q
اليوم تتعامل إسرائيل مع الواقع الجديد لسوريا، وإيران تتعامل بواقعية اشد فالطرفين يعرفان ان المواجهة ستكون مميتة لهما وبالتالي فالخروج بأقل الخسائر أفضل بكثير من اشتعال المنطقة برمتها، فببقاء الأسد يعني بقاء النفوذ الإيراني في سوريا، لكن التفاهمات مع الروس والأسد أفضل للاسرائيليين من ذهاب الأسد بكل ثقله الى جانب إيران...

في العاشر من مايو/ أيار الماضي، أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان ان سلاح الجو دمر "كل البنية التحتية الإيرانية في سوريا"، عقب ساعات من اعلان الجيش قصفه لعشرات الأهداف التي قال انها "إيرانية"، ردا على ما قال انه هجوم صاروخي إيراني.

وأسقط الجيش السوري عشرات الصواريخ الإسرائيلية، وفق ما أعلنت دمشق مشيرة في الوقت ذاتها أن بعضها استهدف مواقع عسكرية لم تحدد مناطق تواجدها. بينما قالت إسرائيل إنها ضربت "عشرات" الأهداف العسكرية الإيرانية من بينها منشآت استخباراتية ولوجستية ومستودعات، مؤكدة في الوقت ذاته أنها لا تسعى للتصعيد العسكري مع إيران في سوريا.

وفي الثامن والعشرين من شهر أيار ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن روسيا وإسرائيل، وبعد أشهر من الدبلوماسية، توصلتا إلى تفاهم يقضي بضرورة إبقاء إيران وحزب الله بعيدين عن الحدود الشمالية لإسرائيل مع سوريا. يتزامن ذلك مع زيارة لوزير الدفاع الإسرائيلي لروسيا.

وفقا لتقرير، أوردته صحيفة "جيروزاليم بوست" في عددها الصادر (الاثنين 28 أيار/ مايو 2018) ، فإن إسرائيل وروسيا اتفقتا على السماح للجيش السوري بإعادة السيطرة على جنوب سوريا حتى الحدود مع إسرائيل. ولن يُسمح لإيران وحزب الله بالمشاركة في هذه العملية، بحسب قول الصحيفة.

وستحتفظ إسرائيل بقدرتها على التصدي للتوسع الإيراني في سوريا، كما كشف تقرير جيروزاليم بوست، مضيفا أنّ قوات الرئيس السوري بشار الأسد سيجري دعمها لاستعادة جنوب البلاد، وهي عملية ستشارك فيها إسرائيل وستتيح للأسد استعادة السيطرة على كافة سوريا.

لم يصدر تعليق رسمي إسرائيلي على هذا التقرير لكن وفد رفيع المستوى يترأسه وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان توجه إلى روسيا نهاية شهر ايار، للاجتماع مع نظيره الروسي سيرغي شويغو في موسكو، ورافق ليبرمان رئيس مديرية المخابرات العسكرية اللواء تامير هيمان ،ورئيس المكتب السياسي العسكري في وزارة الدفاع الإسرائيلية زوهار بالتي وممثلون آخرون للنظام الأمني، بحسب صحيفة "يديعوت احرونوت".

بعد هذه التقارير تثار الكثير من التساؤلات من بينها حقيقة الانسحاب الإيراني من سوريا؟ وهل ستضحي ايران بكل جهودها خلال ثماني سنوات من القتال من اجل بقاء الرئيس السوري بشار الأسد بكل هذه السهولة؟ وهل حصلت على ضمانات معينة اذا ما انسحبت بعد اتفاق مع روسيا واسرائيل؟

للإجابة على هذه التساؤلات يمكن تقفي اثر الأهداف الإيرانية من مشاركتها العسكرية الكبيرة في سوريا بالتعاون مع حزب الله وروسيا، فهذا الحلف الثلاثي مضافا اليه حزب الله كان يهدف في المقام الأول الى الحفاظ على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، والقضاء كليا على المجموعات المعارضة والجلوس الى طاولة مفاوضات من موقف القوة على اعتبار ان الأطراف الأخرى التي دفعت بكل ثقلها السياسي والمالي من اجل اسقاط الأسد لا يمكن ان تقبل بالوضع الجديد بكل هذه السهولة، فعلى اقل تقدير يجب ان تحصل على ضمانات معينة.

وبمرور السنوات زادت غلة الأهداف الإيرانية من القضاء على الجماعات المعارضة والحفاظ على بقاء سلطة بشار الأسد الى تعزيز مواقعها استراتيجيا وبما يغير موازين القوى بينها وبين إسرائيل، وفعلا قامت بانشاء قواعد وتوعدت الفصائل الشيعية الحليفة لها بتدمير إسرائيل عبر زيارات الى حدود دولة الاحتلال بجانب لبنان او سوريا.

ووصفت إسرائيل محاولات ايران هذه بالمرفوضة والتي تتجاوز خطوطها الحمراء في المنطقة، فبادرت الى قصف المواقع الإيراني في اكثر من مرة، في حين تم اسقاط مقاتلة إسرائيلية نوع اف16 ما مثل نقلة نوعية في المواجهة بين الطرفين، ورغم توعد إسرائيل بتدمير كل ما هو إيراني في سوريا الا ان تهديداتها جاءت للاستهلاك الإعلامي فقط، فالوضع على الأرض مختلف وايران أصبحت جارة لها بحكم الامر الواقع وهو ما لم تعتد عليه الدولة العبرية ان تتم محاصرتها بهذه الطريقة.

وبالعودة الى السؤال الأبرز عن سبب قبول ايران بالتراجع امام المطالب الإسرائيلية، فاجابته تكمن فيما تحقق من اهداف استراتيجية، فهي قد جعلت إسرائيل تدافع بنفسها على حليف ايران "بشار الأسد"، وهذا التحول سيؤثر على صانع القرار الأمريكي بالنهاية ويجعل الجميع يقبل ببقاء حكومة الرئيس السوري بشار الأسد، رغم ان ذلك سيترتب عليه بعض الالتزامات الا انها اقل خطورة من انهاء حكمه الذي يعني الغاء أي وجود إيراني في البلاد، وانهاء تاثيرها بشكل مطلق وخنقها الى اقصى حد.

اليوم تتعامل إسرائيل مع الواقع الجديد لسوريا، وايران تتعامل بواقعية اشد فالطرفين يعرفان ان المواجهة ستكون مميتة لهما وبالتالي فالخروج باقل الخسائر افضل بكثير من اشتعال المنطقة برمتها، فببقاء الأسد يعني بقاء النفوذ الإيراني في سوريا، لكن التفاهمات مع الروس والأسد افضل للاسرائيليين من ذهاب الأسد بكل ثقله الى جانب إيران، وبالنسبة لطهران فان الانسحاب من المناطق المحاذية لحدود إسرائيل ليس مهما ما دامت تحافظ على وجودها في سوريا، بل انها انتزعت اعترافا إسرائيليا بوجودها عن طريق قبول تل ابيب بهذا الوجود شريطة ان لا يصل الى الحدود وبمرور السنوات فان لكل واقعة حديث جديد وخطوط حمر قد ترسم او يتم تدميرها. انها مرحلة استراحة الأعداء استعدادا للحرب الجديدة التي ستكون ساحتها الأبرز سوريا وتلالها المحتلة في الجولان.

اضف تعليق