q
يتميز العراقيون في كونهم يعبرون عن تذمرهم من واقعهم بالسخرية منه، ولعل الذي يراجع عدد النكات التي حايثت احداث كثيرة مرت بهم، سيجدها اكثر من الاحداث نفسها، لكثرة ما نوعوا عليها في نكاتهم، التي تنطوي في جوهرها على مدى احساسهم بالمرارة، اذ لم يجدوا غير السخرية...

يتميز العراقيون في كونهم يعبرون عن تذمرهم من واقعهم بالسخرية منه، ولعل الذي يراجع عدد النكات التي حايثت احداث كثيرة مرت بهم، سيجدها اكثر من الاحداث نفسها، لكثرة ما نوعوا عليها في نكاتهم، التي تنطوي في جوهرها على مدى احساسهم بالمرارة، اذ لم يجدوا غير السخرية منها ليجعلوها مستساغة بهذا السكر العراقي المر! بعد موجة الامطار التي عمت البلاد، وهي بالتأكيد بشارة خير، عانى ابناء المدن العراقية من تداعيات هذا الحدث المطري، الذي هد العديد من بيوت الفقراء على ساكنيها، واغرق الشوارع واربك الحياة وعطل الكهرباء وغيرها من الخسائر الاخرى (غير المنظورة) وفق مصطلح البيانات العسكرية! نقول بعد هذا الحدث الذي كان ينبغي الاحتفال به، اطلق العراقيون، او خفيفي الدم فيهم اسم (اعصار جاسمية) عليه، محاكاة لتسمية اعصاري (ساندي) و(كاترينا) في اميركا!

لاشك ان التسمية هنا، تأتي ليس للمقاربة، لان الحدثين مختلفين من حيث المعطى، فاعصاري اميركا، من تسميتهما ليس لهما علاقة بالمطر، لان الاعصار هناك جرف السيول الى المدن ودمر البيوت على متانتها، ولم يكن مجرد مطر تبتلعه شبكات المجاري الضخمة وينتهي أي أثر له بعد دقائق، وتعود الحياة طبيعية، الا ان (اعصار جاسمية) في العراق لم يكن اكثر من سقوط للامطار بمعدل بسيط، يعد في بعض الدول حدثا يوميا، الا انه عندنا تحول الى كارثة بعد ان ازهق الارواح ودمر المنازل وعطل الحياة، اذ تحولت شوارع بغداد الى كتل من ماء وطين، ليكف السيطرات شر صناعة الازدحامات المفتعلة والحقيقية، بعد ان غدت السيارات تسبح اوتسير كالسلاحف، والسؤال هو اين الجهات المعنية واستعداداتها لموسم الشتاء، واين الاموال التي صرفت لامانة بغداد طيلة السنوات العشر الماضية؟ ومن هذا السؤال الذي طرح نفسه تلقائيا، جاءت التسمية الطريفة التي عكست مقدار المرارة والغضب الذي لايعالج الا بالسخرية بعد ان فقدت الناس الثقة بوجود مؤسسات فنية قادرة على خدمتهم، لاسيما في العاصمة التي يقطنها نحو ثمانية ملايين انسان، يستحقون الخدمة، لان الدولة صرفت الاموال، وكان يجب ان يكون لها اثر في الواقع الخدمي الذي يتردى باستمرار ولا أمل بتحسينه.

ان الذي يدقق في التسمية، سيجد انها تعكس ضمنا الفارق الحضاري، بين مدننا ومدن العالم الحديثة، حيث التمدن والعمران، بينما نحن مازلنا نعاني من ثقافة قروية تسللت الى مؤسسات الدولة، اذ لم يعد الحس المديني حاضرا من حيث اللمسة الواجب توفرها ولا من حيث نوعية المشاريع المقامة، فحتى الحدائق عندنا، يراها المواطن بمثابة محاجر، او معازل لحدائق وهمية لاوجود لها في الواقع، ولم تكن متناغمة مع حركة المواطن او تشعره بانتمائها اليه.

(اعصار جاسمية) لم يكن مجرد سخرية، وانما هو صيحة بوجه المسؤولين، تقول ان الناس باتت لاتطيق هذا الواقع المزري، وان العراق والعراقيين هم اكثر مدنية وتحضرا من اغلب الدول المحيطة بهم، والتي تتمتع بارقى الخدمات، وباقل الميزانيات، وانهم يستحقون مسؤولين، اكثر رقيا في تفكيرهم وتخطيطهم.. اقصد في البناء وليس في النهب واخواته!.

...................................................................................................
* الآراء الواردة في المقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق