قتل خاشقجي هز الرأي العام العالمي وجعل النظام السعودي في محل الانتقاد والاتهام بسبب الجريمة والطريقة البشعة والوحشية التي استخدمت. وقيل عنها إنها أعظم عملية تستر لأفشل عملية قتل في التاريخ، حيث حاولت الحكومة السعودية الكذب وتزييف الحقائق والتستر على القتلة، ولكن وجود الأدلة الثابتة...
يمر النظام السعودي بمأزق هو الأخطر في تاريخ الدولة منذ تأسيسها قبل نحو 88 عاما نتيجة للكثير من القضايا وبالخصوص تداعيات جريمة قتل الإعلامي جمال خاشقجي في 2 تشرين الأول/أكتوبر داخل القنصلية السعودية في تركيا على أيدي فرقة أمنية استخباراتية سعودية متخصصة في استهداف المعارضين في الخارج وإعادتهم إلى السعودية ولو مجرد جثث أو قطع، وأفراد هذه الفرقة هم من المقربين جدا لولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ويخضعون لأوامره مباشرة، وقد تمت الإشارة إليه بأنه متورط في الجريمة.
قتل خاشقجي هز الرأي العام العالمي وجعل النظام السعودي في محل الانتقاد والاتهام بسبب الجريمة والطريقة البشعة والوحشية التي استخدمت. وقيل عنها إنها أعظم عملية تستر لأفشل عملية قتل في التاريخ، حيث حاولت الحكومة السعودية الكذب وتزييف الحقائق والتستر على القتلة، ولكن وجود الأدلة الثابتة لدى الأجهزة الأمنية التركية أجبرت السعودية على الاعتراف بالجريمة بعد نحو 20 يوما بروايات تفتقد المصداقية، ثم أعلنت نيابتها العامة في 15 تشرين الأول/نوفمبر انها وجهت التهم إلى 11 شخصا وطالبت بإعدام 5 من بدون الإشارة للأسماء ومحاسبة كبار المسؤولين من السلطة، ما اعتبرت محاولة تستر على دور ومسؤولية ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يعتقد أنه متورط ويقف وراء إصدار أوامر تنفيذ العملية حسب الأدلة التي لدى الأجهزة الأمنية التركية واستنتاجات وكالة الاستخبارات الأمريكية CIA وفي ظل ضغط إعلامي عالمي وبالخصوص من قبل جريدة “واشنطن بوست” للمطالبة بتحقيق العدالة عبر محاكمة دولية للمتورطين ومنهم ولي العهد السعودي.
والسعودية ذات أهمية للاستقرار في المنطقة والعالم فهي أهم مصدر للنفط، وطوال تاريخها تتبنى سياسة محافظة بعيدة عن المواقف الانفعالية في اتخاذ القرارات، بل تفضل التدخل في الأزمات عبر الوكلاء، ولكن بعد تولي الملك سلمان العرش تغيرت سياستها حيث رفعت شعار الحزم والعزم والتصعيد، والانفعال والتهور وشن الحروب مباشرة كما في اليمن وفرض حصار على دولة قطر، واعتقال أمراء من العائلة الحاكمة وكبار الشخصيات الاقتصادية والتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، ما أدى لزعزعة الاستقرار في المنطقة وشعور المواطنين بالقلق الشديد.
هل سيتمكن الأمير محمد بن سلمان من اعتلاء عرش الحكم ليصبح أول ملك من أحفاد المؤسس، أم سيتم تغييره ومن هو البديل؟
رغم كل الضجة الدولية والمخاطر التي تهدد العرش السعودي والاتهامات التي توجه لولي العهد الأمير محمد بن سلمان فإن الملك سلمان لم يتحرك لإنقاذ النظام والعائلة الحاكمة عبر تنازله عن عرش الحكم، واستبدال ولي عهده محمد، بل إنه ما يزال متمسكا بالحكم كملك، وبابنه كولي عهد فهما يسيطران على البلاد ويملكان أوراق قوة في ظل ضعف جميع الأجنحة في العائلة الحاكمة، فكل السلطات الرسمية والمؤسسات العسكرية الجيش والحرس الوطني وقوات الأجهزة الأمنية لوزارة الداخلية والاستخبارات والقوة الاقتصادية بيد محمد بن سلمان.
