منذ شهر حزيران الماضي انخفض سعر البترول بنسبة اكثر من 40% حين كان سعر البرميل الواحد 115 دولاراً. السعر الآن دون السبعين دولار للبرميل الواحد. هذا الهبوط جاء بعد خمس سنوات من الاستقرار في اسعار البترول. منظمة اوبك التي تسيطر على ما يقارب 40% من السوق العالمي عقدت اجتماع لها في فيينا في 27 نوفمبر الماضي، لكنها فشلت في الوصول الى اتفاق للسيطرة على الانتاج مما سبب انهيار الاسعار. كذلك تضررت بعض الدول المصدرة للبترول بشدة مثل روسيا التي هبطت قيمة عملتها (الروبل) الى مستويات قياسية، وكذلك نيجيريا وايران وفنزويلا.
لماذا اذاً الانخفاض في سعر البترول؟
ان سعر النفط يتقرر بالعرض والطلب الحقيقيين من جهة، وبالتوقعات من جهة اخرى. الطلب على الطاقة يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالفعالية الاقتصادية. انه ايضا يتجّه نحو الصعود في موسم الشتاء في نصف الكرة الشمالي، واثناء الصيف في الدول التي تستعمل الهواء المكيّف. اما العرض يمكن ان يتأثر بالطقس (الذي يعرقل عمل ناقلات التحميل) وبالاضطرابات الجيوسياسية. اذا اعتقد المنتجون ان الاسعار ستبقى عالية فهم سيقومون بالاستثمار، الامر الذي سيؤدي بعد فاصل زمني الى نمو العرض. ونفس الشيء، بالنسبة للاسعار المنخفضة، تقود الى انحسار الاستثمار.
ان قرارات منظمة اوبك هي التي ترسم التوقعات: اذا خفّضت هذه المنظمة العرض بشدة، فسترتفع الاسعار بسرعة. العربية السعودية تنتج ما يقارب عشرة ملايين برميل يوميا اي ثلث الانتاج الكلي لمنظمة اوبك.
هناك اربعة عوامل تؤثر في الصورة.
اولاً ان الطلب الحالي قليل بسبب ضعف الفعالية الاقتصادية، وزيادة الكفاءة، والابتعاد المتزايد عن البترول نحو انواع اخرى للوقود.
ثانيا، ان الاضطرابات في العراق وليبيا لم تؤثر على انتاجهما الكلي البالغ اربعة ملايين برميل يوميا. السوق ينظر بارتياح للمخاطر الجيوبوليتيكية.
ثالثا، امريكا اصبحت اكبر منتج للبترول في العالم. رغم انها لا تصدر نفط خام، لكنها الآن تستورد كميات قليلة جدا مما خلق عرضاً فائضاً كبيراً.
اخيرا ورابعاً، السعودية وحلفائها في الخليج قرروا عدم التضحية بحصتهم في السوق لاجل الحفاظ على السعر. هم باستطاعتهم كبح الانتاج بقوة، لكن المنافع الرئيسية ستذهب لدول تكرهها السعودية مثل ايران وروسيا. العربية السعودية بإمكانها السماح بسهولة بسعر منخفض للبترول. هي تمتلك تسعمائة بليون دولار من الاحتياطات. ما تتحمله من تكاليف لإستخراج البترول من اراضيها قليل جداً (حوالي خمسة الى ستة دولارات للبرميل الواحد).
التأثير الرئيسي لكل هذا يقع على ذلك الجزء من الصناعات البترولية الهشة والاكثر تعرضا للمخاطر. هذه الصناعات تشمل الشركات الامريكية التي اقترضت بكثافة على أمل استمرار التوقعات بارتفاع الاسعار. وكذلك شركات البترول الغربية ذات المشاريع العالية الكلفة التي تتطلب الحفر في اعماق البحار او في القطب الشمالي، او تلك التي تتعامل مع الحقول النفطية المتزايدة الكلفة والتي تجاوزت عملياتها مرحلة النمو مثل عمليات بحر الشمال.
لكن الضرر الاكبر يقع على الدول التي تعتمد على السعر المرتفع لكي تدفع لمغامراتها الخارجية والبرامج الاجتماعية المكلفة. هذا يتضمن روسيا (التي ضُربت سلفا بالعقوبات الغربية بعد تدّخلها في اوكرانيا) وايران (التي تسعى جاهدة للمحافظة على النظام في سوريا). المتفائلون يعتقدون ان الألم الاقتصادي يجعل هذه الدول اكثر قبولا واستجابة للضغوط الدولية. اما المتشائمون يخشون لو ان تلك الدول وُضعت في موقف محرج، فهي ربما تضطر للرد بشكل يائس ومتهور.
اضف تعليق