q
اعتماد سياسات جديدة للبناء، وخصوصا ما يتعلق بدور الكفاءات في هذا الجانب، حيث يتساءل كثيرون.. أين دور الكفاءات في دولتنا العراقية؟، ولماذا تخشى الطبقة الحاكمة من الكفاءات، مع أنها يمكن أن تستثمر طاقاتها وخبرتها، لتعزيز فرص البناء المدني للدولة، وتعزيز فرص النجاح السياسي، للأحزاب والكتل وحتى الشخصيات السياسية المستقلة؟...

قد يكون من الغريب أن تهدر فرصة نادرة تنقلك من حال أسوأ إلى أفضل، ولكن هذا يحصل مع كثيرين، حيث يفقد فرصة ربما لا تتكرر لتغيير حياته، لا يختص هذا بالأفراد فقط، فالشعوب والمجتمعات والدول قد لا تختلف في هدر الفرص الكبرى التي تتوافر لها كي تقفز من قفص الظلام إلى فضاء الضوء والحرية والبناء المتفرّد.

ومن بين الشعوب والدول التي تقلصت أمامها الفرص التاريخية، أو تلاشت فيما مضى، دولة العراق، حيث تم غلق نوافذ التطور وتم وأد الفرص واحدة تلو الأخرى، في ظل أنظمة لم تكن تعبأ بالتقدم أو في بناء الدول وإلحاق المجتمع العراقي بالمجتمعات المتصدرة لمشهد التقدم عالميا، والسبب كان واضحا، فتلك الأنظمة كانت تهتم وتنشغل بهيكلها القيادي السلطوي وبابتكار أساليب حماية العرش، فلم يكن لديها أي مجال للتفكير في بناء الدولة أو تطوير المجتمع، لذلك كنت تضيع الفرصة تلو الأخرى في ظل تلك الأنظمة منذ نشوء الدولة العراقية الحديثة في 1921.

لذلك ضاعت سلسلة من الفرص المواتية في هذا الإطار، ومن المرجّح تاريخيا، أن العراقيين تتاح لهم، لأول مرة فرصة حقيقية لبناء الدولة المدنية بعد نيسان 2003، إذ يقول المعنيون والمهتمون بالسياسة والتاريخ، أنها لم تسنح سابقا من حيث الظروف والعوامل المساعدة لبناء دولة قوية تحكمها المؤسسات الدستورية القوية، ويركّز هؤلاء على دور الكفاءات في صناعة الدولة المدنية، وإمكانية استثمار الخبرات المتراكمة لديها، فماذا حصل بعد ذلك وهل استثمرت الطبق السياسية هذه الفرصة المذهلة، أو المحورة كما أطلق عليها بعض القادة السياسيين وعلماء السياسة في العالمين الغربي والشرقي.

ماذا جنى العراق في ظل الديمقراطية؟

فحين انتقل العراق من حقبة الأنظمة الفردية، أنظمة الانقلابات العسكرية، كان ينبغي على المخططين السياسيين أن يتنبّهوا بصورة حاسمة إلى قضية بناء الدولة القائمة على المؤسسات الدستورية المستقبلية، ونقل العراقيين من أنماط الحكم الجزافي إلى نمط ديمقراطي يحكمه الدستور، ويسدد خطواته، ويدفع باتجاه بناء الدولة الضامنة للحريات والحقوق كافة، فكان المتوقع أن يتم استثمار هذه الفرصة التاريخية على أفضل وجه، بالإضافة إلى ذلك اعتماد سياسة الابتكارات والقدرة على التجديد الذي كان من الممكن أن يصبح منهجا عمليا قائما على مدار الساعة، لبناء الدولة القادرة على صنع أجواء مناسبة جدا، لتنمية نسيج مجتمعي متناغم مستقر متوازن، تسعى مكوناته المتنوعة نحو التعايش وإنعاش السلم الأهلي، بغض النظر عن الاختلافات العرقية او الدينية او الاثنية وسواها بين مكونات المجتمع، حيث يرى علماء الاجتماع أن هذا التنوع ليس مثلبة ولا مدعاة لإضعاف المجتمع العراقي وإنما يعد ميزة إضافية لهذا المجتمع الذي طالما تعطّش للديمقراطية.

