تستمر ايران في التقدم نحو تحقيق اهداف جديدة، وحزمة الأهداف هذه تعتمد على سياسية واقعية تجس نبض الخصوم وتعتمد أسلوب النفس الطويل، وهو ما يفتقده كل من زعماء إسرائيل والسعودية، وبهذا الواقع الجديد حصلت طهران على تفويض دائم لبقاء الأسد وضمان للجسر البري مع حلفائها...
لا تسير الازمة السورية وفقا لانفعالات الحكومة الاسرائيلية، ولا يمكن ان تكون اكثر من زوبعة إعلامية بالنسبة للأمريكيين والسعوديين، بينما يحظى الروس بقدر اكبر من النفوذ بفضل تحالفهم مع حكومة الرئيس بشار الأسد الذي تمخض عن بناء قاعدتي حميم وطرطوس المزودة بصواريخ ا400 المرعبة، ويليهم الاتراك بنفوذ لا يزال قلقا بين المقاومة الكردية والرفض الرسمي السوري فضلا عن المشكلات من الولايات المتحدة الامريكية.
في الجهة الكبيرة تظهر ايران وحليفها حزب الله باعتبارهم الكفة الثانية لنفوذ الجميع في سوريا، فالمسؤولون الإيرانيون ينسقون مع الحكومة السورية على اعلى المستويات، ولا يكاد الرئيس بشار الأسد يظهر بمقابلة تلفزيونية الا وذكر ايران وحزب الله مشيدا بدورهم في الحرب الكبرى التي جرت على أراضيه طوال سبع سنوات.
لحد الان حققت ايران جميع أهدافها في سوريا، والتي تتمثل في إبقاء الرئيس السوري بشار الأسد في السلطة كونه الحليف الأكثر موثوقية لديها، وفي ميدان الحرب فان تحقيق اهدافك يعني خسارة خصمك وهذا ما حصل مع السعودية التي طالما تغنى وزير خارجيتها عادل الجبير بمعزوفة رحيل بشار الأسد بالتفاوض او القوة.
يضمن بقاء الأسد تحقيق الهدف الأهم وهو الحفاظ على شريان التواصل بين ايران والعراق وسوريا ولبنان، وبدت ايران انها تحقق اكثر من الضمانات لتقوم هي بحماية هذا الطريق، ففي العراق يسيطر الحشد الشعبي حتى على الحدود مع سوريا، ومن هناك تقف القوات الإيرانية وحزب الله كذراع ضاربة لكل من يحاول قطع هذا الطريق عنها، وحتى الولايات المتحدة الامريكية التي حاولت تخريب الخطة الإيرانية اكتفت بضربات خجولة وغير كبيرة مقارنة بالكنز الذي وقع بيد طهران.
ولان ايران تؤمن دائما بالسير الى الامام عبر فكرة "تصدير الثورة" التي تتحول اليوم الى "تصدير النصر" وجدت انه من الضروري استغلال فترة الارتباط في الحسابات الامريكية والخليجية التي انشغلت بالحروب الإعلامية، وبدت انها غير آبهة بما يحصل على الأرض او هي لا تعلم جدية النوايا الإيرانية او قوتها، فتسللت القوات الإيرانية الى ما هو ابعد من بقاء الأسد او تامين الطريق الرابط بين "حلفاء المقاومة".
وصلت ايران الى الجنوب السوري ووضعت قدما على الحدود مع إسرائيل، اثارت هذه التحركات غير المتوقعة إسرائيل التي طالما حذرت من الغفلة الامريكية او التهاون مع القوة الإيرانية الطامحة الى افتراس إسرائيل كما ينادي قادة الحرس الثوري، وربما يكون هذا هو الوقت المناسب لتنفيذ المهمة لان الجيش الإسرائيلي لم يعد يحتمل حروبا جديدة كما يقول احدث تقرير رسمي صادر عن وزارة الدفاع، ويخسر سنويا الرتب العسكرية الرفيعة ونتنياهو مشغول باستعراض قطع الصواريخ والطائرات الإيرانية في عرضه الاعلامي المتواصل.
الرواية الإسرائيلية اليوم متناقضة على خلاف نظيرتها الإيرانية التي يبدو عليها الضبط والاحكام، تل ابيب تقول انها دمرت كل القواعد الإيرانية في سوريا وتفاخرت بتحقيق النصر قبل شهرين تقريبا، عبر مواجهات أدت الى اسقاط طائرة اف16 ، وهي المواجهات الأعنف بين الطرفين، لكن رغم هذا الإعلان عن تحقيق النصر تتواصل اللقاءات المكثفة بين قادة إسرائيل والروس، او مع الأمريكيين لحثهم على ابعاد النفوذ الإيراني عن الحدود. يكفي دليلا على القلق الإسرائيلي قيام زيارة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو باربع زيارات الى روسيا خلال نصف عام فقط!
هذه اللقاءات تستمر وعلى اعلى المستويات بهدف واحد وهو منع ايران من الوصول الى الحدود الإسرائيلية، وواقع الامر يقول ان الدعوة الى ابعاد ايران عن الحدود فقط لا جديد فيه الا تواصل الموقف الإسرائيلي الضعيف تجاه ايران حتى وان قامت ببعض الضربات الجوية هنا او هناك، لان المضمون يعني اعترافا بوجود القوات الإيرانية في باقي أجزاء الدولة السورية، وهو موقف لم تكن تل ابيب لتفكر فيه في اكثر كوابيسها رعبا، والمطلب الاخر لإسرائيل هو ضمان وجود قوات الجيش السوري فقط على الحدود وهو تحول جديد لم يكن ليحصل في السابق، ولم يفكر فيه اكثر الإيرانيين تفاؤلا.
تراجعت السعودية عن مطلب رحيل الرئيس السوري بشار الأسد، وقد تتراجع عن حكومة تشارك فيها المعارضة، انما تريد فقط التخلص من القوة الإيرانية المتنامية في البلاد، وهو مطلب ستتنازل عنه أيضا في المستقبل، والحال ينطبق على إسرائيل التي كانت تأمل ان يحصل تغيير يخدم مصالحها، وحاولت مرارا منع وجود أي جندي إيراني داخل الأراضي السورية، لكن قوات الحرس الثوري باتت تشاهد الجولان المحتل بالعين المجردة دون الحاجة لتقنيات حديثة.
في مقابل هذا التراجع الإسرائيلي والسعودي، تستمر ايران في التقدم نحو تحقيق اهداف جديدة، وحزمة الأهداف هذه تعتمد على سياسية واقعية تجس نبض الخصوم وتعتمد أسلوب النفس الطويل، وهو ما يفتقده كل من زعماء إسرائيل والسعودية، وبهذا الواقع الجديد حصلت طهران على تفويض دائم لبقاء الأسد وضمان للجسر البري مع حلفائها، بينما لا يزال خصومها يتصارعون مع بعضهم للظفر بالقليل مما تبقى من الأراضي السورية.
اضف تعليق