آراء وافكار - مقالات الكتاب

معركة الفساد توازي معركة المقاومة؟

هل ينجح حزب الله في المواجهة الجديدة

سيضعه في مواجهة مع حلفائه قبل خصومه، ولذا لن تكون المهمة سهلة وقد تجعل الحزب امام خيار من اثنين: اما خسارة الحلفاء الذين لن يسيروا معه او فقدان ثقة جمهوره به وهذا سيكون له انعكاسات خطيرة على موقعه ودوره السياسي والشعبي والمقاوم في المستقبل...

في تطور سياسي جديد في مسيرة حزب الله السياسية والجهادية، اطلق الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله قبل اسبوعين معركة شاملة ضد الفساد السياسي والمالي سواء داخل الحزب او على صعيد مؤسسات الدولة اللبنانية، فماهي الاسباب التي دفعت حزب الله والسيد نصر الله لإطلاق المعركة ضد الفساد في هذه المرحلة؟ وهل سينجح الحزب في هذه المعركة التي توازي معركة المقاومة؟.

الاسباب التي تقف وراء مواجهة الفساد

بداية ماهي الاسباب التي تقف وراء اطلاق الامين العام لحزب الله المعركة ضد الفساد في هذه المرحلة؟

لقد اوضح نصر الله خلال اطلاق البرنامج الانتخابي للحزب انه سيتولى شخصيا متابعة هذا الملف، ومما قاله: "صار لزاما على الجميع ان يتعاطوا مع قضية مكافحة الهدر والفساد في جميع ادارات ومؤسسات الدولة وما يرتبط بالمال العام كله، باعتبار ان الهدر والفساد احد اهم الاسباب التي ستدفع البلد الى الكارثة، وقضية مكافحة الفساد أولوية وطنية مطلقة، ونحن سنلتزم ونعمل على اساس هذه الاولوية في المرحلة المقبلة، وبالتعاون مع كل القوى السياسية والكتل النيابية والمسؤولين في الدولة، ومستندين الى ارادة الشعب اللبناني الجامعة في مواجهة الهدر والفساد وكل من يلتقي معنا وهم كثيرون".

واضاف نصر الله:" نحن نعرف اننا سنواجه صعوبات، ستحصل لنا عداوات جديدة، عدوات ونحن بغنى عن العداوات، لان اليوم اميركا وبعض الدول الاقليمية تنفق اموالاً لتجلب لنا عداوات، ونعرف ان الدخول الى هذا الملف سيجلب لنا عداوات وحساسيات داخلية، نحن بالغنى عنها، لكن يبدو ان البلد وصل الى مرحلة لم يعد بإمكاننا ولا بإمكان غيرنا الصبر على معالجة هذا المرض الخطير الذي قد يودي بجسد الدولة والمجتمع ".

واعلن نصر الله:" نحن قررنا في قيادة حزب الله تشكيل اطار تنظيمي خاص، يعني مكتب، هيئة خاصة داخل الحزب، ولها مسؤول يعطي كامل وقته ومعه تشكيل من نواب وكتلة الوفاء للمقاومة ومسؤولين ومختصين وتكون مهمتهم القيام بمواجهة الفساد من خلال التأكد من المعطيات، الآليات القانونية، الاليات القضائية، الاليات السياسية، ومثل ما لدينا اطار يعمل في موضوع المقاومة، واطار يعمل في الموضوع الثقافي، سنكوّن اطارا مهمته مواجهة الهدر والفساد، طبعا ونواجه من خلال وزرائنا في الحكومة، من خلال نوابنا في المجلس النيابي، من خلال قيادتنا السياسية من خلال علاقاتنا وتواصلنا".

هذا الموقف الذي اعلنه نصر الله، اضافة لما تضمنه البرنامج الانتخابي لحزب الله، من نقاط تفصيلية تتعلق بالأوضاع الداخلية ودور الحزب في بناء الدولة في لبنان، سيؤدي بطبيعة الحال الى اعلاء الاهتمام بالشأن الداخلي اللبناني بموازاة الدور الذي يقوم به الحزب على صعيد المقاومة والتحديات الخارجية، وهذا يحصل لأول مرة منذ تأسيس الحزب الى اليوم.

وقد اختلفت القراءات السياسية في بيروت لبرنامج “حزب الله” الانتخابي بين من لمسَ تطوّراً في خطاب الحزب، وبين مَن وضَعه في السياق الانتخابي الذي ينتهي مفعوله مع انتهاء الانتخابات، وبين من رفضَ حتى التوقّف عنده من منطلق أنه لا يحقّ لطرف موجود في السلطة منذ 26 عاماً التكلّم عن مكافحة الفساد.

ومع ان السيد نصر الله حرص في خطابه للقول: "ان هذا البرنامج الانتخابي ليس وثيقة سياسية جديدة "، لكن يمكن لمن تابع مسيرة الحزب طيلة الست والثلاثين الماضية ان يلحظ اننا امام حزب سياسي جديد في الواقع اللبناني الداخلي.

هل ستنجح هذه المعركة؟

لقد قدّم “حزب الله” رؤيةً اقتصادية متكاملة، وقد تكون الأولى من نوعها ببُعدٍ اقتصادي وإداري ومؤسساتي ومالي واجتماعي، وقد يكون من السهولة بمكان نسفُ كلّ برنامج الحزب من دون حتى قراءته من منطلق أنّ أولوية “حزب الله” المتعلّقة بالمقاومة لن تتبدّل، وقد لا يكون الحزب متورّطاً مباشرةً بالفساد، إنّما سيغضّ النظرَ بالتأكيد عن قوى حليفة له وربّما بعيدة عنه متورّطة بالفساد حتى أخمصِ قدميها، في حال أيّدت أو غضَّت النظر عن مقاومته وسلاحه..

وقد تكون نيّات “حزب الله” في مكافحة الفساد سليمة وجدّية، ولكنّ المشكلة ليست على مستوى النيّات، إنّما على مستوى قدرته على ترجمة نيّاته، إلّا أنّ السؤال الذي يطرح نفسه: هل سيتمكّن “حزب الله” من أن يتحوّل إلى رأس حربة في مكافحة الفساد؟.

ما طرحه السيد نصر الله في مواقفه وما تضمنه برنامج الحزب من نقاط تفصيلية حول الشأن الداخلي سيضعه في مواجهة مع حلفائه قبل خصومه، ولذا لن تكون المهمة سهلة وقد تجعل الحزب امام خيار من اثنين: اما خسارة الحلفاء الذين لن يسيروا معه او فقدان ثقة جمهوره به وهذا سيكون له انعكاسات خطيرة على موقعه ودوره السياسي والشعبي والمقاوم في المستقبل.

فإذا كان انخراط “حزب الله” في الحياة السياسية هو نقطة التحوّلِ الأولى في مسيرته من ثورةٍ رفضية للنظام اللبناني بتكوينه ودوره، فإنّ برنامجه الانتخابي هو نقطة تحوّلِه الثانية التي فرضَتها الوقائع والحاجة، وهذا جزء من مسار لبنَنةٍ قد يصلُ بعد سنوات أو عقود وربّما لا يصل الى نهايته الطبيعية، ولكن الأكيد أنّ الحزب يشهد تحوّلاً بطيئاً لمزيد من الاندماج بالواقع اللبناني.

انها معركة اخرى يتولاها حزب الله والسيد حسن نصر الله شخصيا، فهل سينجح؟ "ام ان معركة مواجهة الفساد ستكون اقسى بكثير من معركة مواجهة الكيان الصهيوني"، كما اعلن نصر الله في خطاب له قبل حوالي الخمس عشر سنة.

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق