ربما انتج غزو داعش لحوالي ثلث الأراضي العراقية وعيا شعبيا ضغط على الأحزاب والتيارات المسيطرة لتغيير اسلوبها في إدارة الدولة العراقية وتوزيع المناصب، وهو ما ولد ائتلافات مختلطة بين السنة والشيعة، وما يحتاجه البلد في المرحلة المقبلة نظرة واقعية قائمة على عدم التخلي عن أمريكا او ايران، انما الموازنة بينهما وتوظيفهما لمصلحة العراق، لا ان يكون البلد هو حطبا لحروب الطرفين...
لم تتفق الاحزاب السياسية العراقية على تسمية الكتلة البرلمانية الأكبر، القادرة على تشكيل الحكومة المقبلة، اذ انتهت الجلسة الأولى لمجلس النواب المنتخب بنصاب مختل بعد انسحاب كتلة "البناء"، التي أُعلن عنها منتصف ليل الاحد، فيما تاجلت الجلسة الجديدة للبرلمان الى الخامس عشر من الشهر الجاري دون أي بوادر لبروز كتلة كبيرة حتى الان.
وفي منتصف ليل الاحد أيضا توصل ائتلاف العبادي والصدر والحكيم وكيانات أخرى الى تشكيل ما قالوا انها الكتلة الأكبر وحملت اسم "ائتلاف الإصلاح والبناء"، وتضم الكتلة 16 كياناً سياسياً، بمجموع 177 نائباً، بحسب ما ذكرت قيادات في الائتلاف أي أكثر من نصف عدد النواب الـ329 الذين فازوا في الانتخابات التشريعية. وزعمت هذه القيادات ان الطريق اصبح مفتوحا امام رئيس الوزراء العراقي المنتهية ولايته، للاحتفاظ بمنصبه.
لكن الضربة التي وججها الائتلاف الاخر الذي حمل اسم "البناء"، والمكون من 150 نائبا تشكل من كتلة الفتح وائتلاف دولة القانون، وجزء من ائتلاف النصر، وشخصيات سنية وأخرى من ائتلافات شيعية متفرقة، ولتاكيد عدد نوابه قاطع جلسة مجلس النواب يوم الاثنين حيث اختل نصابها ما يعني ان ائتلاف "الإصلاح والبناء" لم يكن يملك حقا 177 نائبا ولو كان فعلا يمكلها لتمكن من ملء مقاعد مجلس النواب والتصويت على انتخاب رئيس للمجلس ونائبيه.
انهيار الطائفية
ابرز ما افرزته التحالفات الانتخابية الجديدة هو انهيار الطائفية التقليدية، حيث كانت جلسات مجلس النواب تبدأ بثلاثة كيانات، يمثل الكيان الأكبر الشيعة، والثاني للاكراد، والثالث للسنة، اذ تفكك هذا التصنيف وجاء تصنيف جديد قائم على أساس المصالح السياسية، فبينما ذهب خميس الخنجر وهو السني المتطرف في ارائه مع تحالف العامري والمالكي، ذهبت كتل سنية أخرى مع تحالف الصدر والعبادي، وهذا مؤشر على موت الطائفية التي كانت وسيلة الوصول الى السلطة للكثير من الشخصيات السياسية.
بالطبع لا يخفى على احد حجم الفوضى التي اصابت البرلمان الجديد، الا ان هذا دليل على التحول الذي تمر به العملية السياسية العراقية برمتها، فقد تهدم كيان الطائفية الى غير رجعة، وتم دفنها تحت رحمة الأسس الجديدة للنظام السياسي العراقي، مع الحذر من الخروقات الكبيرة للدستور نتيجة غياب سلطة قوية قادرة على حماية بنوده.
من القضايا الأساسية التي افتقدت اليها التحالفات الجديدة هي غياب البرامج السياسية الواضحة، فالارتباك واضح على الجميع، وكل طرف يريد الظفر بالكتلة الأكبر التي تؤهله لتشكيل الحكومة المقبلة، بينما وضعت المتطلبات الوطنية على الرفوف، وغابت حتى عن التصريحات الإعلامية، لان عنف التغيير خلط الحسابات كلها.
تعزيز التدخل الخارجي
تفكك البيئة الطائفية للتحالفات وانهيار الائتلافات التقليدية رغم بقاء شخوصها، رافقه تغول في التدخل الخارجي بالشان العراقي، فالتشظي الحاصل للكتل الكبيرة والصغيرة، يجعلها بحاجة ماسة الى من يدعمها في ظل التسابق نحو المكاسب، وبينما هي تفتقد لبرامج واقعية يمكن ان تعزز من حظوظها تجد في الدعم الخارجي اسهل الطرق للحصول على السلطة.
وما زاد من التدخل الخارجي في عملية تشكيل الحكومة، هو التوتر الشديد بين الولايات المتحدة الامريكية التي تقود قطبا سياسيا فاعلا في العراق، وايران التي لها حضور لا يمكن تجاهله، تريد واشنطن اقتلاع ايران من جذورها التي زرعتها في العراق منذ عام 2003، بينما تريد ايران تأكيد قدرتها على التاقلم مع الظروف القاسية، وبين هذين القطبين القويين يزداد خنق السيادة العراقية بشكل غير مسبوق.
ربما انتج غزو داعش لحوالي ثلث الأراضي العراقية وعيا شعبيا ضغط على الأحزاب والتيارات المسيطرة لتغيير اسلوبها في إدارة الدولة العراقية وتوزيع المناصب، وهو ما ولد ائتلافات مختلطة بين السنة والشيعة، وما يحتاجه البلد في المرحلة المقبلة نظرة واقعية قائمة على عدم التخلي عن أمريكا او ايران، انما الموازنة بينهما وتوظيفهما لمصلحة العراق، لا ان يكون البلد هو حطبا لحروب الطرفين.
اضف تعليق