بعدة مرور عدة أيام على قمة طهران بين رؤساء (روسيا وتركيا وإيران) توصل الرئيسان (الروسي والتركي) إلى اتفاق بشأن خفض التصعيد في مدينة إدلب السورية، إذ تعد مدينة إدلب أحدى المحافظات السورية المهمة التي تقع شمال سوريا بين البوابة الشمالية السورية المطلة على تركيا وأوروبا...
بعدة مرور عدة أيام على قمة طهران بين رؤساء (روسيا وتركيا وإيران) توصل الرئيسان (الروسي والتركي) إلى اتفاق بشأن خفض التصعيد في مدينة إدلب السورية، إذ تعد مدينة إدلب أحدى المحافظات السورية المهمة التي تقع شمال سوريا بين البوابة الشمالية السورية المطلة على تركيا وأوروبا، ويحدها من الشمال تركيا ومن الشرق محافظة حلب ومن الجنوب محافظة حماة ومن الغرب محافظة اللاذقية، وتبعد عن دمشق العاصمة 309 كم، وتعد بمثابة همزة الوصل ما بين المنطقتين الساحلية والوسطى والمنطقتين الشمالية والشرقية، إذ تكون جسراً بين مناطق الإنتاج الزراعي في الجزيرة السورية والمناطق الشرقية ومناطق التصدير في ميناء اللاذقية.
وقد شهدت المدينة تصعيدا خطيرا في الأسابيع الماضية وصل إلى حد التهديد بحدوث حرب عالمية بين اقطاب النظام الدولي وأذرعه الإقليمية في المنطقة؛ لكونها آخر المحافظات التي تؤوي عناصر المعارضة السورية المدعومة من تركيا، إلا أن قمة طهران وما اعقبها من تفاهمات في مدينة سوتشي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس التركي رجب طيب اردوغان اخمدت ذلك التصعيد وفق بنود واتفاقات ضامنة برعاية مشتركة بين الجانبين، فما هي أبرز البنود التي تضمنها الاتفاق وكيف يمكن حمايتها؟
بنود الاتفاق
• تكون المدينة مناصفة بين عناصر النظام السوري (برعاية روسية) وعناصر المعارضة للنظام (برعاية تركية). أي بمعنى آخر، عندما تكون المدينة بعمق 20كم تنسحب عناصر الجيش السوري بعمق 10 كم ومثلها تنحسب عناصر المعارضة السورية.
• تسّيير دورات عسكرية مشتركة وفقاً لمناطق النفوذ التابعة لكل منهما، أي أن الدوريات التركية تسّير وفقاً لمناطق النفوذ التابعة لها، وكذلك الحال بالنسبة للدوريات الروسية، أي أن تسير وفقاً لمناطق النظام السوري.
• إنشاء منطقة منزوعة السلاح بعمق 15 -20 كم بحلول الخامس عشر من الشهر القادم.
• في العاشر من شهر أكتوبر القادم سيتم اخراج الأسلحة الثقيلة والدبابات وراجمات الصواريخ وقاذفات الهاون لجميع تشكيلات المعارضة بما فيها جبهة النصرة وهيئة تحرير الشام من المنطقة المنزوعة السلاح.
• ينص الاتفاق الروسي التركي أيضاً على أن مراقبة المنطقة (المنطقة المنزوعة السلاح) تتولاها دوريات روسية – تركية مشتركة.
• كما نص الاتفاق على استئناف حركة السير على طريقي حلب واللاذقية وحلب وحماة نهاية العام الجاري.
وبهذا الاتفاق قد تم التراجع عن الحملة العسكرية الضخمة التي كان يجهز لها النظام السوري بدعم من الجيش الروسي، والتي من الممكن (لو حدثت) ربما تدخل المنطقة والعالم في حرب عالمية وستخلف كارثة إنسانية، تضاف إلى كوارث وأزمات المنطقة غير المستقرة أساساً. وبهذا الاتفاق ستكون مدينة إدلب رابع محافظة سوريا تدخل الاتفاق المشترك لخفض التصعيد برعاية تركيا.
