اليوم إسرائيل أمام مأزق تاريخي حقيقي؛ فبعد سبع عقود من الصراع ورغم قوتها العسكرية الضاربة؛ تبدو إسرائيل كيان غير شرعي ودولة غير طبيعية يقض مضجعها ويهدد وجودها النمو الديمغرافي الفلسطيني، والذي ترى فيه كارثة مستقبلية محققة، فاليوم وبعد سبعين عام أصبح عدد العرب الفلسطينيين...
بعد أسابيع قليلة وتحديداً في 15 من مايو/أيار القادم تحتفل إسرائيل بعيد ميلادها السبعين، وقد استطاعت إسرائيل في السبعين عام من الصراع؛ ومن خلال استخدامها للقوة فرض نفسها كحقيقة ماثلة على خارطة المنطقة والعالم. لكنها وبعد سبع عقود دموية من مسيرة خداعها لم تستطع إقناع أحد بروايتها التاريخية التي تفتقد للمنطق والعقل، والتي تفندها الحقائق التاريخية الأثرية والعلمية، فعلى مر العقود السبع الماضية لم تفلح إسرائيل في إيجاد أي تاريخ أثري يهودي في فلسطين من شأنه دعم روايتها الأسطورية الملفقة؛ بل على العكس أظهرت كل حفريات الآثار التاريخ الحقيقي لفلسطين، والذي يعود لحضارات أصيلة كنعانية ورومانية وإسلامية لا علاقة لها ببني إسرائيل، وتلك حقيقة مدعمة باعترافات خبراء الآثار اليهود أنفسهم، فلم يكن وجود العبرانيين هنا إلا عابري سبيل على هامش حضارات متجذرة ما بين النهر والبحر.
وفي المقابل يظهر علم الجينوم (وهو من العلوم الطبية الحديثة التي تطورت نهاية القرن الماضي باكتمال نموذج الخارطة الوراثية للجنس البشري) مدى التحايل والأسطورية في الرواية التاريخية لإسرائيل، ويظهر حقيقة أن اليهود الأشكناز والذين يمثلون اليوم ما نسبته 95 % من يهود العالم لا علاقة لهم من قريب أو من بعيد ببني إسرائيل أو بما يعرف بالقبيلة الثالثة عشر، وهذه حقيقة علمية مسجلة في جامعة شيفلذ البريطانية عبر بحث علمي مسجل باسم البروفسور الاسرائيلي اليهودي إيرن هايك، والذي أثبث عن طريق فحص الحامض النووي لعينة عشوائية تقدر بقرابة 400 شخص من سكان إسرائيل من اليهود الأشكناز أن خارطة الحمض النووي لهم تتطابق من خارطة الحمض النووي لسكان القوقاز من غير اليهود، والذين تعود أصولهم لشعب الخزر، وهم السكان الأصليين للمنطقة الممتدة من شمال غرب أسيا وشرق أوروبا، وهو ما يؤكد حقيقة تاريخية أن يهود اليوم لا علاقة لهم بالشعوب السامية، وهو ما يفند بشكل علمي كذب الإدعاءات الإسرائيلية بما يعرف بمعاداة السامية، وإضافة لذلك فإن الكتاب المقدس(العهد القديم) يحرم على اليهود الأصليين وهم نسل إسرائيل الحقيقيين، والذي لا يتعدى تعدادهم نصف مليون اليوم أن يدخلوا الأرض المقدسة إلا بعد نزول المسيح اليهودي، كذلك الأماكن المقدسة لليهود في الأرض المقدسة لم تسمى في الكتاب المقدس (العهد القديم)، لكن الحركة الصهيونية لوت عنق اليهودية وتعاليمها وأَوَلت تسمية لتلك الأماكن بالقدس لتحولها لمدينة مقدسة رغم أنف الكتاب المقدس(العهد القديم) لخدمة أهدافها السياسية الاستعمارية ولخلق عاصمة عقائدية وهمية لدولة إسرائيل في قلب أقدس مكان لدى العرب مسيحيين ومسلمين. وكل الحقائق التاريخية والعلمية والعقائدية تنزع أي نوع من الشرعية عن مسيرة الخداع الاسرائيلية، لتدخل إسرائيل عامها السبعين بدون أي شرعية غير شرعية القوة الغاشمة التي تدوس على كل قرارات الشرعية الدولية، على الرغم أن تلك الشرعية هي ما تبقى لإسرائيل لتستر به عورتها أمام انهيار روايتها التاريخية عن الأرض ما بين النهر والبحر.
