لا بد للقوة الصينية ان تزيح واشنطن عن عرش الصدارة العالمية، وهي تعرف ان هذا طريق طويل، قد يستغرق سنوات أخرى من الانتظار، لكن بكين على قناعة تامة ان الصعود الى القمة يتطلب السيطرة على الشرق الأوسط، الذي يمثل قلب العالم النابض بالطاقة والموقع الجغرافي الحيوي، لذا فان الحديث عن ارسال قوات صينية الى سوريا سوف يكون بداية الانطلاق لمرحلة جديدة من الصراع الدولي...
قبل أيام نشرت جريدة "الوطن"، السورية والمقربة من الحكومة، تصريحات للسفير الصيني لدى دمشق تفيد باستعداد بلاده المشاركة في معركة إدلب لوجود مقاتلين من الإيغور القادمين من الصين، وأبدى السفير تشي تشيانجين استعداد بلاده للمشاركة "بشكل ما"، إلى جانب الجيش السوري "لمكافحة الإرهابيين" في إدلب أو أي مكان في سوريا.
ونُقِلَ عن وونج راي تشانج، الملحق العسكري الصيني في سوريا، قوله كذلك أنّه من الممكن للقوات المسلحة الصينية المشاركة في عملية عسكرية لاستعادة إدلب إذا قامت بكّين باتخاذ القرار السياسي اللازم لفعل ذلك.
مثل هذه التصريحات غير مألوفة في السياسة الخارجية الصينية، وخاصة فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط التي تشهد صراعات دامية لا تريد بكين ان تلحق الضرر بمصالحها الاقتصادية ذات الاطراف المتعددة، مع دول متحاربة مع بعضها في سوريا، او في دول أخرى، لكن قرائن كثيرة تجعل التحول الصيني تجاه سوريا والمنطقة حتميا.
صحيفة "نيوز رو" الروسية، رأت ان الموقف الصيني يأتي في سياق دعمها المتواصل للحكومة السورية، اذ أنه منذ اندلاع الأزمة السورية، لم تنقطع العلاقات بين بكين ودمشق، وواصلت الجهات الرسمية الدبلوماسية عملها، تماماً مثل روسيا. وقالت الصحيفة في مقال لها، حول استشراف مستقبل الجيش الصيني ورؤيته للصراع في سوريا، إن الصين قدمت قروضاً للحكومة السورية بالإضافة إلى إمدادات عسكرية للجيش؛ تتمثل بالأساس في معدات نقل وبعض الأسلحة الخفيفة.
في الضفة الامريكية، اعتبرت "نيوزويك" أن الصين لديها أيضاً مصلحة أمنية في استقرار سوريا، وتستشهد بما قاله (عماد مصطفى) سفير سوريا في الصين لوكالة رويترز في أيار/مايو "الصين، يجب أن تشعر بقلق شديد" حيث يُعتقد أن ما يصل إلى 5000 صيني يقاتلون في سوريا بين صفوف "المنظمات الإرهابية" مثل "القاعدة" وتنظيم "داعش".
قبل الخوض في تحليل الموقف الصيني في سوريا، ردت بكين على المعلومات التي نشرتها صحيفة "الوطن" عن سفيرها في دمشق، ونفت ما أوردته الصحيفة عن استعداد بكين للمشاركة في عملية تحرير إدلب، فيما نشرت الصحيفة بيانا عزت "عدم دقة الخبر" الى "سوء ترجمة كلام السفير والملحق العسكري".
لكن هل التصريح قد فضح الخطة الصينية ام ان النفي هو التعبير الفعلي عن الواقع؟
لا يمكن لسفارة دولة مثل الصين ان تنتظر أسبوعا كاملا حتى تعرف ان هناك خبر خاطئ نقل عن سفيرها وملحقها العسكري، لتقدم بعد ذلك نفيا للمعلومات التي انتشرت في جميع وسائل الاعلام العالمية، ومن ثم فان هناك اعتقاد ان ما نشر هو نوع من بالون الاختبار لجس النبض واختبار ردود الأفعال، فالصين قد اتخذت القرار، بعد ان تعرضت لأكبر ابتزاز امريكي في التاريخ.
الابتزاز جاء على شكل ضرائب على السلع الصينية بدأ سريان مفعولها مطلع شهر تموز الماضي، وقد تصل هذه الضرائب بحسب تهديد دونالد ترامب الى ما قيمته 200 مليار دولار من المنتجات الصينية. وهذا ما دفع بكين الى الرد بالسرعة الممكنة حيث وصلت قيمة الضرائب المتبادلة حتى الان حوالي 100 مليار دولار وهي مرشحة لتصل الى مستوى الرقم الذي عرضه ترامب.
يعتقد المتحدث باسم وزارة التجارة الصينية : "إنه ومع فرض 25 بالمائة من الرسوم الإضافية على المنتجات الصينية بقيمة 34 مليار دولار أمريكي اعتباراً من السادس من تموز، فإن الولايات المتحدة أشعلت أكبر حرب تجارية فى التاريخ الاقتصادي." ومصطح "اكبر حرب" يحتاج الى رد مناسب، او اكبر منه، والضرائب المضادة هي رد دفاعي اكثر منه هجومي، والصين تجد نفسها انها ستخسر كل نجاحاتها الاقتصادي في حال بقيت أسيرة القرارات الامريكية، وهو ما يعني ضرورة التحرر بشكل اكبر عبر التوسع في اكبر مراكز الطاقة في العالم، وهو الشرق الأوسط.
بدأ التحرك الصيني غير المسبوق نحو المنطقة العربية، بإعلان الرئيس الصيني في اخر زيارة له للكويت الشهر الماضي "أن بلاده ستقدم قروضا للتنمية الاقتصادية بقيمة 20 مليار دولار إلى دول عربية"، بينغ قال إن الموقع الجغرافي للدول العربية في قلب طريق التجارة القديم يجعل منهم "شركاء طبيعيين" في مبادرة "الحزام والطريق الصينية الجديدة.
الوثبة الصينية الجديدة نحو تسلق سلم القيادة العالمية يمر عبر منطقة الشرق الأوسط وصولا الى اوربا، ضمن مبادرة "الحزام والطريق"، وتعرف بكين ان هذا المشروع الطموح يتطلب حماية مكلفة، قد توفرها السلطات المحلية للدول التي توجد فيها المشاريع الصينية، واذا ما وجدت ان تلك الدول قد عجزت عن أداء الواجب، فان التدخل المباشر او غير المباشر يكون هو السبيل الوحيد.
لا بد للقوة الصينية ان تزيح واشنطن عن عرش الصدارة العالمية، وهي تعرف ان هذا طريق طويل، قد يستغرق سنوات أخرى من الانتظار، لكن بكين على قناعة تامة ان الصعود الى القمة يتطلب السيطرة على الشرق الأوسط، الذي يمثل قلب العالم النابض بالطاقة والموقع الجغرافي الحيوي، لذا فان الحديث عن ارسال قوات صينية الى سوريا سوف يكون بداية الانطلاق لمرحلة جديدة من الصراع الدولي.
اضف تعليق