q

كيف يمكن ان نتمثل هذه الكلمة من خلال مثل بسيط؟

عشر دول عربية تتحالف للقيام بعمل عسكري ضد الحوثيين في اليمن.

السعودية راعية هذا التحالف، وهي الاقوى بينها، على المستوى الاقتصادي، الرمزي، السياسي، والذي يستمد قوته هو الاخر من العاملين السابقين.

انها تهيمن على تلك الدول، سواء في محيطها الخليجي، او محيطها الاقليمي، والتي تعتبر نفسها حامية له وللدول التي تتكون منه، وهي ايضا مهيمنة باعتبارها الرمزي حافظة للسنية الرسمية ووعاءا لها من خلال وجود مكة والمدينة المنورة فيها.

والهيمنة في معناها اللغوي: هي قدرة مطلقة على الشّيء من كافّة جوانبه وبشتّى الوسائل بما يكفل تحقيق الغاية المشروعة.

وفي معناها السياسي الذي اوردنا مثلا عنه في بداية السطور، هي سيطرة الدُّول الكبرى على الدُّول الصُّغرى، وتوجيه قراراتها السِّياسيّة والاقتصاديّة في اتّجاه مصالحها الشَّخصيّة، وتكون أداة الضَّغط عليها ارتباط مصالحها أو قياداتها بها، أو تهديدها العسكريّ لها.

اما على مستوى الداخل في الدولة الواحدة، فتكون نزعة الهيمنة وصفا لسياسة الدولة التي تتميز بالتحكم في رعاياها سواء كان هذا التحكم المهيمن عرقيا أو سياسيا أو دينيا.

ولا تعد الهيمنة مقتصرة على الجانب السياسي فقط، في بعده الداخلي او الخارجي، بل هو يمتد ايضا ليشمل جوانب اخرى تتعلق هذه المرة بالمجتمع المدني، والذي جعل غرامشي يصك عبارة جديدة هي أن (المجتمع المدني نسق مهيمن)، أو هو (جهاز مهيمن)، ويقصد بذلك أنه جهاز يسوده الإجماع. والإجماع عند جرامشي ضربان: سلبي وإيجابي، الإجماع السلبي هو أن الكل في وحدة مع الدولة، وفي هذه الحالة يظهر (دكتاتور بلا هيمنة) وتدخل الجماهير في الدولة ولكن بروح سلبية، أما الإجماع الإيجابي فهو الذي يرتكز علي طبقة شاملة تدفع المجتمع برمته إلي التقدم، ومن ثم تصبح الهيمنة مرادفة للديمقراطية.

في علم الاجتماع السياسي، وحول مصادر الشرعية وأنواعها في السوسيولوجيا السياسية لماكس فيبر، يحتل مفهوم (الهيمنة الشرعية) مكانة مركزية في تصوراته.

والهيمنة حسب فيبر (شكل خاص من الفعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية). وهي (علاقة قيادة وطاعة بحيث إن الذين يخضعون للقيادة ينفذون تعاليمها دون الالتفات إلى مضمونها).

ولإيضاح هذا الواقع يطرح فيبر الأسئلة الآتية:

ما هي الخصائص الشخصية التي يمتلكها سواء أولئك الذين يصدرون الأوامر أو أولئك الين يخضعون لها فينفذونها والتي تجعل من هذه العلاقة -التي هي اجتماعية في جميع الأحوال- أمرا ممكنا؟

ما هي الشروط التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية التي تجعل من هذه العلاقة أمرا ممكنا أو صعبا؟

ما هي النتائج التي تفرزها هذه العلاقة الاجتماعية في مختلف مستويات الواقع الاجتماعي؟

للإجابة عن هذه الأسئلة عمل فيبر على (تطوير) منظومة مفاهيمية تضم ثلاثة مفاهيم مركزية: القوة والهيمنة والامتثال يعبر عنها كما يلي:

 (إن القوة تعني ذلك الحظ الذي يسم علاقة اجتماعية ما والذي بموجبه يفرض فرد إرادته الخاصة رغم الميول المعادية لذلك ومهما كان أساس هذا الحظ. إننا نطلق اسم هيمنة على كل نظام وجد ذلك الحظ في جلب طاعة أشخاص معروفين ونعني بالامتثال ذلك الحظ في إيجاد طاعة سريعة وأوتوماتيكية عند العديد من الناس المعروفين بموجب ترتيب معين).

