العالم قد نسي تماما مآسي الحربين الاوربيتين الكبرى، وهو مصمم الان على تصدير فائض الاسلحة على شكل حرب كبيرة، لعجز المصنعين على ايجاد اسواق جديدة، كما ان نسبة الغباء السياسي باتت في اقصى درجاته لا سيما مع تحول ادارة الدول الكبرى الى شاشات الهواتف الصغيرة ومواقع التواصل الاجتماعي الاكثر انفعالية...
يترقب سكان الشرق الاوسط انفجار الوضع المتفجر منذ سنوات طويلة، فالحرائق التي اشعلتها الدول الكبرى وساهمت بها الحكومات المحلية غير المنتخبة، لا تزال تزع الخراب لمستقبل سوداوي يبدو انه طويل جدا ومتجذر حد الاستعصاء على الاقتلاع.
بعد سبع سنوات من الحرب في وسوريا ونصف المدة في اليمن، انتعشت آمال شعوب المنطقة بانهاء هذه المعاناة التي مزقت الاوطان العربية، وجعلت منها المُصدر الاول للبشر باتجاه الدول الاوربية، وبعد سيطرة الجيش السوري على مناطق واسعة واستعادة اغلبها من داعش والجماعات المسلحة الاخرى، بدا الامر وكانه في طريقه للحل.
بدأت وسائل الاعلام الموالية للحكومة السورية والحليفة لها في كل من روسيا وايران، بالترويج لفرضية الانتصار الاستراتيجي، ضد المعسكر الامريكي الخليجي، حلب ودير الزور هي نقاط التحول الكبرى في هذه الحرب، ونشوة النصر جعلت ايران تتحدث عن الولوج الى الحدود الاسرائيلية، وزادت من انشطتها العسكرية اهمها اطلاق طائرة بدون طيار داخل العمق الاسرائيلي ليرد الاخير بالهجوم بطائرات اف١٦ اسقطت احداها بنيران سورية.
واكثر نقاط التحول الاستراتيجي هي اعلان الرئيس الامريكي دونالد ترامب الانسحاب العسكري من سوريا، في وقت قريب جدا، ورأت فيه الصحافة الغربية هزيمة لواشنطن وحلفائها، وفي هذا الشان قالت صحيفة "تايمز" البريطانية أن قرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب قواته من سوريا مبكراً، يمثل هزيمة استراتيجية لواشنطن، ويفسح المجال واسعاً لتركيا وروسيا وإيران لإعلان انتصارها الاستراتيجي.
واشارت "تايمز" إلى اجتماع قادة الدول الثلاث قبل اسبوعين في تركيا، قائلة إنهم اجتمعوا لتنسيق جهودهم من أجل حماية الحكومة السورية ورئيسها بشار الاسد، من السقوط ومن أجل تحديد مناطق نفوذ كل دولة، وإخراج الولايات المتحدة من الشرق الأوسط. واكدت الصحيفة ان هذه الدول الثلاث "تتفق على قاسم مشترك وهو إقصاء الولايات المتحدة".
واشارت الصحيفة الى ان ايران، التي حضرها رئيسها، حسن روحاني، في قمة أنقرة، تسعى إلى إنشاء وتأمين طريق يمر عبر سوريا، ويربط بين أصدقائها في العراق وحزب الله في لبنان.
وخلال الزوبعة التي احدثها الرئيس ترامب، طالب عبر تويتر الدول التي رفضت انسحابه من سوريا ان تدفع مقابل بقائهم هناك، وبعد اسبوع من هذه التناقضات جاءت قضية الهجوم الكيميائي لتقلب الامور رأسا على عقب، فالرئيس الذي يتحدث عن شعار امريكا اولا، ولا دفاع الا عن مصالح امريكا عاد لينصب نفسه وبلاده قائما وشرطيا على حقوق الانسان.