إن التراجع الروسي - الإيراني عن التصعيد في إدلب قد تقف خلفه بعض الأمور، وتأتي على رأسها خشية الروس من دخولهم في خلاف مع تركيا، الأمر الذي يقوض أمن المناطق الأخرى الخاضعة للرعاية التركية، أما طهران فقد تخشى أيضاً دخول الأتراك على خط العقوبات الأمريكية والالتزام بها، فضلاً عن ذلك، فأن توصل الأطراف الفاعلة في الأزمة السورية قد يساعد على انعاش الحالية الاقتصادية لأطراف الأزمة، لاسيما بالنسبة لطهران، ويجنبها الخسائر الكبيرة في المعدات والأرواح وكذلك يجنب المنطقة كارثة انسانية؛ ولذلك استبقت طهران قمة سوتشي بإعلان موقفها بعدم المشاركة بأي عملية عسكرية في إدلب.
هذا الاتفاق يعد بمثابة ربح متبادل بين الاطراف المعنية في الأزمة السورية وبادرة مهمة من أجل السير بثبات حول تحقيق مقررات القرار الأممي واتفاق الأستانة؛ لأن الاصرار على الحل العسكري سينهي كل الاتفاقات والقرارات الأممية بشأن التسوية في الازمة السورية. وبالرغم من توصل الطرفان (الروسي والتركي) إلى تسوية فعلية بشأن الوضع في إدلب، إلا أن هناك تحديات ستواجه هذا الاتفاق بدءً من شهر أكتوبر المقبل، وهو موعد تطبيق الاتفاق، وبناءً عليه سيتم تقيم هذ الاتفاق وإعادة تقيم الوضع بشكل عام. وبهذا الصدد ربما يكون هناك تساؤل حول الآلية التي يتم فيها نزع السلاح وكيف سيتم التعامل مع الفصائل أو الحركات المتطرفة والراديكالية التي ترفض فيها نزع السلاح؟
إن الاجابة على هذا السؤال ربما لم تتضمنه بنود الاتفاق، لكن بالتأكيد ستكون هناك آلية في عقل الرئيسان (بوتين وأردوغان) قد طرحت أو تطرح فيما بعد ولم يتم الكشف عنها في تفاصيل الاتفاق المشترك، أي ربما تكون هناك عمليات عسكرية مشتركة بين الجانبين (الروسي والتركي) لمطاردة العناصر والحركات المسلحة التي ترفض تسليم سلاحها لجعل مدينة إدلب منطقة منزوعة السلاح. والتحدي الأخر الذي يقع على عاتق الجانب التركي وليس الروسي، هو كيفية اقناع فصائل المعارضة السورية في التخلي عن سلاحها وما هي الضمانات السياسية التي ستعطيها تركيا إلى عناصر المعارضة مقابل تخلي الأخيرة عن سلاحها؟
وبغض النظر عن مستوى التحديات التي ستواجه تطبيق الاتفاق عمليا فيما بعد، يبدو بأن اتفاق سوتشي كان امتداد لاتفاق الأستانة؛ لتقاسم مناطق السيطرة والنفوذ في إدلب بين الروس والاتراك (روسيا الطامحة إلى التخلص من عناصر المعارضة والحركات الإرهابية بأقل الخسائر، وتركيا الطامحة أيضاً في القضاء على حلم الأكراد في إقامة الدولة الكردية). لكن السؤال الذي سيبقى مطروحاً عن مصير مدينة إدلب، هل أن روسيا وتركيا قادرة على تطبيق بنود الاتفاق، وهل ستحسم قمة سوتشي مصير مدينة إدلب أم هناك سيناريوهات أخرى من شأنها أن تقوض هذا الاتفاق؟
اضف تعليق