لا يوجد في العالم العربي والإسلامي إلا عدد ضئيل من المراكز المتخصصة في دراسة التاريخ اليهودي؛ والتي تعد على أصابع اليد الواحدة وهى تمثل في حقيقتها محاولات شخصية لقلة قليلة من الباحثين الذين أنشأوها بجهودهم الذاتية، في حين يوجد في إسرائيل قرابة أربعين مركز بحث...
من العبث أن نفصل فكر الحركة الصهيونية؛ والذي يرجع له الفضل في قيام إسرائيل عن تاريخ الفكر العقائدي اليهودي؛ وهذا على اعتبار أنه فكر ذو طابع وأهداف سياسية ذات بعد قومي يتلاقى عند الضرورة أو حتى مصادفة مع فكر عقائدي يهودي صرف؛ لأننا حينئذ سنقع في خطأ منهجي عميق الأثر في تحليل وفهم طبيعة التجربة الإسرائيلية، وهو ما سيؤدى بنا إلى نتائج خاطئة في فهم طبيعة الصراع الفلسطيني والعربي مع إسرائيل؛ والذي بدأ منذ ما يزيد عن سبعة عقود.
ورغم تلك السنوات الطويلة من الصراع؛ والتي كان من الضروري أن تشكل حافزا قويا لإعادة قراءة التاريخ اليهودي وتمحيصه بمزيد من الدراسات الأكاديمية العلمية الموضوعية إلا أن هذا ومع الأسف لم يحدث، فلا يوجد في العالم العربي والإسلامي إلا عدد ضئيل من المراكز المتخصصة في دراسة التاريخ اليهودي؛ والتي تعد على أصابع اليد الواحدة وهى تمثل في حقيقتها محاولات شخصية لقلة قليلة من الباحثين الذين أنشأوها بجهودهم الذاتية، في حين يوجد في إسرائيل قرابة أربعين مركز بحث متخصص في الدراسات العربية والاسلامية تفوق ميزانيتها في بعض الأحيان ميزانية كل مراكز الدراسات في كل الدول العربية مجتمعة.
ومن هنا يكشف حجم الهوة المعرفية بيننا وبينهم، وهنا نذكر مثلا شديد الوضوح؛ ليظهر لنا حجم تلك الهوة المعرفية فمراكز الدراسات الاسرائيلية تلك أنجزت قرابة سبع ترجمات مختلفة للقرآن الكريم من العربية إلى العبرية؛ في حين لا توجد أي نسخة عربية لترجمة التوراة من العبرية إلى العربية؛ وعن النسخ الموجودة حاليا فهى ترجمة عن لغات أخرى إلى العربية ومن أنجزها ليسوا عرب أو مسلمين.
وفي ظل هذا الواقع علينا أن لا نستغرب حينما يخرج علينا بعض الكتاب العرب من هنا أو هناك ليؤيد الرواية التاريخية الصهيونية، ويدعو إلى التطبيع مع اسرائيل حتى قبل إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية؛ وليس مستغربا أن يخرج علينا الدكتور يوسف زيدان بروايته التاريخية التأويلية الفاقدة للموضوعية العلمية والأكاديمية عن بيت المقدس؛ والتي تخدم في كثير من جوانبها الخفية الرواية الصهيونية لأنه يدرك تماما أنه لا يوجد رصيد من الدراسات العلمية الأكاديمية للتاريخ اليهودي ذات قيمة؛ وليس ثمة مركز دراسات مرموق بمقدوره أن يرد روايته بدراسات أكاديمية علمية بحثية وموضوعية؛ وبالتالي لن يكون غريبا مستقبلا أن تخرج علينا كتب ومؤلفات ودراسات في نفس هذا السياق، فثمة حالة فراغ وجمود ثقافي أوجدت منطقة ضغط منخفض ثقافي في المنطقة العربية الغارقة في عواصف صراعات التطرف الفكري السياسي والمذهبي الدموية.
وهذا ما جعل الباب مفتوحا على مصراعيه لإسرائيل لمحاولة الوصول إلى العقل العربي الغارق في سباته الفكري؛ ومن هذا الباب تحديدا ودون غيره تنوى إسرائيل تدشين مرحلة جديدة من تاريخها في المنطقة عبر الاجتياح الفكري الصهيوني للثقافة العربية الاسلامية عبر مراحل متقدمة آتية ضمن ما يعرف بصفقة القرن والتي جوهرها الحقيقي التطبيع مع الدول العربية وصولا إلى التطبيع مع الشعوب العربية.
ولكن إسرائيل التي تدرك جيدا أن التطبيع مع الشعوب لا يتأتى بين عشية وضحاها تراهن على المفعول التراكمي؛ ويكفيها اليوم أن تضع بذور هذا التطبيع في صحراء تيه العقل الثقافي العربي الإسلامي عبر أدواتها الثقافية الجديدة؛ والتي تبشر بالتطبيع وتتبنى الرواية التاريخية الصهيونية عن علم أو بجهل، علما بأن الدراسات التاريخية العلمية والموضوعية الدولية وحتى الاسرائيلية تؤكد بطلان تلك الرواية جملة وتفصيلا؛ فاليهود تاريخيا هم الأمة الوحيدة التي روت تاريخها بنفسها واستنادا لنفسها؛ فلن تجد للتاريخ اليهودي أي مصدر آخر غير يهودي يؤيد روايته؛ إضافة إلى أن الجغرافيا الأثرية للمنطقة تنفيها؛ والدليل على ذلك نتائج الحفريات الأثرية في القدس وسائر فلسطين التاريخية؛ والتي أكدت صحة كل الروايات التاريخية الاخرى باستثناء الرواية اليهودية.
علينا قراءة التاريخ جيدا لنعرف من نحن، ونعرف كيف ندحض رواية عدونا المزيفة... وليتبقى لنا مكان على هذه الأرض.
اضف تعليق