وهو يستمد القوة من واشنطن مباشرة، فالرئيس الأمريكي ترامب ما زال متمسكا به ويرى فيه الشخص الأفضل لتحقيق مصالح أمريكا وإسرائيل، فهو يدفع بسخاء كبير ويقف معها ضد إيران ويخدم الكيان الصهيوني كما صرح الرئيس الأمريكي نفسه.
سلطة الرجل الواحد
من الأوراق التي تجعل الملك سلمان وأبنه الأمير محمد في موضع قوة أمام بقية أفراد العائلة الحاكمة، هو ان الملك يملك كل ملفات أفراد عائلة آل سعود السرية لأنه المسؤول عن ذلك منذ عقود طويلة، وقد استغل وجود هذه الملفات عنده لجعل حكمه وحكم ولده محمد في موقع أكثر قوة، وحسم صراع الأجنحة لصالحه، وسيطر على الجميع وأخضعهم، فالمخصصات المالية لأفراد العائلة بيده، ومن لا يخضع سيحرم من المال ويواجه المزيد من القمع ومصادرة أمواله.
وانتقال السيطرة والنفوذ من مجموعة من أفراد العائلة كما كان في عهود الملوك السابقين إلى قبضة الرجل الواحد في العائلة بصلاحيات واسعة وهو الأمير محمد بن سلمان ولي العهد صنع منه شخصية مغرورة ومتهورة واستبدادية ودكتاتورية ودموية لفرض سياسته بالقبضة الحديدية حيث شن حربا على اليمن وحول البلاد إلى حلبة صراع بينه وبين أجنحة العائلة، ومع المؤسسة الدينية التي فقدت مكاسبها ومكانتها كشرطة دينية متشددة ومؤثرة، واستطاع تغييب وتهميش الشعب المغلوب على أمره.
ويعتبر أفراد العائلة الحاكمة من أي جناح كان البلاد بمثابة مزرعة ذات ملكية خاصة لهم فهي باسمهم (الأرض والمال والشعب) لهم! يريدون استمرار طريقة الحكم كما في العهود السابقة بأن يتم توزيع النفوذ والمناصب والثروة فيما بينهم، ولكن في ظل حكم الملك سلمان وسيطرة ولي العهد الأمير محمد على زمام الأمور تم تجريد بعض أفراد العائلة الحاكمة من مراكز القوة، فهم حاليا في حالة ضعف شديد ليست في يدهم قدرة على تغيير الواقع. ويأتي ذلك بعد قيام ولي العهد الأمير محمد باعتقال عدد من الأمراء والمتنفذين باسم القضاء على الفساد بطريقة استعراضية غير مسبوقة إعلاميا، بالإضافة لاستخدام القوة والتعذيب لإثبات قوته وتشكيل صدمة مروعة لبقية الأمراء للخضوع له، ومن يرفض الأوامر سيواجه القمع وتهديد مصالحه ووجوده.
فقد استطاع الأمير محمد عبر حملة باسم القضاء على الفساد التخلص من المنافسين له في العائلة ومن أي شخصية تمثل قوة أمامه عسكرية أو مادية، وبطريقة لا تخلو من الإذلال. فتمكن من التخلص من الأمير متعب بن عبد الله بعزله من وزارة الحرس الوطني، واعتقال الأمير الوليد بن طلال، وهذه العملية كانت رسالة تحذير لجميع أفراد عائلة آل سعود ومن أي جناح بالخضوع له، وأن لا قوة عسكرية أو مالية إلا له.
كما أنه تمكن من التخلص من عمه الأمير مقرن بن عبد العزيز الذي كان وليا للعهد قبل تنازله بعد استلامه تعويضا ماليا كبيرا وقد قبل الأمير الاعتزال من أجل المال. وكذلك التخلص من الأمير محمد بن نايف ولي العهد ووزير الداخلية السابق بطريقة مذلة قتل من خلالها مستقبله السياسي عبر حملة تشهير إعلامية، كما تم إبعاد الأمير خالد بن سلطان والأمير محمد بن فهد وغيرهم من أسماء معروفة خرجت من حلبة المنافسة بصمت بمبايعة ولي العهد خوفا من ان يقوم بنشر فضائحهم المالية وفسادهم وهناك عدد كبير من الشخصيات تم التعامل معها بهذه الطريقة.
