفلسطيني إلى واقع طبيعي ودائم يبنى عليه النظام السياسي للكيان الذى ستنتجه التسوية الأمريكية؛ والذى من الضروري إسرائيليا أن يكون كيانا لا مركزي، أو بمعنى أصح هلامي الترابط والسيادة ومحكوم بمحددات الأمن الإسرائيلي؛ وتتحكم فيه جماعات ضغط اقتصادي داخلية وخارجية ترتبط مصالحها بإسرائيل وقوى اقتصادية دولية قادرة على التأثير في أدق تفاصيل حياة الشعب، وبالتالي بمقدورها توجيه الرأي العام كيفما تشاء؛ والتحكم فيمن بمقدوره أن يصل إلى سلطة اتخاذ القرار، ونظام كهذا سوف يشكل حل ذاتي لكثير من معضلات التسوية ومن أهمها قضية المستوطنات في الضفة الغربية.

واليوم... علينا أن ندرك أننا فشلنا في إدارة شؤوننا طبقا لمصالحنا ببناء نظام حكم سياسي ديمقراطي حقيقي وقوي؛ وإن استمر هذا الحال فإنه سيأتي من يدير لنا أمورنا وسيديرها طبقا لمصالحه؛ فالدول ليست جمعيات خيرية وعالم السياسة الدولية هو واقعيا غابة يسيطر عليها الأقوى؛ وإن لم يكن بمقدورك الوقوف فلن يتطوع الآخرين لمساعدتك لتقف على قدميك.

فلا مكان على هذا الكوكب إلا للأقدام القوية القادرة على تثبيت وجودها في الأرض.

* أستاذ علوم سياسية
Political2009@outlook.com

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق