يأمل الناخبون بتغيير في الأداء، وتصحيح للطرائق والأساليب الخاطئة، وإثباتات ملموسة تدل على أن العراقيين يتمتعون بسلطة تشريعية حريصة جادة وقوية، تنأى بسلطتها عن الأساليب القديمة التي أهدرت فرصا عديدة وكبيرة على استقرار وتقدم وتطور البلد، والحقيقة هناك فرص سانحة وكبيرة لأعضاء الدورة الحالية...
في الدول ذات الحكومات اللاشرعية، هناك مجلس نواب مفروض، مرسوم من الحاكم والسلطة، شكلي، لا دور له في التشريع أو سواه، دوره ينحصر فقط بتأييد الحاكم ومباركة قراراته الفردية التي لا يشرك في صنعها أحداً، أما دور هذا المجلس في النظام الديمقراطي، فهو مختلف كليّاً، فلا يمكن صنع قرار ما لم يجد له منفذا أو تشريعا من مجلس النواب.
والبرلمان أو مجلس النواب أو مجلس الشعب هو هيئة تشريعية تمثل السلطة التشريعية في الدول الدستورية، حيث يكون مختصا بحسب الأصل بجميع ممارسات السلطة التشريعية وفقا لمبدأ الفصل بين السلطات، ويتكون من مجموعة أفراد (عددهم يختلف من دولة إلى أخرى)، يُطلق عليهم اسم النواب أو ممثلي الشعب، ويكون التحاقهم بالبرلمان عن طريق الانتخاب والاقتراع العام باستخدام الأساليب الديمقراطية، ويتم اختيارهم بواسطة المواطنين في الشعب المسجلين على اللوائح الانتخابية في عملية انتخاب أو اقتراع عام سري ومباشر.
ويكون للبرلمان السلطة الكاملة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والقوانين، أو إلغائها والتصديق على الاتفاقات الدولية والخارجية التي يبرمها ممثلو السلطة التنفيذية، لذلك هو المسؤول الأول أمام الناخبين من حيث النجاح والإخفاق في التشريع الجيد أو الرديء، وفي حال فشل الحكومة في تطبيق التشريعات تُسحب منها الثقة ويُصار إلى بدائل دستورية مستفتى عليها مسبقا.
معلومات عن البرلمان بكل عام
إن أول برلمان تم تأسيسه كان في إسبانيا في مملكة ليون في عام 1188، وأصل كلمة برلمان مأخوذة من كلمة "parler" الفرنسية وهي تعنى النقاش والحوار، وتم استخدام مصطلح برلمان لأول مرة في المملكة المتحدة في عام 1236، وقد كان في السابق عبارة عن مجموعة من المستشارين المقربين من الملك، وتعتبر الحكومة مسئولة أمام البرلمان، ومن صلاحيات البرلمان إقالتها أو سحب الثقة منها.
في التغيير السياسي الذي جرى في 2003، تحوّل العراق من النظام الرئاسي الدكتاتوري، إلى النظام الديمقراطي، وتشكلت السلطات الثلاث المنفصلة عنها، ومنها السلطة التشريعية أو مجلس النواب الذي يمثل كل العراقيين، في جميع المحافظات، ومنها العاصمة، لكنّ الأنشطة التشريعية التي أجراها البرلمان العراقي عبر دوراته الانتخابية، أظهرت إشكالات عديدة، أضعف الدور الرئيس لهذه السلطة.
هنا في هذا المقال سوف نتناول واحدة من المشكلات التي عانى منها مجلس النواب ولا يزال، وهي تحوّله من برلمان عراقي إلى (برلمان بغدادي مركزي) إذا جاز التعبير، السبب في ظهور هذه المشكلة إهمال المحافظات، فيما يُشبه (السلوك) المركزي الإقصائي، فمن خلال المتابعين والمهتمين بعمل هذه المؤسسة (السلطة التشريعية)، لوحظ الإهمال واضحا للأطراف في معظم القرارات التي تلزم السلطة بالبناء وإكمال ملف الخدمات على وجه الخصوص.
ومن الواضح أن النواب الذين يصل عدد إلى 325 نائبا ويشكلون المجلس، وهم من محافظات العراق كافة، انشغلوا في جوانب أخرى لا علاقة لها بدورهم الرقابي التشريعي في العاصمة وفي المحافظات الأخرى، ومن هذه الانشغالات، تفضيل المصلحة الحزبية والمنفعة الشخصية، وانتشار أسلوب الصفقات، وتصاعد وباء الفساد في مؤسسات الدولة والدوائر الرسمية المختلفة.
وأيضا رسوخ نظام إداري بيروقراطي قاتل، يقوم على المنفعة المادية، والمصلحة المعنوية التي تأتي على شكل اتفاقات وتوافقات وترتيبات سرية في معظمها، تكون نتائجها مدمّرة على البلد عموما، ولعل النتائج التي أفرزتها علل البرلمان في دوراته السابقة واضحة كل الوضوح، كونها مرئية وملموسة لمس اليد.
ما هو دور نواب المحافظات
فالنواب الذين وصلوا إلى قبة البرلمان بأصوات ناخبي المحافظات، نسوا محافظاتهم واحتياجاتها الخدمية والعمرانية والصحية وسواها، وصارت مصلحتهم الحزبية والخاصة أولوية بالنسبة لهم، لذلك لم نر دورا بارزا لممثلي المحافظات في الرقابة والتشريع، وما أن ضمنوا وصولهم إلى المقاعد البرلمانية، حتى انكم دورهم وكأنهم وصلوا إلى ضالتهم وليس لديهم أي هدف آخر رقابي أو تشريعي أو خلافه، فما يقوله رئيس الكتلة أو الحزب هو الذي سيتم تنفيذه من قبل النائب حتى لو كان بالضد من مصلحة الشعب!.
والمشكلة الأكبر أن مكوّن هذه السلطة المصيرية، لا يفهم ماذا يعني ضعف البرلمان أو فشله، وربما لا يخطر في بالهم أن الفشل سوف يعني فشل نظام ديمقراطي كامل، وذهاب دولة بكاملها إلى المجهول، فالنائب العراقي لا يريد أن يرتقي بتفكيره السياسي، وربما لا يعنيه دور مجلس النواب في إنصاف الشعب وناخبيه من الحكومة على وجه التحديد.
فربما يغض الطرف عن بعض الأخطاء الحكومية مقابل فوائد معروفة سلفا، فالحكومة والبرلمان يمكن أن يختلفا أو يتفقا، ولكن هذا الاختلاف والاتفاق ليس مصدره مصلحة الشعب، وإنما مصلحة الحكومة والبرلمان تسبق مصلحة الشعب، وهذه هي الطامة الكبرى، وهذا هو الخطير الكبير الذي يحدق بالنظام البرلماني في بلدنا.
وحين نأتي إلى المدن والمحافظات العراقية، سوف نجد عشرات أو مئات المشاكل التي تتعلق بالحاجات الأساسية لمواصلة العيش، من دون أن نجد دورا ملموسا للنائب عن هذه المحافظة أو تلك، أللهم إلّا التصريحات الرنانة في وسائل الإعلام وخصوصا القنوات الفضائية، فهناك من يتبارى مع النواب الآخرين في تصريحاته التي تناقض ما يحصل في الوقع، وتكذّب التصريحات الكلامية التي لا تتطابق مع واقع الحال.
الفرصة لا تزال قائمة
لذلك ينبغي أن يعرف مجلس النواب بأنه يمثل العراق كله، وأن المحافظات لها الحصة الأكبر من حيث التمثيل النيابي، لكن بالمقابل نلاحظ ضمور وخفوت وسكون دور النائب عن هذه المحافظة أو تلك، ولا نريد أن نأتي بشواهد، فواقع الحال خلال عقد ونصف مضى يثبت ما يقوله العراقيون حول الضعف والتلكّؤ الذي يحيق بنواب المحافظات على وجه الخصوص.
هذه الحالة تقرع ناقوس الخطر بقوة، وتطالب جميع أعضاء مجلس النواب في دورته الجديدة، بإعادة نظر جدّية في أعماله وتشريعاته وطبيعته الرقابية التي ينبغي أن تمنح ما يجري في المحافظات اهتماما كبيرا، لأن الإهمال الرقابي والتشريعي للمحافظات إذا استمر على الوتيرة السابقة، فهذا يعني فشلا جديدا للبرلمان في دورته الحالية، وهذا ما لا يريده أحد، سواء كان برلمانيا أو مواطنا عاديا.
لذلك يأمل الناخبون بتغيير في الأداء، وتصحيح للطرائق والأساليب الخاطئة، وإثباتات ملموسة تدل على أن العراقيين يتمتعون بسلطة تشريعية حريصة جادة وقوية، تنأى بسلطتها عن الأساليب القديمة التي أهدرت فرصا عديدة وكبيرة على استقرار وتقدم وتطور البلد، والحقيقة هناك فرص سانحة وكبيرة لأعضاء الدورة الحالية، رئيسا ونواب رئيس، ولجان برلمانية وأعضاء، يمكنهم في حال الاستفادة من أخطاء الدورات السابقة أن يجعلوا من مجلسهم ممثلا حقيقيا لكل العراق، بما في ذلك مواطني المحافظات.
اضف تعليق