ازمة التظاهرات في محافظة البصرة وصلت الى منحدر خطير، شهداء وجرحى، وحرق للمرافق الحكومية ومكاتب الأحزاب، اثارت استغراب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اختلفوا كما تعودنا مع كل ازمة، وفوق كل هذا هناك سكان البصرة الذين وصلوا الى حافة المرض والموت نتيجة عدم توافر المياه الصالحة للشرب...
ازمة التظاهرات في محافظة البصرة وصلت الى منحدر خطير، شهداء وجرحى، وحرق للمرافق الحكومية ومكاتب الأحزاب، اثارت استغراب نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي، الذين اختلفوا كما تعودنا مع كل ازمة، وقنصلية ايران لم تسلم من الاعتداء، وبينما تحرق صور شهداء الحشد الشعبي، ارتفعت هتافات تُمَجّد بالطاغية صدام، وفوق كل هذا هناك سكان البصرة الذين وصلوا الى حافة المرض والموت نتيجة عدم توافر المياه الصالحة للشرب.
ابرز مشهد على الساحة هو حرائق البصرة، اذ أفادت هيئة الحشد على حسابها على تويتر، أن متظاهرين اقتحموا مبنى مركز جعفر الطيار لتأهيل جرحى الحشد في البصرة. كما أفادت وسائل الاعلام بان متظاهرين أحرقوا مقر منظمة بدر في الزبير. كما أفيد عن حرق منزل حسن الراشد، وزير الاتصالات العراقي والقيادي في منظمة بدر، ومكتب حزب الدعوة في الزبير. وفي يوم الجمعة أضرم متظاهرون في وقت سابق، النيران في عدد من مراكز الأحزاب، كما أحرقوا مبانٍ حكومية ومقار حزبية مساء الخميس.
ضريبة التظاهرات لم تنتهي عند هذا الحد اذ استشهد 15 متظاهرا وأصيب 190 منذ بدء الاحتجاجات قبل أسبوع، بحسب وزارة الصحة، في هذه الأثناء، أعلنت العمليات المشتركة في البصرة فرض "حظر تجول مفتوح" في المدينة، ثم رفعت الحظر، ما اثار استغراب الكثير من المتابعين حيث وصلت الازمة الى مفترق خطير.
نقاش
ما اثير من نقاش حول التظاهرات وما شابها من خروقات أضاع بوصلة المطالب الجماهيرية، اذ ان الشعارات المناهضة لإيران والفصائل المسلحة المتحالفة معها، اثار موجة أخرى من الغضب التي تريد من المتظاهرين ان ينتقموا من الولايات المتحدة وحلفائها أيضا الذين يتمتعون بنفوذ واسع ليس في البصرة وحسب وانما على جميع انحاء العراق حيث تحسب الحكومة على انها متحالفة مع واشنطن.
لكن هذا ليس ما تهدف اليه التظاهرات انما هو موضوع جانبي، لا يمكن التركيز عليه، فمدينة البصرة تسير على شاطيء العطش، وبالتالي فان ميزان المواطنة الصالحة يقتضي عزل النقاش المتحيز لهذا الطرف او ذاك، والوقوف مع أهالي البصرة بكل ما اوتي أبناء الوطن من وسائل للضغط على الحكومة، فالشعب هو مصدر السلطات ومنه تنشأ القرارات التي تبني ما دمرته الصراعات السياسة.
درس في الوطنية
عزل السياسة عن مطالب العطاشى من أهالي البصرة لا يعني ان هناك تظاهرات ملائكية، فالكثير من الجهات السياسية تحاول استغلال كل شيء لصالحها، ومن ثم فالحذر واجب من أي جهة تريد ان تجعل من التظاهرات مطية لتحقيق أهدافها الخاصة، حيث تسير قافلة المطالب الحقة، مع توفير جدار كبير من الحماية الشعبية لاي جهة تستغل غضبهم.
