q
في اول خطاب له طرح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، 12 شرطا مقابل موافقة واشنطن على ابرام اتفاق جديد مع طهران، حيث كرس بومبيو كلمته الأولى في شهر أيار الماضي للحديث عن الحدث العالمي الأبرز والمتمثل بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وفق ما توعد ترامب خلال حملته الانتخابية بتحويله الى رماد وفرض اقسى عقوبات في التاريخ ضد طهران...

في اول خطاب له طرح وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، 12 شرطا مقابل موافقة واشنطن على ابرام اتفاق جديد مع طهران، حيث كرس بومبيو كلمته الأولى في شهر أيار الماضي للحديث عن الحدث العالمي الأبرز والمتمثل بانسحاب بلاده من الاتفاق النووي الإيراني، وفق ما توعد ترامب خلال حملته الانتخابية بتحويله الى رماد وفرض اقسى عقوبات في التاريخ ضد طهران.

الشروط التي وضعها وزير الخارجية الطامح لشن حرب ضد ايران كانت كالاتي:

1. وقف تخصيب اليورانيوم وعدم القيام بتكرير بلوتونيوم، بما في ذلك إغلاق مفاعلها العامل على الماء الثقيل.

2. تقديم تقرير للوكالة الدولية للطاقة الذرية حول البعد العسكري لبرنامجها النووي والتخلي بشكل كامل عن القيام بمثل هذه الأنشطة.

3. منح مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية إمكانية الوصول إلى كل المواقع في البلاد.

4. وقف نشر الصواريخ الباليستية والتطوير اللاحق للصواريخ القادرة على حمل الأسلحة النووية.

5. إخلاء سبيل كل المحتجزين من الولايات المتحدة والدول الحليفة والشريكة لها، الذين تم توقيفهم بناء على اتهامات مفبركة أو فقدوا في أراضي إيران.

6. التعامل باحترام مع الحكومة العراقية وعدم عرقلة حل التشكيلات الشيعية المسلحة ونزع سلاحها.

7. سحب جميع القوات، التي تخضع للقيادة الإيرانية، من سوريا.

8. وقف تقديم الدعم لـ"التنظيمات الإرهابية"، الناشطة في الشرق الأوسط، بما في ذلك "حزب الله" اللبناني، وحركة "حماس"، وحركة "الجهاد الإسلامي"، ووقف الدعم العسكري للحوثيين في اليمن، ولحركة "طالبان" و"الإرهابيين" الآخرين في أفغانستان، وعدم إيواء مسلحي "القاعدة"..

9. وقف "دعم الإرهاب" بواسطة قوات "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني.

10. التخلي عن لغة التهديد في التعامل مع دول مجاورة لها، كثير منها حلفاء للولايات المتحدة، بما في ذلك الكف عن التهديدات بالقضاء على إسرائيل والهجمات الصاروخية على السعودية والإمارات.

11. التخلي عن تهديد عمليات النقل البحرية الدولية.

12. وقف الهجمات السيبرانية.

هذه الشروط اثارت غضب القادة الإيرانيين ودفعتهم الى رفع سقف التهديدات الى اقصى حد، بعد ان لحقت لها وعود أمريكية بتصفير الصادرات النفطية الإيرانية، (أي منعها من تصدير أي لتر من النفط)، قال الرئيس حسن روحاني ان بلاده ستغلق مضيق هرمز، فيما قال قاسم سليماني انه يقبّل يد الرئيس لانه عاد الى مسار الدفاع عن "الثورة"، وبعدها قال ان كل المصالح الأمريكية في المنطقة تمثل هدفا لإيران وحلفائها، وذكّر الإدارة الامريكية بانها توسلت اليه يوما لمنع الفصائل العراقية من مهاجمة القوات الامريكية، اما المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، فاعلن ترحيبه بالخطاب شديد اللهجة من قبل روحاني.

لم تهدأ العاصفة حيث احرق الحوثيون، حلفاء ايران في اليمن، احرقوا بارجة سعودية أجبرت الأخيرة على تعليق تصدير النفط عبر مضيق باب المندب، بدها اطلقوا ولأول مرة طائرة مسيرة هاجمت مطار أبوظبي الدولي. كل هذه الاحداث اتهمت ايران بالمساعدة على تنفيذها، ابرزها تقرير سري للأمم المتحدة نشر في الثلاثين من شهر تموز، قدمته لجنة خبراء لمجلس الأمن في الأمم المتحدة تقول فيه إن الحوثيين ما زالوا يتزودون بصواريخ باليستية وطائرات بلا طيار من إيران بعد فرض الحظر على الأسلحة في العام 2015. وتمكن فريق الخبراء من تفحص حطام عشرة صواريخ وعثر على كتابات تشير إلى أصلها الإيراني، بحسب ما جاء في التقرير الذي يغطي الفترة الممتدة من يناير إلى يوليو 2018.

التحركات الإيرانية تبدو مثل الصراخ من الم الصفعة التي أحدثها دونالد ترامب لاقتصادها، ففي هذا العام، فقدت العملة الإيرانية أكثر من نصف قيمتها بسبب الاقتصاد الضعيف، والصعوبات المالية في البنوك المحلية، والطلب الإيراني الكبير على الدولار بسبب الخوف من العقوبات الدولية. ومن المتوقع أن يتفاقم الوضع الإيراني أكثر في شهر تشرين الثاني، بعد أن تصبح العقوبات الأمريكية سارية المفعول. وكيف يكون الحال اذا ما اخذنا في الاعتبار خروج اغلب الشركات الاوربية الكبيرة.

أمريكا عقدت الكثير من اللقاءات مع حلفائها لبحث اليات التعامل مع إيران، دفعت السعودية الى التعهد بتعويض الامدادات الإيرانية في حال تصفيرها ومنع تصديرها، ووافقت الرياض وفق ما غرد ترامب على تويتر، مبينا ان ذلك يأتي للمساهمة في استقرار الأسعار، اما إسرائيل فالفت طاقما مشتركا مع الولايات المتحدة لزيادة الضغط الداخلي على إيران، كجزء من وثيقة التفاهمات بينهما، في ظل قناعتهما بأنه لا توجد شكوك بأن النظام الإيراني في طريقه للسقوط، لكن أداءه الداخلي قد يطرأ عليه تغيير. وفق ما تنقل صحيفة معاريف مطلع شهر تموز.

تحولت منطقة الشرق الأوسط الى ساحة لعرض مشاهد مسلسل تراجيدي ابطاله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والإسرائيلي بنيامين نتنياهو وزعماء السعودية والامارات، ضد المعسكر الإيراني "الشرير" وفق وجهة النظر الامريكية، حيث برز الرئيس الإيراني حسن روحاني، ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، انضم اليهم قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، تبادل هؤلاء الأدوار لكنها ظلت في طور الصعود نحو الحبكة التي لم يعرف احد كيف ستنتهي، الى حريق يشعل الجميع او هدوء يريح أعصاب العالم الذي وقف خائفا من النهاية.

ترمب استغل ترقب العالم لما يحدث، فبرز مرة أخرى بإعلان اثار الضجة، حيث عبَّر يوم الإثنين 30 يوليو/تموز 2018، عن استعداده للقاء الزعيم الإيراني دون شروط مسبقة؛ لبحث كيفية تحسين العلاقات بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، قائلاً: "إذا كانوا يريدون اللقاء فسوف نلتقي".

الصدمة التي تلقاها العالم بمشهد ترامب الخالي من الشروط، أعاد للاذهان حربه الإعلامية الكبيرة ضد الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ اون، فبعد ان وصفه بـ"رجل الصواريخ الصغير"، وهدده بـ"النار والغضب"، عاد وجلس معه في قمة تاريخية، اثمرت حتى الان تغطية تلفزيونية دون ان يتخلى الزعيم الكوري عن أي صاروخ باليستي واحد، فما بالك بقنابله النووية! هذا الشبح بالنسبة للأمريكيين وحلفاؤهم، يعود اليوم مع اعلان حاكم البيت الأبيض عن رغبته بالجلوس مع الزعيم الإيراني بدون شروط، فهل يعني هذا انه تخلى عن شروط بومبيو الاثني عشر، وهي تمثل اهم الامال التي تعقدها عليها السعودية والامارات وإسرائيل وكل من يتبنى وجهة متطرفة تجاه ايران.

لا يمكن اصدار حكم مبكر على التحولات الجديدة في الخطاب الأمريكي تجاه ايران، لكن أوساطا دبلوماسية في الولايات المتحدة ربطت زيارة يوسف بن علوي، وزير الخارجية العماني إلى واشنطن ولقائه بوزير الدفاع جيمس ماتيس الجمعة الماضية بمساعٍ إيرانية للتهدئة وفتح قناة تواصل مع إدارة الرئيس الأمريكي ترامب، يدعم هذه التقارير تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين اكدوا على انهم لا يرغبون باغلاق مضيق هرمز.

في ظل هذه الاحداث الأخير يمكن التأكيد على ان خيار الحرب قد تم استبعاده نهائيا، والتفكير الان ينصب على إيجاد مخرج للازمة يضمن حفظ ماء الوجه للطرفين، بعد ان وجد كل منهم في عدوه صلابة غير متوقعة.

اضف تعليق