في الازمة الخليجية التي افضت الى حصار قطر من قبل السعودية والامارات ومصر والبحرين، كان للرياضة حضور فيها، حيث نظمت حملات إعلامية مكثفة لسحب يد قطر من تنظيم بطولة كاس العالم 2022 بحجة ان هناك انتهاكات لحقوق الانسان مثل عدم الاهتمام بالعمال، بالإضافة الى دعم قطر للجماعات الإرهابية وامور أخرى بعضها ذات جوانب فنية او إنسانية، لكن كل تلك الاتهامات لم تكن موجودة اطلاقا قبل اندلاع الازمة...
في الازمة الخليجية التي افضت الى حصار قطر من قبل السعودية والامارات ومصر والبحرين، كان للرياضة حضور فيها، حيث نظمت حملات إعلامية مكثفة لسحب يد قطر من تنظيم بطولة كاس العالم 2022 بحجة ان هناك انتهاكات لحقوق الانسان مثل عدم الاهتمام بالعمال، بالإضافة الى دعم قطر للجماعات الإرهابية وامور أخرى بعضها ذات جوانب فنية او إنسانية، لكن كل تلك الاتهامات لم تكن موجودة اطلاقا قبل اندلاع الازمة.
بنفس السيناريو شنت السعودية هجوما إعلاميا واسعا على كندا واتهمتها بممارسة انتهاكات لحقوق الانسان في سجونها، ودعمها للارهاب، من بين أمور أخرى كثيرة، ردا على انتقاد كندا للسجل الحقوقي للرياض. وبنفس السيناريو القطري لم تكن الرياض لتتحدث عن أي من هذه الانتهاكات المزعومة ضد كندا لو لم تحدث هذه الازمة.
انزعجت الجماهير العربية من أسلوب السعودية في التعاطي مع الازمات الإقليمية والدولية، واتهموها بتسييس كل شيء، حتى الحج هناك فهو مسيس، كما تقول وسائل الاعلام المعارضة لسياسات الرياض، وهذا الأسلوب غير مقبول ويعكس صورة سلبية عن الدول العربية والإسلامية امام الغرب النقي الذي يضع كل شيء في مكانه. هكذا يقول المثاليون العرب.
انتعال حقوق الانسان
لكن اذا تمكنا من تصفح تاريخ الممثل الرسمي للعالم الغربي والأب الروحي لأعظم ديمقراطية في التاريخ لحد الان، وهي الولايات المتحدة الامريكية سنجدها تقوم بـ"ممارسات سعودية"، او يمكن قلب المعادلة لتكون السعودية هي التي تقوم بـ"ممارسات أمريكية"، هذه الممارسات القائمة على ربط كل شيء بالسياسية، والمنافع الخاصة بها، وحتى القيم التي تروج لها ونراها من خلالها على انها مثالية تبدو كتوظيف سياسي لرسم تلك الصورة الجميلة عن دولة تشبه قدر الرز الذي يجذب كل جوعان اليه.
على سبيل التذكير لم تكتشف الولايات المتحدة الامريكية ان نظام حزب البعث الاجرامي في العراق، يقوم بمجازر مروعة ضد شعبه الا حينما اختلت العلاقة بينمها، وكانها لم تكن تفهم انه حينما يشتري الأسلحة الكيميائية فانه يقوم بالقائها على خصومه الإيرانيين، ولاحقا ضده الشعب الكردي المسكين الذي لم يكن يملك الا البنادق لمواجهة هجمات الغازات السامة، والتاريخ نفسه اليوم يتكرر لكن في نقطة أخرى من العالم العربي، وفي اليمن تحديدا حيث تعاد نفس الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب الكردي ضد الشعب اليمني، ورغم ان الشعبين يختلفان قوميا وحتى في التوجهات السياسية، الا ان القائم بالفعل نفسه، انه حليف الولايات المتحدة الامريكية الذي لا يمكن معاقبته.
في إسرائيل تقوم هذه الدولة الأكثر عنصرية في التاريخ الحديث بأبشع الجرائم وتصدر قوانين رسمية للقتل، تسمح لجنود الاحتلال بقتل الفلسطينيين في الشوارع لا يمكن لاحد محاسبة هذه الدولة لانها حليف للولايات المتحدة الامريكية، ومن المفارقات ان هذه الدولة الاجرامية أصدرت قانونا عنصريا لكنها وفق الرؤية الامريكية لا تزال الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط بين دول تحكمها الديكتاتوريات.
سلاحي لك وصوتك لي
ليس حقوق الانسان هي "النعل" الوحيد الذي تلبسه الدول العظمى فواشنطن تستعرض تفوقها وتوظفه في المجال السياسي، وقامت بإنتاج كبير لطائرات الشبح، رغم ان الكثير من الطائرات الأقل تكلفة منها تؤدي الأدوار المطلوبة في الدول الاوربية التي تمثل السوق الامريكية الرائجة، لماذا هذا الاسراف بالسلاح، لان واشنطن تريد ان تضع نفسها في المقدمة، حتى وان أدى ذلك الى حروب جديدة، فالحرب في حصيلتها النهائية تدمير للجميع وإعادة تدوير للتفوق الأمريكي.
عصر البطالة الدبلوماسية
ان تكون اول ديمقراطية عالمية وان تملك جميع أدوات التفوق، فلماذا لا تملك عملة عالمية يسيل لعاب الجميع من اجل الحصول عليها، هكذا كانت قصة عملة الدولار الامريكية، والتي استخدمت كوسيلة لنشر النفوذ الاقتصادي الأمريكي في جميع انحاء العالم، وحتى وقت قريب كان الاستخدام السياسي لهذه العملة قليلا جدا، الا حينما تستنفذ كل الوسائل وتستخدم بطريقة محددة وبعد الحصول على اجماع دولي حولها.
اليوم يعيد الرئيس دونالد ترامب صياغة مفهوم جديد لتوظيف هذه العملة في علاقات أمريكا مع الدول الأخرى، حتى لم يعد هناك شيء اسمه وزارة الخارجية، والنوافذ الدبلوماسية تعيش حالة من البطالة التي تنذر بتحول خطير في السياسة الامريكية يتحول فيها العقاب الى شيء روتيني مثل خطابات القيم المثالية التي لا تقنع الا أصحاب العقول المختلة.
لم تعد هناك حاجة للحوار فكل شيء بضغة زر نووي، او بتوقيع مرسوم رئاسي، يتم على اثره تدمير دولة او تجويع شعب كامل، انها تريد ان تكون مثل الشمس، تضيء للجميع ويحبها الجميع، لكنها تحرق أي احد يقترب منها، فالنار والغضب أسلوب تأثير وفعل قوة، حسب نظرية ترامب، والذي أصاب الدبلوماسية الامريكية بأزمة بطالة خطيرة، حينما استبدلها بالعقاب للصغار والكبار فهو الاسهل والاسرع في تحقيق التدمير للخصوم.
اضف تعليق