بالطبع لا يمكن مطالبة مواطن أصابه التسمم وضربته موجة العطش، ان يفكر خارج اطار هذه الحاجة الماسة التي تهدد حياته، لكن هذه المهمة تقع على عاتق عقلاء الوطن الذين يكون لهم الدور المحوري للموازنة من زخم التظاهرات والحفاظ على السلم المجتمعي، وهنا برزت مشاهد وطنية مشرفة لا يمكن للناظر ان يتفحصها دون ان تسقط دموعه من الخجل امام هذا الوعي العالي لابناء البصرة.
المشهد الأول، كان لشيخ عشيرة بني مالك الذي وقف بين جموع من المتظاهرين اعترض بشدة على عمليات حرق مكاتب الحشد الشعبي، واعتبرها استغلالا سياسيا من قبل بعض الجهات السياسية التي تريد توظيف التظاهرات لصالحها، فحذر بكلام شديد اللهجة، مبينا ان المتظاهرين سيسحقون كل من ينتهك حقوقهم.
المشهد الثاني، لمواطن يحمل درعا لقوات مكافحة الشغب وكما يتضح من مقطع الفيديو الذي انتشر في مواقع التواصل الاجتماعي، يقول المتظاهر وبحرقة قلب انه انتشل هذا الدرع من النهر وجاء به من اجل ان يعيده الى قوات مكافحة الشغب ليثب لهم ان التظاهرات لا تستهدف قوات الامن، انما الهدف الوحيد لها هو الحصول على المطالب المشروعة لهم، ولا يملكون أي أهداف أخرى تزعزع استقرار المدينة.
حكومة الورق
اذن لا لبس في موقف التظاهرات والشعب قدم اقصى درجات الوطنية والوفاء لبلده، اما في المنطقة الخضراء حيث يعيش قادة الكتل السياسية والوزراء ورئيسهم في كوكب اخر من الامن والسلام، لا يمكن الحديث الا عن قرارت لا يمكنها الخروج الى دائرة الواقع البصري، فالحكومة الحالية حطمت الرقم القياسي بعدد القرارات غير المنفذة، ويمكن تسميتها بانه الحكمة الأكثر بخلا التي مرت على تاريخ العراق خلال الالفية الجديدة. فلا انفاق حكومي، والحجة بذلك عدم وجود أموال رغم تجاوز أسعار النفط عتبة 75 دولارا للبرميل بينما توقفت عمليات التوظيف وكل المشاريع.
الحكومة ووزرائها يعيشون في عالم والبصرة في عالم اخر، كما يقول محافظها اسعد العيداني، الذي استضيف في مجلس النواب، الا ان العيداني هو الاخر لا يمكن تبرئته من الازمة، فحكومته المحلية لم تقدم أي شيء ملموس، ولا قدمت حلولا جذرية لمشكلات المدينة التي تتفاقم يوما بعد يوم. وبالفعل لم نشهد خلال عام 2018 لقاءات بين الحكومة الاتحادية ودول الجوار تناقش ازمة المياه التي تعد احد اهم أسباب ما يحدث في البصرة من عطش، ما عدا الزيارة الأخيرة لرئيس الوزراء الى تركيا التي قال انها جاءت للتباحث حول ازمة المياه، ويخشى المواطن البصري ان يكون ما اعلنه العبادي من تركيا مثل سابقاته من التصريحات التي لا تتعدى مجال البث التلفزيوني.
من الواضح ان هناك سوء تعامل للحكومات السابقة مع الأوضاع في البصرة، وهذا لا يخفى على احد، وحالة العطش والحرمان دفعت الأهالي الى التظاهر، ومن الواضح ان أي تظاهرة في العالم يتم خرقها من قبل افراد مندسين، وهو طبيعي ولا يسحب منها مشروعيتها في الاستمرار حتى إعادة الحقوق الى أهلها، وبينما يمكن تسير الأمور نحو تصعيد شعبي في تطور لمفهوم نشاط المواطن، لا تزال الحكومة العراقية تسير على نفس خطى الحكومات السابقة وهذا يجعلها المتهم الأول فيما سوف يحدث من أزمات.
اضف تعليق