أعلن الاتحاد الاوروبي في يوم 8/1/2018، عن استراتيجيته الجديدة حيال العراق للأعوام الخمس المقبلة، والتي تتضمن اقتراحات وسائل وتكتيكات جديدة من أجل التصدي للتحديات العديدة التي يوجه العراق وفي مقدمتها محاربة الارهاب واعمار البنى التحتية وتحسين الاقتصاد، وبلورة هذه الاستراتيجية بعد مرحلة ما بعد (داعش)...
أعلن الاتحاد الاوروبي في يوم 8/1/2018، عن استراتيجيته الجديدة حيال العراق للأعوام الخمس المقبلة، والتي تتضمن اقتراحات وسائل وتكتيكات جديدة من أجل التصدي للتحديات العديدة التي يوجه العراق وفي مقدمتها محاربة الارهاب واعمار البنى التحتية وتحسين الاقتصاد، وبلورة هذه الاستراتيجية بعد مرحلة ما بعد (داعش)، لتؤكد على ضرورة ترسخ التعاون الأوروبي العراقي من اجل توحيد الرؤى الاستراتيجية للطرفين والتصدي للتحديات العديدة التي تواجه البلاد والتي في مقدمتها التحديات الاقتصادية والتنموية، تأتي هذه الاستراتيجية في اطار رؤية اقليمية جديدة واسعة الناطق للاتحاد الاوروبي في منطقة الشرق الاوسط، خصوصاً بعد التداعيات التي خلفتها الحرب على تنظيم (داعش)، حيث كثف الاتحاد الاوروبي حضوره في العراق من خلال تبنى استراتيجية جديدة تبنى اوصلها على اساس تثبيت السلام وتعميق العلاقة الاستراتيجية مع العراق، فلا يزال الاتحاد الأوروبي ملتزما التزاما قويا بدعم العراق في مرحلة ما بعد (داعش).
وعلى أساس هذه المنطلق، طلبت المفوضية الأوروبية ودائرة العمل الخارجي الاوروبي من مكتب الاتصال الأوروبي لبناء السلام، وضع استراتيجية جديدة يقع على عاتقه تنفيذ الروى الاوروبية بخصوص ادامة الدعم الاستراتيجية للعراق، مع ضرورة تعزيز البنية الاستراتيجية لتثبيت اوصل السلام، وصولاً الى تبني حلول لمعالج ارهاصات (داعش) واثاره في البنية الاستراتيجية، من خلال تنفيذ وتوسيع افاق الشراكة والتعاون المتبادل، بما في ذلك التعاون بشأن دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان، والتجارة والاستثمار والهجر، وتعزيز السلام، ومكافحة الارهاب، حيث خصص الاتحاد الاوروبي 300 مليون يورو للعراق ضمن استراتيجيته هذا العام لدعم المشاريع التنموية في العراق[1]، كما قدم للعراق في استراتيجيته التي ابتدأها عام 2015 ولغاية عام 2017، 75 مليون يورو كدعم تنموي أساسي، وزادَ عليه كمساعدات متنوعة ومختلفة، إنسانية وأمنية وسياسية وإنمائية اخرى بَلَغتْ اكثر من 500 مليون يورو، يُضاف على المبلغ المذكور مساعدات مختلفة ومتنوعة قد يصل مقدارها الى مليار دولار للسنوات الثلاث القادمة اعتبارا من عام 2018.
