حتى الان شهدت الدولة ثلاثة انتخابات برلمانية دورية تمتاز بدرجة ما بكونها افضل من انتخابات \"المجلس الوطني\" الشكلي التي كانت تجرى في العراق في زمن النظام البعثي المقبور، لكن في كل مرة، تنشغل القوائم الانتخابية بهم السلطة اكثر من انشغالها بهم الدولة.
حتى الان شهدت الدولة ثلاثة انتخابات برلمانية دورية تمتاز بدرجة ما بكونها افضل من انتخابات "المجلس الوطني" الشكلي التي كانت تجرى في العراق في زمن النظام البعثي المقبور، لكن في كل مرة، تنشغل القوائم الانتخابية بهم السلطة اكثر من انشغالها بهم الدولة، لذا وجدنا ان الموضوع الاساسي بعد الانتخابات كان يتمثل بامرين: تشكيل الكتلة النيابية الاكبر التي سوف ترشح اسم الشخص الذي يتولى تشكيل ورئاسة مجلس الوزراء، والاتفاق على اسماء "ترويكا" الحكم اي الثلاثي الذي سوف يتولى رئاسة البرلمان ورئاسة الجمهورية، ورئاسة الحكومة؛ لان العادة السياسية جرت ان يتم الاتفاق على هذه الاسماء بصفقة او سلة واحدة سيرا على نهج المحاصصة الطائفية والعرقية والحزبية المعمول به منذ ان شكل بريمر مجلس الحكم المنحل.
وهذا كله من عيوب التاسيس التي جرّت العثرات في الدولة العراقية وانتهت بنظام هجين يسود فيه الفساد وعلامته تدني الجودة في الانجاز.
بعد عدة تجارب انتخابية لايبدو ان الكتل السياسية الفائزة تعلمت درسا او اخذت عبرة من اخطائها التأسيسية. فرغم الكلام الطيب الذي سمعناها اثناء الحملة الانتخابية عادت هذه الكتل، او معظمها على الاقل الى سيرتها الاولى: السلطة اولا. وهذا يعني ان هذه الكتل تدور حول نفسها وتعيد انتاج الازمة كل اربع سنوات. والسبب هوسُها بالسلطة الذي يخفي في حقيقة الامر طموحات شخصية في تولي منصب رئيس الوزراء المغري وتقاسم الحقائب الوزارية بين الكتل على اساس ما تسميه "الاستحقاق الانتخابي" المعمول به في العراق فقط. وهذا من عيوب التاسيس ايضا. ولهذا اكرر القول بان الكتل السياسية اضحت جزءً من المشكلة وليست جزءً من الحل. وهذا الاستنتاج يوصلنا الى طريق مسدود. وفي ظل استبعاد الطرق غير الدستورية للتغير سنظل نبحث عن مخارج للازمة ضمن الترتيبات الدستورية والقانونية الراهنة حتى يحدث الله امرا اخر.
اليوم، فان الكتل السياسية الفائزة مشغولة بصيغ تشكيل الكتلة الاكبر ومواصفات شخص رئيس الوزراء. وبالمناسبة لم اسمع من بين الشروط شرطا يقول: ان يكون مؤمنا بالطريقة الديمقراطية لادارة البلاد وممارسة الحكم، والسبب لان الديمقراطية هي اخر ما يهم الكتل السياسية.
والنتيجة: تبقى مسالة بناء الدولة مركونة على الرف. ومع ان الحكومة عنصر اساسي من عناصر الدولة، الا انها تكون كذلك ضمن الدولة التي انجز بناؤها،لا ان تكون عنصرا منفردا مطلوبا لأجل ذاته فقط. والمواطن، حتى وان لم يعبر لفظيا عن هذا، فانه غير معني بتقاسمات السلطة بقدر انشغاله واهتمامه ببناء الدولة. لان تحقيق متطلباته الحياتية مرهون بقيام الدولة وحكومتها الكفوءة. الدولة مؤسسات وقانون وخدمات اساسية ورفاهية وامن وتربية وسكن وصحة و فرص عمل واعمار وازدهار اقتصادي الخ. والمواطن يريد هذه المفردات لكي يعيش بكرامة وسعادة. المواطن غير معني بحصص الكتل من الحقائب الوزارية وغير معني بتشكيل حكومة على اساس الاستحقاق الانتخابي لترضية كل الكتل الفائزة بدون استثناء. المواطن ينتظر من الكتل السياسية ان تناقش البرامج والخطط المحققة لهذه الطموحات والاهداف ولا يبالي بنقاشاتها حول تكوين الكتلة الاكبر وما يتعلق بها.
السنوات تمضي. وكان يفترض ان تتطور العملية السياسية ايجابيا، لكن الذي حصل ان العملية السياسية تراوح مكانها، بل ربما تتراجع بالمقاييس الديمقراطية، ومقياس رضا الناس عنها، ومقياس الخدمات التي تقدمها للناس. والناس تصبر. لكن صبرها ليس الى ما لانهاية. الان صبر الناس اقل من صبرها قبل ٤ سنوات، وقبل ٨ سنوات، بل قبل ١٥ سنة.
اضف تعليق