الحل الحقيقي يتضمن ثلاثة مسارات جوهرية تتفرع منها كل المسارات الأخرىن يتمثل المسار الأول، بتعديل وليس الغاء النظام السياسي الحالي، والتركيز على منع الأحزاب من تلقي معونات خارجية لان ذلك يدفعها ان تكون موالية للشعب من خلال تقديم أفضل الخدمات وتشريع القوانين لصالحه، المسار الثاني، يتمثل بإعادة تشكل النظام الاجتماعي وجعل القانون هو الفيصل، المسار الثالث، يتمثل بإنشاء نظام اقتصادي مغاير تماما لنظام التوظيف الحكومي وتشجيع المشاريع الخاصة...
منذ عام 2003 وحتى فترة قريبة كان الإعلان عن انجاز مشروع حكومي يعد مكرمة على الشعب ان يصلي من اجلها سنوات لعله يستطيع إعادة القليل من الفضل للشخص الذي قام بها او دفع بإنجازها، وهنا لا يمكن البحث عن أخطاء جرت اثناء التنفيذ بقصد او من دون قصد، لان الوضع قد تبدل نحو الأفضل كما يقول الكثير من المواطنين، فالشارع الذي كان عبارة عن تراب تحول اليوم الى طريق معبد ولا يهم ان كان يتوافق مع المعايير التقنية او انجز بطريقة خاطئة قد تؤدي الى تحوله الى مجموعة من الحفر بعد أشهر قليلة.
لا يجوز الحديث عن خطأ ارتكبته الحكومة المحلية في مشروع تحلية المياه في الحي الفلاني لأننا كنا في السابق لا نفكر في هذا المشروع حتى في اشد احلامنا تفاؤلا، لذلك فعلينا شكر هذه النعمة العظيمة ان نفتح صنبور الماء في باب البيت بدل السير مسافات طويلة لجلب غالونات الماء، اما من يتحدث عن المعايير العالمية التي يمكن ان تسير بنا الى الطريق السليم لبناء الدولة فهو متشائم ولا يرى الا الجزء غير المملوء من الاناء.
كان الناس يرضون عن الخدمات التي تقدمها الحكومة لهم ليس لانها خدمات جيدة بل لانها افضل بقليل من تلك التي كانت تقدمها حكومة حزب البعث قبل عام 2003، وان بعض الناس كان لا يرى في الخدمات مشكلة تواجهه انما كانت المشكلة سياسية فقط، تتعلق بحرية الراي والتعبير والتداول السلمي للسلطة التي كان نظام البعث قد استولى عليها كليا وحرم الناس منها، وهذا هو منطق الأحزاب السياسية الحاكمة التي جثت على ركبتيها ترتب أسس هذا النظام الجديد باعتباره منجزا تفتخر به امام جمهورها.
الناس التي كانت ترى المشاريع الحكومية المبعثرة هنا وهناك مؤشرا على مستقبل افضل للبلاد، فاستبشر الناس وهم يتهامسون وبعضهم يصرخ بالولاء لهذا النظام السياسي الملائكي الذي تقاسم مع الناس الهم ذاته، مضت سنوات والناس يسمعون الخطاب ذاته، القائم على بث التفاؤل بالمستقبل المشرق للبلاد، وما على المواطن الا الصبر لسنة او سنتين او ربما اربع او خمس حسب مستوى الخطيب ونسبة تفاؤله.
في زمن النظام البعثي كان الناس يعانون من ضائقة مالية كبيرة، فابتكرت لهم الحكومة الجديدة الوظائف بمرتبات جيدة وفي كل عام يدخل عشرات الالاف من الناس الى قائمة السلم الوظيفي الحكومي غير المنتج اطلاقا، يذهب هؤلاء الموظفون كل صباح لاحتساء الشاي وتناول وجبة الفطور ثم فتح مواقع التواصل الاجتماعي والعودة بعد الظهر الى البيت دون القيام باي عمل، ويستمرون على هذه الحالة بانتظار اخر الشهر من اجل تسلم الراتب الذي يعد نعمة ما بعدها نعمة من نعم النظام السياسي الجديد.
لا يعلم الموظف وجميع الناس ان هذه الطريقة في توفير المال لهم غير مجدية وهي في المحصلة النهائية تاثر سلبيا، الا انه لا يمكن اقناعهم بان هذه السياسة الحكومية غير صحيحة مثلما لم يكن بالإمكان اقناعهم بان مشروع الماء الذي تم إنشاؤه مؤخرا او الشارع الجديد كان فاشلا ويجب ان لا يقام بهذه الطريقة، فالمقياس دائما هو ما كان الوضع عليه سابقا في زمن البعث، وما دام النظام السابق لم يمنحنا ماء صافيا ولا شارعا معبدا ولا وظيفة حكومية؛ فان ما يحدث الان مدعاة للتفاؤل بمستقبل أفضل.
بقيت مشكلة أخرى وهي ازمة انقطاع التيار الكهربائي، وقد استطاعت الحكومات المتعاقبة ان تعطي اقراصا مخدرة للشعب عبر دعم نظام المولدات الاهلية الصغيرة، المكلفة ماديا للدولة لكنها تستطيع ان تقنع الناس بان هذا هو الحل المؤقت، وعليهم الصبر والتفاؤل، لان المستقبل يعدهم ليس بإصلاح الكهرباء انما بتصديرها الى الخارج كما وعد حسين الشهرستاني في زمن حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي.
الناس اليوم وجدت ان خطاب التفاؤل هو وسيلة لستر عورة الخراب في البلد، وما كان منها الا الثورة عبر تظاهرات امتدت من البصرة الى بغداد، كلها تطالب بإعادة النعمة التي انعمت الأحزاب عليها قبل سنوات، وظائف دائمة بدون تقديم أي عمل، وكهرباء بدون انقطاع وشارع بدون مطبات مثل عوائق سباق الخيول، ومياه شرب نقية.
لكن هل تستطيع الحكومة ان تنفذ كل هذا بعد ان عجرت لمدة عقد ونصف؟ نعم انها عاجزة تماما وعلى كل من خرج للتظاهر ان لا يشعر بالتفاؤل حتى وان تم تقديم نصف مليون وظيفة ولا يمكن للشعب ان يرضى حتى وان وصل تزويد الكهرباء لمدة 24 ساعة، لماذا هذا التشاؤم؟ لان الحل الحقيقي يتضمن ثلاثة مسارات جوهرية تتفرع منها كل المسارات الأخرى.
يتمثل المسار الأول، بتعديل وليس الغاء النظام السياسي الحالي، والتركيز على منع الأحزاب من تلقي معونات خارجية لان ذلك يدفعها ان تكون موالية للشعب من خلال تقديم أفضل الخدمات وتشريع القوانين لصالحه.
المسار الثاني، يتمثل بإعادة تشكل النظام الاجتماعي وجعل القانون وهو الفيصل في تحديد العلاقة بين المواطن والمسؤول وليس النفوذ والمال الذي تتضح معالمه من في المعاملة التفضيلية للمسؤولين على حساب المواطن في الدوائر الرسمية.
المسار الثالث، يتمثل بإنشاء نظام اقتصادي مغاير تماما لنظام التوظيف الحكومي وتشجيع المشاريع الخاصة التي ستدفع باقتصاد البلد نحو افاق جديدة تستقطب كل الايدي العاملة وأصحاب الشهادات الجامعية الذين يمثلون اليوم الحلقة الأولى في دائرة الغضب الشعبي ضد الأحزاب الحاكمة.
اضف تعليق