من المؤسف حقا أن ساسة العراق، لم يتعاملوا مع هذه الفرصة على أنها قد لا تتكرر مرة أخرى، إذ توجد مؤشرات عديدة تدل على توجهات قوية لوأد هذه الفرصة، مع تزايد حالات الاحتقان التي تجتاح الطبقة السياسية، لتنعكس هذه الأجواء المشحونة بصورة او أخرى على المجتمع، الأمر الذي يقود الى حالة من الاضطراب، والنأي عن تحقيق التداخل المجتمعي الانسيابي، بسبب فقدان الثقة بين المكونات المجتمعية، وبث ظواهر التشرذم والانقسام، بفعل اللهاث المحموم للطبقة السياسية نحو الاستئثار بالسلطة وامتيازاتها، على حساب البناء الديمقراطي السليم لمؤسسات الدولة والمجتمع، مما يستوجب استثمار فرصة الانتخابات النيابية في دورتها الجديدة لتغيير الخطط والسياسات بما يصب في إعادة الروح إلى إمكانية استثمار الفرصة من جديد وهو أمر ممكن بطبيعة الحال فيما لو توافرت الإرادة الثابتة والصحيحة كي تمضي في هذا الاتجاه.

أين دور الكفاءات في العهد الجديد؟

لذلك لابد من اعتماد سياسات جديدة للبناء، وخصوصا ما يتعلق بدور الكفاءات في هذا الجانب، حيث يتساءل كثيرون.. أين دور الكفاءات في دولتنا العراقية؟، ولماذا تخشى الطبقة الحاكمة من الكفاءات، مع أنها يمكن أن تستثمر طاقاتها وخبرتها، لتعزيز فرص البناء المدني للدولة، وتعزيز فرص النجاح السياسي، للأحزاب والكتل وحتى الشخصيات السياسية المستقلة؟، هناك خوف غير مبرر من الكفاءات، قد يفكر السياسي أن الكفاءة سوف تصادر مكانته او نفوذه او سلطته، ولكن الكفاءة والعقل الكفؤ لا يفكر بهذه الطريقة، تبقى هناك معايير للإنصاف وضمان الحقوق وفقا للقدرات والخبرات والشهادات العلمية والخبرات العملية، هي التي تحدد أين المكان الصحيح لهذا الشخص أو ذاك، على أن تُراعى أولا مصلحة بناء الدولة وليس مصالح الأحزاب أو الأفراد، حتى يمكن استعادة فرصة البناء التاريخية، والفرصة التي ينظر لها كثيرون على أنها ضاعت، لا تزال موجودة فيما لو تعامل معها الساسة العراقيون بما يضمن عدم ضياعها من جهة، والبدء بخطوات صحيحة لبناء الدولة المدنية من جهة أخرى.

ومن الممكن أن يتم استرداد الفرصة التاريخية على يد المجلس النيابي الجديد الذي سوف يتمخض عن هذه الدورة الانتخابية، إذ يجب أن يتم تشريع ضوابط واضحة، من جهات معنية تماما بالأمر، نزيهة وعادلة ولها الخبرة الكافية، لإصدار وتنظيم بنود وضوابط، تنظم العلاقة بين الكفاءات من جهة وبين المؤسسات والدوائر الحكومية كافة، وكذلك مع الجهات التي تصنع القرار الجهات التي تقوم بتنفيذه، وليس صحيحا أن يتم التعامل مع الكفاءة على انها مصدر خطر على السياسي او سواه، بل لابد أن يفهم الجميع وخاصة الطبقة الحاكمة، أن الكفاءات هي مصدر قوة للسياسي، اذا ما تم التعامل معها برؤية حقيقية مخلصة، هدفها البناء الجمعي وليس الاستئثار الفردي، فعندما يؤمن المسؤول أن الكفاءة يمكنها ان تبني الدولة المدنية، عليه أن يسعى الى دعم الكفاءات لا أن يضع العراقيل في وجهها، ويمارس التخريب العلني والمبطن من اجل الترويج لشخصه او حزبه او كتلته، بغض النظر عن الكفاءة والمؤهلات، وكلنا نعرف ان هناك من يقدم الولاء الحزبي او الشخصي على الولاء للوطن او الدولة او الشعب، وهذه ظاهرة خطيرة، تهدف الى الإبقاء على الدولة العراقية رهينة المماحكة والضعف والتخلف، كي تبقى فريسة لغيرها من الطامعين وهم كثر، ولم يعد المشهد السياسي الحالي للعراق قابلا لاستيعاب من يفضل مصالحه الشخصية أو حزبه وكتلته على المصالح الشعب لأن السيل قد بلغ الزبى.

اضف تعليق