العراق اليوم يمثل شريك استراتيجية للاتحاد الأوروبي نظرًا لموقعه الجيوبولتيكي في الشرق الأوسط وقربه الجغرافي، لذا فان الاتحاد الأوروبي ملتزم بأن يكون شريكاً رئيسياً في إعادة الإعمار وتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة على المدى الطويل، ويعمل على تعزيز الدعم الملموس من خلال تنفيذ استراتيجية جديدة تبنى على اساس ادمة اوصل السلام في العراق، والتي تتفرع الى مجموعة واسعة من المجالات لتعزيز النمو الاقتصادي والحكم الرشيد وتعزيز النظام القضائي، لذا لابد من التطرق الى مضامين هذه الاستراتيجية والتي تتمحور الى:
اولاً: المضمون السياسي
يبنى الاتحاد الاوروبي علاقاته الاستراتيجية مع العراق في الجوانب السياسية على اساس تنمية المصالح المشتركة، من خلال تكثيف المشاركة الاستراتيجية مع الحكومة العراقية، فمنذ عام 2004، أطلقت المفوضية الأوروبية عدة برامج لدعم العملية الانتخابية في العراق، وتحديدًا، دعم المفوضية العُليا المستقلة للانتخابات في العراق لضمان سلاسة الانتخابات والاستفتاءات وشفافيتها، وزيادة مشاركة الناخبين، وإرسال خبراء الانتخابات إلى العراق، لدعم تنظيم الأحداث المختلفة، اضافة الى زيادة التعليم ورفع الوعي بشأن المسائل ذات الصلة بالانتخابات بين أبناء الشعب العراقي، وقد وُضعت معظم المساعدة المُقدّمة للعملية الانتخابية حيز التنفيذ من خلال دعم الأمم المتحدة للمرفق الدولي لصندوق تعمير العراق، وقد تم جمع مساهمة المفوضية مع المساهمات المُقدّمة من الجهات المانحة الأخرى لتمويل المشروعات التي ترمي إلى مساعدة الحكومة العراقية على ضمان إتاحة الأنشطة الانتخابية وكونها فعالةً من حيث التكلفة[2].
أفضت الحرب والصراعات إلى حدوث الكثير من الاضطرابات في العراق في السنوات الأخيرة، وقد قدّم الاتحاد الأوروبي المساعدة من خلال تقديم المساعدات الإنسانية، وتطوير العمليات السياسية والانتخابية، وتعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتطوير منظمات المجتمع المدني، وتوفير البنى التحتية الاساسية التي تدعم مرافق العلمية السياسية في العراق، وتستهدف الاتفاقيات الثنائية دعم الإصلاح والتنمية في العراق وكذلك اندماجه في المجتمع الدولي فمذكرة التفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة عام 2010، تخلق إطارًا لتحسين العلاقات في مجال الطاقة وتطويرها بين الاتحاد الأوروبي والعراق، وهي تشمل قضايا مثل سياسة الطاقة المتبّعة في العراق، وتأمين إمدادات الطاقة، والطاقة المتجددة، وكفاءة الطاقة، وتحسين التعاون التكنولوجي والعلمي والصناعي، كما ان اتفاقية الشراكة والتعاون عام 2012، التي تمثل الأداة الرئيسية لدعم الاتحاد الأوروبي للعراق، فهي توفر إطارًا قانونيًا لتحسين العلاقات والتعاون في مجموعة واسعة من المجالات، وتشمل هذه المجالات القضايا السياسية، ومكافحة الإرهاب، والتجارة، وحقوق الإنسان، والصحة، والتعليم، والبيئة[3].
ثانياً: المضمون الاقتصادي
تندرج الرؤية الاستراتيجية الاوروبية في مضمونها الاقتصادي في اطار اتفاقيات التعاون الاقتصادي مع العراق، حيث بداء الاتحاد الاوروبي المفاوضات مع الجانب العراقي في عام 2006، وخلال الجولة السابعة، تمت ترقية وضع الاتفاقية من اتفاقية متعلقة بالتجارة والتعاون إلى اتفاقية شراكة وتعاون أكثر شمولاً، التي تنص على الاجتماعات الوزارية السنوية وإنشاء مجلس تعاون، في عام 2009، أنهت المفوضية الأوروبية والعراق بنجاح المفاوضات المتعلقة بنص اتفاقية الشراكة والتعاون التي ستمثل العلاقة التعاقدية الأولى على الإطلاق بين الاتحاد الأوروبي والعراق، وقد تم توقيعها في عام 2012، بصورة جوهرية، أنشأت اتفاقية الشراكة والتعاون إطارًا قانونيًا شاملاً بهدف تعزيز العلاقات والتعاون في مجموعة واسعة بدءًا من المجالات من المسائل السياسية ومكافحة الإرهاب (الحوار السياسي بشأن القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية) وحتى تعزيز حقوق الإنسان والتجارة في المجالات الرئيسية مثل الطاقة والخدمات، وفيما يتعلق بالتجارة، فإنّ اتفاقية الشراكة والتعاون هي اتفاقية غير تفضيلية تدمج بين القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية ووصول السوق الأساسي إلى الاتحاد الأوروبي وبعض العناصر التفضيلية في المشتريات والخدمات والاستثمارات العامة[4]، كما تحدد بالتالي إطارًا لمواصلة التعاون في المجالات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والبيئة، كما يتمثل الهدف من هذه الاتفاقية كذلك في دعم جهود الإصلاح والتنمية الحيوية الخاصة في العراق وتسهيل اندماجه في الاقتصاد الدولي الأوسع، وتؤكد عملية التفاوض تقرير الاتحاد الأوروبي من أجل تأدية دور مهم في المرحلة الانتقالية بالعراق، وتشكل هذه الاتفاقية الأداة الرئيسية لدعم الاتحاد الأوروبي للعراق ومواصلة تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والعراق[5].
ثالثاً: المضمون الثقافي
يتمحور البعد الثقافي في استراتيجية الاتحاد والاوروبي حيال العراق من خلال دعم ومشاركة الاتحاد بالعديد من النشاطات ذات البعد الثقافي في العراق، اذ يساهم وفد الاتحاد الأوروبي في نشر المعرفة بالفنون والثقافة العراقية داخل الاتحاد الاوربي لزيادة فهم وإدراك العراق وشعبه، ونظرًا للتحسن الذي شهدته الأوضاع الأمنية في العراق، فقد زادت الأنشطة الثقافية، وقد أصبحت هذه الأنشطة كذلك معترفًا بكونها وسيلةً جيدةً لرأب الصدع وتسوية الخلافات الاجتماعية وتوفير بيئة يكون فيها الهدف الثقافي أكثر أهميةً من أي رسالة سياسية، وقد تمت مواصلة ذلك من خلال الأنشطة الثقافية المختلفة التي تشمل الموسيقى التقليدية وكرة القدم،وبدءًا من عام 2015، داوم الاتحاد الأوروبي على إقامة مهرجان سينمائي سنوي في العراق، وقد شمل هذا المهرجان عرض أفلام من 14 دولة في الاتحاد الأوروبي، وتمثل الهدف منه في عرض ثراء صناعة السينما في دول الاتحاد الأوروبي وتنوعها، وفي طرح منتدىً للتفكير والحوار فضلاً عن توفير فرصة للقاء مع المجتمع المدني والفنانين وطلاب الأكاديميات السينمائية في العراق، فضلاً عن المهرجان السينمائي الثاني الذي يُقيمه الاتحاد الأوروبي عام 2016، والذي عرض 15 فيلمًا أوروبيًا من 14 دولة في الاتحاد الأوروبي[6].
رابعاً: المضمون الانساني
شهد العراق، في السنوات الأخيرة، عمليات نزوح غير مسبوقة للسكان بسبب الحرب والصراعات الداخلية، مما أدى إلى فرار مئات الآلاف من النازحين داخليًا وكذلك اللاجئين إلى الدول المجاورة، لقد فرض هذا ضغطًا هائلاً على المجتمعات والخدمات داخل العراق وخارجه على حدٍ سواء، حيث تقدمت المفوضية الأوروبية، ولا سيما من خلال دائرة المساعدات الإنسانية والحماية المدنية التابعة لها، كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية للعراق، وهي تعمل جنبًا إلى جنب رُفقة العديد من المنظمات الإنسانية، بما في ذلك وكالات الأمم المتحدة ومختلف المنظمات غير الحكومية واللجنة الدولية للصليب الأحمر، هذا وتطمح المفوضية إلى ضمان حصول النازحين العراقيين على الاحتياجات والخدمات الأساسية، مثل الغذاء والمياه النظيفة والمأوى والتعليم والرعاية الصحية[7].