واليوم إسرائيل أمام مأزق تاريخي حقيقي؛ فبعد سبع عقود من الصراع ورغم قوتها العسكرية الضاربة؛ تبدو إسرائيل كيان غير شرعي ودولة غير طبيعية يقض مضجعها ويهدد وجودها النمو الديمغرافي الفلسطيني، والذي ترى فيه كارثة مستقبلية محققة، فاليوم وبعد سبعين عام أصبح عدد العرب الفلسطينيين بين النهر والبحر يفوق عدد اليهود باعتراف نائب رئيس الإدارة المدنية في جيش الاحتلال العقيد أورى مندز الذي صعق إسرائيل بتصريحاته أمام لجنة الخارجية والأمن في الكنيست باعترافه بتلك الحقيقة، والتي لم يعد بمقدور أحد إخفاءها أو التستر عليها.
وعلينا أن ننتبه جيدا لأحد سمات الدولة الفاشية التي بدأت تتضح معالمها في إسرائيل، والمتمثلة في إخفاء الحقائق عن الجمهور الإسرائيلي لصالح الاثنية اليهودية، فإسرائيل الباقية بقوة السلاح ستكون في قادم الأيام على عجلة من أمرها نحو حسم هذا الخطر والتقليل منه، وإبعاد اليوم الذي يصبح فيه اليهود أقلية بين النهر والبحر وبلا شرعية، وأول تلك الخطوات حتما تتمثل في فصل قطاع غزة نهائيا عن إسرائيل، وهو ما يمثل ضربة قوية للديمغرافية الفلسطينية المتفوقة؛ وذلك بخروج ثلث الديمغرافية الفلسطينية من حلبة الصراع، وهو ما يعني أن دولة غزة هي أمر حيوي بالنسبة لبقاء إسرائيل كدولة بغالبية يهودية.
وهنا علينا أن نحيي أولئك الذين فكروا في مسيرة العودة، ويستعدون لتدشينها في يوم الأرض 30 مارس، لأنها صرخة حقيقية وشعبية ستكون مدوية لرفض دولة غزة، وتأكيدا على ترابطها الحيوي مع فلسطين التاريخية وإسقاط شعبي جماهيري لكل الحلول التلفيقية التي يراد منها إنقاذ إسرائيل من كابوسها الديمغرافي، ومنحها شرعية إقليمية لروايتها التاريخية المزورة للتاريخ، وهي بمثابة منازلة لإسرائيل في معركة لا تمتلك أي أدوات للانتصار فيها لأنها تفتقد لكل الشرعيات وتتنكر للشرعية الدولية التي أنشأتها بقرار التقسيم، والذي اشترط اعتراف إسرائيل به وتنفيذه لمنحها الاعتراف بها كدولة. والتي لم تنفذه، ولم تلتزم بمقرراته ولم تلتزم بقرارات الشرعية الدولية، ومن ضمنها القرار 194 الذي كفل للاجئين حق العودة لديارهم، ويحق لهم العودة لمن أراد أو التعويض من حكومة الدولة الاسرائيلية لمن لا يريد العودة.
وبمسيرة العودة اليوم سينفذ اللاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة بشكل جماعي وبكل سلمية حق كفلته لهم الشرعية الدولية في العودة لوطنهم، وهم راغبين أن يكونوا موطنين في وطنهم الأصلي، وهذا أمر منطقي وطبيعي، وغير المنطقي أن يأتي الملايين من الخزر ويهجروا موطنهم الأصلي في القوقاز ليستوطنوا أرض أولئك الفلسطينيين ويضعوهم في سجن كبير يفتقر للحد الأدنى من مقومات الحياة الانسانية.
سيمضي التاريخ لا محاولة؛ وسيتحول هذا الواقع بعودة الحقوق لأصحابها مهما حاولت إسرائيل بالدفع في مسيرة الخداع التي ما زالت تسير بها منذ سبعين عام.. وسيبقوا هم كما كانوا دوما على هامش التاريخ.
اضف تعليق