من خلال ما جرى في الاسابيع الماضية فان رئيس الوزراء المقبل لا يمكن ان يكون ممثلا للرغبات الوطنية بقدر ما يستطيع ان يكون محايدا بين الاطراف الدولية وحافظا للتوازنات السياسية لتلك الدول في المرحلة المقبلة، ولهذا السبب هناك من يرشح حيدر العبادي لولاية ثانية كونه يحفظ توازن النفوذ الدولي في العراق وليس ما قدمه من خدمات وخطط استراتيجية تنتشل البلد من ازماته المتلاحقة...
تجري مفاوضات تشكيل الكتلة الاكبر في البرلمان العراقي المقبل على عجل من قبل مختلف التيارات السياسية التي فازت بالانتخابات التي اجريت في مطلع ايار الجاري وبحسب اوزانها الجديدة التي افرزتها صناديق الاقتراع.
نتائج الانتخابات الاخيرة كانت صادمة لاغلب الاطراف السياسية، اولا بسبب نسبة المشاركة المتدنية في الاقتراع والتي تعد سابقة تسجل لصالح الشعب العراقي ضد الاحزاب الحاكمة التي لا تسمع صراخه ومعاناته، والصدمة الثانية تمثلت بصعود تيارات سياسية طالما كانت مثار جدل على المستوى الوطني والدولي ايضا، والحديث هنا عن التيار الصدري ذو التوجهات القومية اذا صح تسميتها وهو انقلاب على العملية السياسية برمتها القائمة على المحاصصة والدعم الخارجي ممثلا بايران والولايات المتحدة الامريكية.
ازاح التيار الصدري المتحالف مع الشيوعيين اكبر الكتل الحاكمة منذ عام 2006 "ائتلاف دولة القانون" بزعامة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، الحليف الوثيق لايران، كما انه ابعد قائمة رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي عن الواجهة والذي ينظر اليه قريبا من التوجهات الامريكية في البلاد.
وبينما ازيح المالكي حليف طهران والعبادي المقرب من واشنطن طفت للسطح تساؤلات عن مستقبل العملية السياسية التي صعد اليها صديق الفقراء كما تسميه وسائل الاعلام والمعارض الشديد للتدخل الخارجي بكل اشكاله، وهل سينجح الصدر بتحالفه الذي ورغم فوزه لا يزال بحاجة الى دعم الكتل الاخرى لتثبيت اركان الحكومة المقبلة او يذهب للمعارضة في حال كانت الرياح اقوى من دعائم كتلته المتجذرة في المناطق الفقيرة.
المفاوضات الجارية لتشكيل الكتلة البرلمانية الاكبر والتي بدورها ستشكل الحكومة المقبلة تشير الى وجود ثلاث رغبات واحدة منها وطنية فقط ممثلة بائتلاف سائرون الذي يتبنى الرؤية المحلية مدعوما من الطبقات الشعبية (لحد الان على الأقل)، بينما هناك تيار قوي تدعمه ايران ممثلا بائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي وائتلاف الفتح بزعامة هادي العامري، وتيار اخر تدعمه الولايات المتحدة الامريكية ممثلا بائتلاف النصر والذي يعول على المقبولية الواسعة لحيدر العبادي.
ومن خلال ما جرى في الاسابيع الماضية فان رئيس الوزراء المقبل لا يمكن ان يكون ممثلا للرغبات الوطنية بقدر ما يستطيع ان يكون محايدا بين الاطراف الدولية وحافظا للتوازنات السياسية لتلك الدول في المرحلة المقبلة، ولهذا السبب هناك من يرشح حيدر العبادي لولاية ثانية كونه يحفظ توازن النفوذ الدولي في العراق وليس ما قدمه من خدمات وخطط استراتيجية تنتشل البلد من ازماته المتلاحقة.
في هذه المعادلة تبدو حظوظ كتلة الصدر ضئيلة اذا ما تمسكت بمواقفها القريبة من تطلعات ناخبيها، الا انها وعلى ما يبدو من خطاب الصدر عبر تويتر قد بدأت بنزول السلم خافضة من سقف مطالبها بما يرضي الاطراف كافة، والتراضي الذي نتحدث عنه هو المحاصصة بعد ان لبست ثوبا جديد تحت مسمى "الحكومة الابوية"، بحسب تعبير السيد مقتدى الصدر، واذا ما وافق الاخير على التقاسم الجديد للسلطة فانه يكون قد ترك مطالب جمهوره الذي انتخبه من اجل الاصلاح وقد دخل في دهاليز الصفقات السياسية التي لم يجني منها المواطن الا سوء الخدمات وغياب اي معايير للحكم الرشيد في البلاد.
بغض النظر عن كل من يفوز بالانتخابات لكن لا بد من مكاشفة، فالشعب الذي يتم تصويره على انه احد اهم مرتكزات الحكم في العراق يتم تهميش خياراته في كل مرة، فقد اختار هذا الشعب عام 2010 قائمة الوطنية بزعامة اياد علاوي، لكن الالتفاف السياسي والاتفاقات الدولية صعدت ائتلاف دولة القانون كونه هو الكيان الأكثر صونا للمصالح الدولية في العراق، وفي عام 2014 اختار الشعب ائتلاف دولة القانون كاكبر كتلة برلمانية بعد ان ابتعدت عن أمريكا واقتربت من ايران ما اخل بتوازن القوى الدولي، واختار الشعب زعيمها نوري المالكي بانه الرجل الأول في العراق بعدد أصوات قارب المليون صوت لوحده، بينما اختارت القوى الدولية حيدر العبادي الذي حصل على بضعة الاف من الأصوات الانتخابية.
التعامل هذه المرة مع كتلة سائرون التي فازت بالمركز الأول من نفس المنطق، وهو ان تكون قريبة من القوى الدولية بعيدة عن تطلعات الشعب، او ان يتم استبعادها كما حدث في الدورات الانتخابية السابقة، ويبدو ان ائتلاف سائرون يسير بطريق مختلف عن من سبقوه فهو لا يريد تكرار نفس التجارب السابقة، ويريد ان يكون هو الصائن للمصالح الدولية بصيغتها الجديدة، مع خطاب شعبوي يركز على الشعارات الرنانة والتلاعب بالكلمات عبر تغريدات قصيرة للصدر، واذا ما فعل التيار الصدري هذه الاستراتيجية فقد ضمن عدم تهميشه سياسيا لكنه سيبتعد عن مطالب الشعبية تلبية لحاجات الدول المتحكمة بالساحة السياسية العراقية.
اضف تعليق