خامساً: المضمون التنموي
ينطوي المضمون التنموي لاستراتيجية الاتحاد الاوروبي في العراق من خلال دعم واسناد مشاريع الخدمات الاساسية، فمنذ عام 2003، مثلت المفوضية الأوروبية ثالث أكبر شريك التنمية في العراق، بعد الولايات المتحدة واليابان، وقد أولت اهتمامًا أكبر للقضايا طويلة الأمد من المساعدات الإنسانية، وبخاصةٍ دعم العملية الانتخابية وحقوق الإنسان وسيادة القانون وتطوير منظمات المجتمع المدني العراقية والخدمات الأساسية، هذا وتُعد المفوضية الأوروبية واحدة من 25 عضوًا في لجنة المانحين للمرفق الدولي لصندوق تعمير العراق، التي دخلت حيز التنفيذ من قبل الأمم المتحدة والبنك الدولي، وقد تم إنشاء هذا المرفق بقصد توجيه الدعم المُقدّم لإعادة الإعمار والتنمية في العراق، وتشرف لجنة المانحين للمرفق على أنشطته[8].
ويمثل دعم الاتحاد الاوربي لتطوير الخدمات الأساسية في العراق والتي تشمل الخدمات، المياه والصرف الصحي، حيث تقدم المساعدة لمجموعة كبيرة من المشروعات لمراقبة وتحسين كمية ونوعية إمدادات المياه، بما في ذلك تحسين تشغيل شبكات المياه والصرف الصحي، وإدارتها وشراء المعدات، والمستلزمات المخصّصة، كما تقدم الدعم لنظام الرعاية الصحية الأولية في العراق، ولا سيما من خلال تحسين البنية التحتية، وبناء المرافق، وتوفير اللوازم والمعدات، وتدريب الموظفين، ومراجعة السياسات والاستراتيجيات، فضلاً عن تقديم الدعم لزيادة فرص الحصول على التعليم، وتحسين المشاركة والإنجاز على جميع الأصعدة، بما في ذلك ترميم المدارس وتوفير الكتب والتجهيزات، وترقية قطاع التعليم عبر زيادة برامج التبادل الثقافي والاكاديمي وفتح الباب امام الجامعات العراقية للتوأمة مع الجامعات العالمية و ارسال الاكاديميين الاوروبيين لتدريب الكوادر العراقية.
واخيراً يمكن القول، ان الاتحاد الاوروبي عزز استراتيجيته الجديدة في العراق من خلال اتفاقيتان ثنائيتان، وهما مذكرة تفاهم بشأن التعاون في مجال الطاقة، المُوقّعة في عام 2010، واتفاقية الشراكة والتعاون، المُوقّعة في عام 2012، وتمثل الاتفاقية الأولى إطارًا للتعاون في مجال الطاقة بينما تتناول الاتفاقية الثانية مجموعةً واسعةً من القضايا التي تشمل مكافحة الإرهاب والتجارة، وبصورة جوهرية، فهي عبارة عن إطارً قانوني شامل يهدف الى تعزيز العلاقات والتعاون في مجموعة واسعة بدءًا من المجالات من المسائل السياسية ومكافحة الإرهاب (الحوار السياسي بشأن القضايا الثنائية والإقليمية والعالمية) وحتى تعزيز حقوق الإنسان والتجارة في المجالات الرئيسية مثل الطاقة والخدمات، وفيما يتعلق بالتجارة، فإنّ اتفاقية الشراكة والتعاون هي اتفاقية غير تفضيلية تدمج بين القواعد الأساسية لمنظمة التجارة العالمية ووصول السوق الأساسي إلى الاتحاد الأوروبي وبعض العناصر التفضيلية في المشتريات والخدمات والاستثمارات العامة، كما تحدد إطارًا لمواصلة التعاون في المجالات الأخرى، مثل الصحة والتعليم والبيئة، فيركز دعم الاتحاد الأوروبي في دعمه للعراق على الأهداف الاستراتيجية والمتمثلة في، الحفاظ على وحدة وسيادة العراق وسلامته الإقليمية ودعم الجهود العراقية لإقامة نظام حكم متوازن وخاضع للمساءلة وديمقراطي، فضلاً عن تعزيز النمو الاقتصادي المستدام القائم على المعرفة والشامل، اضافة الى تعزيز الهوية الوطنية العراقية والمصالحة بين مجتمعاتها المتنوعة، وتعزيز نظام قضائي فعال ومستقل، وصولاً الى معالجة تحديات الهجرة ودعم علاقات العراق الطيبة مع جميع جيرانه.
اضف تعليق