الاميركان باتوا واضحين اكثر من أي وقت مضى، وعلى الجميع ان يتحدث بوضوح معهم ومع غيرهم، لان عراقا يرغب ابناؤه في ان يبقى موحدا، سيكون عصيا على التقسيم بالتأكيد، والعكس صحيح حتما...
من طريف ما كنت اسمعه من اهلنا في الجنوب، مقولة على شكل بيت شعري يتيم، باللهجة العامية، طبعا، يقول: "شلون بعركة الخطّار والجّار.. الثنين إعزاز وآنا شلون بيّه!" قد لاينطبق هذا البيت او المقولة، تماما، على رؤية بعض الساسة العراقيين، لـ"الجّار والخطّار"، الذين نقصد بهم اميركا وايران، لكنه يضعهم وفقا لحساباتهم السياسية وليس قناعاتهم بالضرورة، امام اختيار احد الاثنين بعد ان وضعتهم تداعيات الاحداث المتسارعة عند مفترق طرق حقيقي، بشكل لم يكونوا يتوقعونه، او لعلهم لم يتحسبوا له بالشكل المطلوب، بسبب قصر النظر او الثقة بالنفس، والله اعلم!
ما نريد قوله هنا هو ان المنطقة صارت على ابواب حسم لمشروع كبير، قد يحدث تغييرا في خرائط دولها ومنها او في مقدمتها العراق وسوريا، وان الذكي في هذه المرحلة بالذات، هو من يحقق قدرا من التوازن في مواقفه ويعمل على تجنيب بلده خطر التقسيم او شبه التقسيم ولو بالحد الادنى، وهو ممكن في حسابات السياسة اليوم، لان التسليم بان الخرائط معدة، وعلينا ان نتعامل معها كأمر واقع، فيه شيء من المبالغة، او التماهي الضمني، بقصد او من دون قصد مع هذا المشروع. مستذكرين ما مر به العراق في عشرينيات القرن الماضي، حين وضع العراق امام خيارين، اما الموافقة على انتداب بريطاني لمدة خمسة وعشرين سنة، او تسليم ولاية الموصل الى تركيا، حيث كان الجهد السياسي العراقي وقتذاك ممتازا، بعد ان تصدى نوري السعيد للمهمة التي اوكلها اليه الملك فيصل الاول، ووافق على الانتداب مقابل الاحتفاظ بالموصل، اذ انتهت مدة الانتداب وكذلك الوجود البريطاني كله وبقيت الموصل للعراق، او هكذا كان يقول نوري السعيد ومن معه لرافضي الانتداب من الوطنيين المتحمسين.
المراقبون يرون، ان اميركا سخرت لمشروعها في المنطقة من يقاتل لتحقيقه، ويتمثل هذا بخصخصة الحروب، أي صناعة فصائل مسلحة او ارهابية، تحت اغطية عقائدية وغير عقائدية، تصلح للاستهلاك المحلي، تقاتل نيابة عنها، سواء بالعمالة المباشرة او بالغفلة، ولعل الادوات الدموية لهذا المشروع مازالت بيننا. في المقابل هناك قوى كبرى مثل روسيا ودول اقليمية اخرى، تقاوم المشروع الاميركي، لكن مقاومتها هذه قد تنتهي بشراكة مع الاميركان في تقاسم الكعكة وعلى حسابنا بالتأكيد، لان السياسة تبقى في حسابات الجميع ممن يعرفونها، هي فن الممكن، والدول الكبرى متشابكة المصالح دائما، ولا يمكن التعويل على مواقفها المعلنة التي يسوقها الاعلام يوميا.
من هنا علينا ان نضع مصلحة العراق اليوم نصب اعيننا ونحن نتطلع الى المستقبل، بعيدا عن أي تأثير عقائدي او عاطفي قد يضع العراق في مهب عاصفة التقسيم التي من الممكن التخفيف من حدتها، اذا احسنا التصرف واجدنا شروط اللعبة. واقع عراق اليوم يقول وبوضوح، ان اغلب احزاب اقليم كردستان عقدت العزم على التعاون مع الاميركان في كل شيء بما في ذلك مسالة اقامة قواعد عسكرية او غيرها، ما يجعلها قريبة من مزاج واشنطن، ويدور الحديث كذلك عن رغبة الاميركان في اقامة قواعد اخرى في مناطق متفرقة من العراق لضمان استمرار نفوذهم في المنطقة، وهذه الاخيرة قد تقام في المناطق الغربية، بالتفاهم مع شخصيات نافذة من ابناء تلك المناطق، على امل ان يتشكل كيان شبه مستقل على شكل اقليم او محافظات تتمتع بصلاحيات لامركزية واسعة، وسيحصل هذا بموافقة الحكومة المركزية او عدم موافقتها، بعد ان تفقد الاخيرة الكثير من صلاحياتها للاقاليم القادمة. في المقابل، ينشغل كثيرون من قادة التحالف الوطني في الكلام عن التصدي للمشروع الاميركي التقسيمي هذا، لاسيما القريبين من ايران الرافضة لاي نفوذ اميركي على حسابها في العراق.
لهم الحق في رفض ذلك، لكن مشكلة العراق تكمن في عدم قدرة الحكومة المركزية، التي يمثل التحالف الوطني عمودها الفقري، على التعبير عن ارادة مختلف الطيف الوطني العراقي، الذي منح الدستور محافظاته حق اقامة الاقاليم والفيدراليات، ما يجعل رفض المطالب الاميركية مدخلا للانقسام اكثر منه للوحدة، لاعتبارات معروفة رتبتها تراكمات ما بعد 2003 والقوانين التي احدثت شروخا لم يعمل القائمون على العملية السياسية على معالجتها، وهذا يجعل التحالف الوطني، حتى وان توحدت رؤى احزابه على الوقوف بوجه المشروع الاميركي، غير قادر على فرض ما يريد داخل الحكومة ومجلس النواب، وهنا يكمن مأزق الدولة العراقية. الامر الذي يدعو التحالف الوطني اكثر من أي وقت مضى الى التفاهم الجاد مع شركائه، لوضع تصور مشترك للدولة، وتحديدا ابناء المنطقة الغربية، لانهم العمق الاستراتيجي الحقيقي لاخوانهم في الوسط والجنوب، لكي يبقوا موحدين مقابل تنازلات متبادلة، وان كانت ذات طابع استراتيجي افضل من تفرقهم وتمزق البلاد بسبب خلافات تفصيلية تتعلق بالحكم والادارة.. الاميركان باتوا واضحين اكثر من أي وقت مضى، وعلى الجميع ان يتحدث بوضوح معهم ومع غيرهم، لان عراقا يرغب ابناؤه في ان يبقى موحدا، سيكون عصيا على التقسيم بالتأكيد، والعكس صحيح حتما.
اضف تعليق