الأمير أحمد
الأمير أحمد بن عبد العزيز شقيق الملك سلمان من الجناح السديري، أحد أبناء الملك المؤسس عمره نحو 76 سنة، يمثل أمل وتطلعات أفراد العائلة من الذين يبحثون عن مصالحهم، ولكنهم يشعرون بالخوف من بطش وقمع محمد بن سلمان، والأمير كما أثبتت التجارب لا يملك الشجاعة لمواجهة بن سلمان، رغم انه شخصية معروفة وله عقود طويلة في السلطة كنائب وزير للداخلية في زمن الأمير نايف، وأصبح وزيرا للداخلية 2012 لفترة قصيرة في عهد الملك عبد الله الذي أقاله من المنصب بشكل مفاجئ.
وللأمير أحمد خبرة وتجربة في الحكم، ويتمتع بعلاقات واسعة مع القبائل. ومن الممكن ان يكون هو أقوى المرشحين لاعتلاء عرش الحكم في الوقت الراهن، فهو الشخص المفضل من قبل بعض أفراد العائلة الحاكمة المتضررين من بن سلمان. وقد نشرت وكالة “رويترز” تقريرا حول وجود حراك داخل العائلة السعودية لمنع وصول ولي العهد محمد بن سلمان إلى العرش بعد وفاة والده. وهو أقوى البيانات التي ظهرت باسم العائلة الحاكمة، ولا يوجد لغاية اليوم أي تأكيد من الأمراء حول ذلك. محتوى البيان بعدم التحرك إلا بعد وفاة الملك سلمان البالغ من العمر 82 يدل على الضعف، فكل فرد من العائلة يريد أن يحافظ على نفسه ويخاف من الفضيحة إن فتح بن سلمان ملفه. والبيان يظهر مدى إصرار العائلة الحاكمة على ولاء الأجهزة الأمنية في الدولة لها كعائلة.
عموما القوة القادرة على إحداث تغيير في السعودية وتنصيب ملك جديد أو ولي عهد وتغيير محمد بن سلمان هي الغرب وبالتحديد الرئيس الأمريكي (فالسعودية لا يمكنها أن تبقى أكثر من أسبوعين بدون حماية أمريكية) كما قال ترامب.
ورغم خطورة المرحلة فالشعب السعودي خارج اللعبة، فهو مهمش ومغيب ومحروم من حقوقه ومن حق المشاركة لإنقاذ وطنه ومغلوب على أمره، والاعتقال والتعذيب والقتل مصير كل من يقترح أو ينتقد أو يعارض النظام بل الاعتقال مصير من يصمت ولا يمدح ويؤيد سياسة الحكومة! الشعب غاضب وقلق جدا على مستقبله المجهول نتيجة سياسة العائلة الحاكمة منذ العهود السابقة حيث كانت البلاد مقسمة بين الأمراء الأخوة يمارسون الفساد والقمع وكأن الشعب مجرد قطيع، وليس فقط من عهد الملك سلمان الذي شهد تغييرا حيث أصبحت القوة كلها بيد شخص واحد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
المشكلة ليست فقط في اسم من يحكم بل في النظام والصلاحيات الواسعة للملك والعائلة الحاكمة التي تصنع الطواغيت والمستبدين والمفسدين، وحتما في ظل هكذا نظام كالقائم، فأي أمير يعتلي العرش سيكون مستبدا ولا يختلف عن سابقيه.
زلزال خطير
لا أحد يعلم أو يتمكن من قراءة المستقبل في ظل مطالبة العالم بمحاكمة كبار المسؤولين في العائلة الحاكمة وولي العهد المتمسك بمنصبه والطامح لاعتلاء العرش الملكي والمستعد ان يخوض حروبا لأجل ذلك، ويملك القوة العسكرية والمالية.
والفترة المقبلة ستكون مصيرية وحاسمة وحازمة ومليئة بالمفاجآت على صعيد الأجنحة داخل المملكة، وستكون لها تداعيات على مستوى دول المنطقة والعالم.
اضف تعليق