اشعل العالم عندما هدد ليس الجيش السوري فحسب، بل هدد روسيا التي وعد سفيرها في لبنان بالتصدي للصواريخ الامريكية، وكان طبول الحرب العالمية الثالثة تقرع على تويتر.
وتحدثت وسائل إعلام أميركية عن تحريك كبير لقوات وقطع بحرية باتجاه سوريا، أبرزها حاملة الطائرات "هاري ترومان" التي انتقلت من قبرص للسواحل السورية، إضافة لسفن حربية تحمل منظومات صواريخ توماهوك وكروز، ويتوقع أن تقصف بنكا من الأهداف التابعة للجيش السوري، إضافة لنقل سفن تحمل آلاف الجنود الأميركيين.
وتعبيرا عن تصاعد الموقف، ألغى الرئيس الأميركي جولة كان سيقوم بها اعتبارا من الجمعة المقبل لأميركا اللاتينية، وقال مسؤولون في البيت الأبيض إن ترمب يريد التركيز على الرد على الهجوم الكيميائي في سوريا.
في قضية تهديدات ترامب لروسيا، حذرت الصحافة العالمية من هذا الاسلوب الذي يربك الامن العالمي عبر اصدار قرارات متناقضة، حتى وصل الامر بصحيفة تايمز البريطانية، للدعوة الى توقف الرئيس عن التغريد في تويتر او ان يتم سحب هاتفه الذي اصبح يهدد السلام العالمي.
وقالت الصحيفة إن الصراع السوري بلغ لحظة من الخطر العالمي العالي، "وعلى الرئيس الأميركي دونالد ترمب اتخاذ قرارات ناضجة وليس التهديد بتغريدات على موقع تويتر".
الصحيفة طالبت الرئيس الأميركي بتسليم هاتفه خلال الأيام القلية القادمة لرئيس أركان الجيوش الأميركية والامتناع عن التعبير عن مشاعره حول الأزمة عبر التغريدات غير المكتملة.
وعلى وقع التوتر الذي بات يعيشه العالم، تحول حساب الرئيس الأميركي لأحد المصادر التي تتحكم بالاستقرار أو التوتر داخل الولايات المتحدة وخارجها، عوضا عن تقلب مؤشرات الأسهم والأسواق على وقع تغريداته، والأهم من ذلك أن استقرار شعوب ودول أو توتر أوضاعها بات يتحكم بجزء هام منه تغريدة تخطها أصابع الرئيس على هاتفه.
اما صحيفة الاندبندنت قالت ان نشوب الحرب العالمية الثالثة ستكون قريبة، مبينة أنه منذ طرح كتاب "نار وغضب"، الذي كشف الكثير عن إدارة ترامب، أصبح الناس يعتقدون أن اندلاع الحرب العالمية الثالثة مسألة وقت، وليست مجرد احتمالات يمكن ألا تحدث.
وفي روسيا تبدو مخاوف الحرب العالمية اكثر جدية، اذ أخبرت محطة تلفزيونية حكومية روسية، المواطنين الروس، بالطعام الذي يمكن أن يأخذوه معهم إلى الملاجئ، مع تنامي الخوف من نشوب حرب عالمية ثالثة.
وقالت قناة "روسيا 24" التابعة للكرملين في بثها باللغة الروسية إن هناك العديد من القصص الإخبارية المخيفة حولنا، ومن ثم انتقلت إلى تعريف الناس كيف بإمكانهم استخدام اليود لحماية أنفسهم من الإشعاع.
العالم قد نسي تماما مآسي الحربين الاوربيتين الكبرى، وهو مصمم الان على تصدير فائض الاسلحة على شكل حرب كبيرة، لعجز المصنعين على ايجاد اسواق جديدة، كما ان نسبة الغباء السياسي باتت في اقصى درجاته لا سيما مع تحول ادارة الدول الكبرى الى شاشات الهواتف الصغيرة ومواقع التواصل الاجتماعي الاكثر انفعالية.
اضف تعليق