الشرق الأوسط بإرثه الحضاري العريق هو المرادف الحقيقي للتاريخ، وفيه تولد المنجزات العظيمة وتدفن أيضا، مهد الديانات السماوية المعروفة الى يومنا هذا اليهودية والمسيحية والإسلامية، ولان التاريخ لا يكتب بالانقلاب على المسيرة الطبيعية للبشرية فان الدم هو الحبر الأكثر استخداما لكتابة تواريخ الأمم.

التاريخ هو حاصل مجموع نقاط التحولات الكبرى، وألف عام روتيني لا يساوي حادثة اغتيال امير تشعل شرارة حرب عالمية، تمتلئ بعدها رفوف الكتب بالروايات، سردا او نقدا، والباحثون عن الشهرة من الجنرالات والملوك لا يؤمنون بالمساواة بين الناس ويرون انفسهم فوق كل مخلوق على وجه البسيطة، ولهذا السبب هم يبحثون عن أشياء غير تقليدية تطير بهم مع النجوم.

الشرق الأوسط بإرثه الحضاري العريق هو المرادف الحقيقي للتاريخ، وفيه تولد المنجزات العظيمة وتدفن أيضا، مهد الديانات السماوية المعروفة الى يومنا هذا اليهودية والمسيحية والإسلامية، ولان التاريخ لا يكتب بالانقلاب على المسيرة الطبيعية للبشرية فان الدم هو الحبر الأكثر استخداما لكتابة تواريخ الأمم.

في منطقة الجزيرة العربية التي شهدت ولادة الديانات السماوية الأولى، تحول الدين الى صفة ملازمة لها، تطورت أساليب التعبير عنه لكن جوهرها بقي واحدا، وجاءت أنظمة الحكمة المتعاقبة لتسحب تعاليه وفتاوه بعيدا عن وظيفته الأساسية، ربطته بالسياسة وجعلت منه وجعلته تابعا لها غير متبوع.

الجزيرة العربية التي تقطعت الى اوصال، وسجون مصغرة (دول)، قتل اسم الحجاز ورفع فوق قبره اسم "ال سعود" معلنين اول مملكة في العصر الحديث ترفع اسم عائلة استولت عليها بالغزوات البدوية، وتحالفت مع تيار ديني متشدد أراد للامة ان ترجع للوراء كثيرا رغم ان القافلة لا تسير الا للامام، وادخلت هذه المملكة التي تأسست برعاية اوربية خالصة المنطقة في حالة من الصراع بين من يجر القاطرة في طريقة النهوض والتقدم، وبين من اصبحوا مثل الفرامل المدمرة لكل ما هو متحرك.

خَلْطُ الوهابية بالعائلة السعودية صنعت كيانا غربيا في جسد الامة، تحركه الدول العظمى متى ارادت وتضرب به خاصرة المتعاونين مع قادة التحرر، ولم يكتفوا بالاستيلاء على الحجاز ارضا وثروات وتسمية، بل انطلقوا الى خارج الحدود الى أفغانستان حيث "الجهاد المقدس" ضد الغزو السوفيتي.

انشأوا حركات دينية تحت مسمى الجهاد ضد الغزو الأجنبي، مولوها ودعموها بكل ما اوتوا من أموال النفط، حتى اسقطوا الاتحاد السوفيتي الى غير رجعة، ولان مربي العقارب لا يسلم من لدغتها فقد كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، والجهات المنفذة هي ذاتها التي دربها الامريكيون باموال سعودية.

مرت السنوات واستمرت الحرب، التي قالوا انها صارت ضد إرهاب إسلامي متشدد، هذا الإرهاب الذي يستلم فتواها من شيوخ الوهابية ويتلقى الضربات المفترضة من ساسة ال سعود، وكان عرى التحالف بدأت تتفكك، الا انه حتى مراحل متقدمة بقيت العلاقة طيبة مادامت السيوف تحصد ارواحا عراقية شيعية، رغم وصول اعداد الضحايا الى مليون شهيد فالكافر ضمنت له الوهابية حق الموت وتكفلت السلطات السعودية بالشتائم في فضائياتها ووسائل اعلامها.

قتلوا وقتلوا وقتلوا حتى بات هذا العمل فعلا اعتياديا لا يصنع التاريخ، وهنا لا بد من خطة فهناك تيارات اقتربت شمسها من من الشروق بينما يقف السعوديون والوهابيون مع الغرب او هم نحو الغروب ذاهبون، وهنا جاء القرار بإعادة السيف الى غمده ولف العمامة او وضعها جانبا، وإصدار فتوى للجهاد ببدلة انيقة مع ربطة عنق او السياحة باليخوت الفاخرة مع الاحتفاظ بالعقال العربي.

هذا الجهاد الذي يجب على كل الناس الاشتراك به مثلما فعلوا مع الجهاد بالسيف، مليارات الدولارات ادواته وتدمير المنظومة السابقة هدفه، القائمون عليه يجيدون الحديث عن السلام حتى وان لم تنتهي حرب اليمن التي تشهد مولد عامها الرابع، وعددا الموت اسرع من طائرات لوكهيد وبوينغ.

محمد بن سلمان، هو القائد لهذه الثورة الجهادية المدنية، صال وجال غربا وشرقا، أراد لثورته في البداية ان تكون استمرارا لمسيرة والده الذي كان امين جمع الأموال للمجاهدين الأفغان ابان الحرب السوفيتية، لكنه اكتشف ان بيع الدماء في دكاكين المخابرات لم تعد تجارة مربحة.

اتجه بن سلمان الى من يجيدون فن التبرير من اجل كتابة تاريخه الجديد، فقلب رؤوس المال في فندق الريتس كارلتون، لتقع بين يديه 100 مليار دولار من امراء اصبحوا فاسدين بين ليلة وضحاها، وذهب الأمير الشاب بملياراته مسرعا الى صديقه دونالد ترامب، يطلب منه المساعدة في تدوين التاريخ.

محمد بن سلمان لا يريد فتح صفحة جديدة من التاريخ فحسب، انما يريد قلب التاريخ نفسه فيبني كيانا مدنيا باستخدام اشد أنواع النظم ديكتاتورية وتشددا، معتقدا ان مصافحة الرجال للنساء والسماح لهن بارتداء ما يحلوا لهن هو المفتاح السحري لكل ما يريد.

نعم، نحن امام صفحة أخرى من تاريخ الشرق الأوسط، وتكتب للمرة الثانية باياد سعودية، وبرعاية أمريكية اوربية، الا ان السرعة المفرطة في التحديث تاتي غالبا بنتائج كارثية، وهذا الاتحاد السوفيتي الذي حاربوه قد سقط امامهم قبل ربع قرن، أراد اللحاق بركب الغرب فسقط ارضا لان عربة المخلفات السابقة لا يمكن ان يجرها حصان واحد، انها بحاجة الى مشاركة الكل في جرها، وهذا يعني ان التحديث الاقتصادي لا بد وان يلحقه تحديث سياسي سيكون محمد بن سلمان اول ضحايا، وربما لا يشفع له الافراط في المسير فعربة المجتمع قد تنفصل عنه الى غير رجعة.

............................................................................................
* الآراء الواردة بالمقال لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية.

اضف تعليق