ظاهرة الهيمنة تؤسس العلاقة الاجتماعية ذاتها: فمن جهة هناك إرادة هيمنة ومن جهة أخرى هناك (إرادة) خضوع وطاعة.

إن مفهوم الهيمنة عند فيبر، لا ينطبق إلا على تلك التي تستند إلى شرعية الطاعة الناتجة عن الانتماء والاقتناع بضرورة هذه الطاعة وليست تلك التي تستند على الخوف.

إن المهيمن يحتاج –عادة؛ لكي يحافظ على (حظه) في تنفيذ أوامره من قبل المهيمن عليهم إلى (هيئة إدارية). وتختلف أنماط الروابط التي تصل هذه الهيئة بالمهيمن حسب أنماط الفعل الاجتماعي التي قررها فيبر في مكان آخر. وهي:

1- الفعل التقليدي الذي تمليه التقاليد والعادات الموروثة والمعتقدات التي تصبح بمثابة طبيعة ثانية. والفاعل ها هنا لا يكون مقودا بهدف أو قيمة ولا واقعا تحت تأثير عاطفة ما ولكنه ببساطة يستجيب لتقاليد راسخة في حياته العملية.

2- الفعل العاطفي وهو الذي تمليه حالة الوعي أو مزاج الإنسان في لحظة معينة كالصفعة التي تناولها الأم لابنها الذي تظن انه لا يطاق أو لكمة لاعب فقد أعصابه لآخر خلال مباراة كرة القدم. إن الفعل هنا لا يتم بالارتباط بهدف ما أو قيمة ما وإنما عن رد فعل عاطفي من قابل الفاعل في ظروف معينة.

3- الفعل العقلاني المرتبط بهدف/مقصد وهو يطابق -كما يرى ذلك ريمون آرون- مفهوم (الفعل المنطقي) عند باريتو، وهو الفعل الذي يكون فيه الفاعل الاجتماعي واعيا بالهدف ومحصلا للأسباب المؤدية إليه مثل المهندس الذي يبني نفقا أو المضارب الذي يجتهد للربح.

4- الفعل العقلاني المرتبط بالقيمة مثل الموت في سبيل الوطن أو مثل ذلك القبطان الذي يفضل الغرق مع سفينته ولا ينجو بنفسه لان ذلك يجلب العار. وهذا النوع من الفعل عقلاني لا لأنه يروم تحقيق هدف محدد بل فقط للإخلاص لفكرة الشرف أو الأمانة الأخلاقية.

أنماط الهيمنة الشرعية عند فيبر تقابل أنماط الفعل الاجتماعي، حيث أنماط الهيمنة الشرعية ثلاث: الهيمنة التقليدية والهيمنة العقلانية والهيمنة الكاريزمية.

كيف يمكن للهيمنة ان تستمر؟

انها حسب بيير بورديو، من خلال إعادة الإنتاج، وهي استراتيجية يمكن من خلالها لنسق ما ان يحافظ على علاقات القوة التي بداخله، وان يبين حدوده ويحافظ عليها. وبمعنى آخر فان اعادة الانتاج في حقل ما هي تلك الالية التي من خلالها يمكن للمسيطرين على ذلك الحقل ان يحددوا من خلالها آلية اشتغال الفاعلين داخل ذلك الحقل من اجل ان تظل السيطرة والهيمنة دائما متأتية للمهيمنين على ذلك الحقل.

اعادة الانتاج اذن هي ميكانيزما وظيفتها استمرارية التراتبية داخل حقل ما، و في نفس الوقت عزل ذلك الحقل عن الحقول الاخرى وتحصينه ضد دخول أي اعوان من خارجه الا وفق الشروط التي تحددها آلية اشتغال الحقل نفسه.

 

اضف تعليق