عقد ونصف من الزمن مر على بدء غزو العراق، ذكرى تجددها مشاهد الدمار التي تمتد على كامل مساحة البلاد؛ إذ كان الغزو بداية انطلاق دمار حلّ على أرض الرافدين، وصل بها إلى مستويات متدنية جداً من الأمن والخدمات، وانتشار الجماعات الإرهابية.
عقد ونصف من الزمن مر على بدء غزو العراق، ذكرى تجددها مشاهد الدمار التي تمتد على كامل مساحة البلاد؛ إذ كان الغزو بداية انطلاق دمار حلّ على أرض الرافدين، وصل بها إلى مستويات متدنية جداً من الأمن والخدمات، وانتشار الجماعات الإرهابية.
ويعيد يوم التاسع عشر من مارس في كل عام ذكرى بدء غزو دولي للعراق وقع في العام 2003، وجاء على خلفية مزاعم "التهديد الخطير" الذي يمثله البلد على العالم، إذ أشاعت دول الغرب برئاسة واشنطن ولندن امتلاك بغداد لأسلحة دمار شامل.
ورغم ذريعة أسلحة الدمار الشامل المعلنة فإن أسباباً أخرى مختلفة (سياسية واقتصادية وحتى حضارية) ظلت قيد التناول في وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية، وأصبح بعضها أكثر إقناعاً للمراقبين، انطلاقاً من سير الأحداث ومآلات الحرب وتكشف أسرار تحضيراتها.
وفي طليعة تلك الأسباب تحمس الحكومتين الأمريكية والبريطانية لوضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة، فقد تحدثت تقارير عديدة عن التحريض على غزو العراق من طرف مسؤولي شركات نفط أمريكية كبيرة، من بينها مثلاً مجموعة "هاليبيرتون" النفطية التي كان ديك تشيني، نائب الرئيس الأمريكي آنذاك، يتولى إدارتها حتى عام 2000.
ويستدلون على صحة ذلك بأن وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) منحت هاليبيرتون، دون التقدم بعروض مناقصة، في نوفمبر 2003، عقدَين مختلفين: الأول بسبعة مليارات دولار لإعادة تأهيل البنى التحتية النفطية العراقية، والتزويد بالمنتجات النفطية المكررة في البلاد، والثاني لتقديم دعم لوجستي للقوات الأمريكية في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بقيمة 8.6 مليارات دولار.
وأكدت وثائق سرية حكومية بريطانية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق، وقالت إن خططاً لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين وبين كبريات الشركات العالمية، خاصة البريطانية منها (بينها شركات "شل" و"بي بي" و"بي جي") قبل عام من تاريخ الغزو. بحسب تقرير لموقع "الخليج اونلاين".
تحرير ام غزو؟
في مطلع يناير 2003 أعلن بوش، في خطاب ألقاه بقاعدة "فورت هود" بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأمريكية، أن بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكرياً "إذا رفض العراق نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها".
وأضاف أن بلاده "لا تريد غزو العراق وإنما تحرير الشعب العراقي"، وأعرب عن ثقته في "تحقيق نصر حاسم لأن أمريكا تمتلك أفضل جيش في العالم".
وانضمت إلى أمريكا وبريطانيا نحو عشرين دولة إضافة إلى قوى المعارضة العراقية، كقوات البيشمركة التابعة للحزبين الرئيسيين في كردستان بزعامة جلال طالباني ومسعود البارزاني.
استمرت عمليات الغزو، الذي أطلقت عليه واشنطن ولندن "عملية الحرية من أجل العراق"، من بدايته حتى احتلال بغداد 19 يوماً، واجهت فيها القوات الغازية مقاومة من الجيش العراقي الذي كان يقاتل دون غطاء جوي.
الاحتلال يزرع الفوضى
دام وجود قوات الاحتلال في العراق نحو تسع سنوات، سادت فيها مختلف مظاهر الفوضى والدمار، لكن القوات الأمريكية وحلفاءها تلقوا أيضاً خسائر فادحة في الأرواح (قُتل لأمريكا 4500 جندي وأصيب نحو 30 ألفاً آخرين، في حين قتل 179 جندياً بريطانياً فقط) والممتلكات؛ بسبب العمليات العسكرية لفصائل المقاومة العراقية.
وتتفاوت التقديرات للعدد الإجمالي لقتلى الغزو من العراقيين تبعاً لجهة صدورها. فقد أفادت دراسة أعدها معهد الاستطلاعات البريطاني في صيف عام 2007، بأن عدد قتلى الغزو من العراقيين بلغ حتى ذلك التاريخ نحو مليون شخص، من أصل 26 مليوناً هم سكان العراق بحسب إحصاءات ما قبل الاحتلال.
وكان تقرير للمجلة العلمية البريطانية "ذي لانسيت" صدر في أكتوبر 2006 قدر عددهم بما لا يقل عن 655 ألف قتيل. أما منظمة الصحة العالمية فتعتقد أن حصيلة القتلى العراقيين تتراوح بين 104 آلاف و230 ألفاً، وهو قريب من تقديرات وثائق ويكيليكس المسربة عام 2010، التي أشارت إلى مقتل 109 آلاف عراقي منذ بداية الغزو.
هزيمة تحت راية الاتفاق
في حين اعترف الجيش الأمريكي بمقتل نحو 77 ألف عراقي بين يناير 2004 وأغسطس 2008، بينهم نحو 63 ألف مدني، والباقون من العسكريين.
وفي 18 ديسمبر 2011، أعلنت الولايات المتحدة أن جيشها أكمل انسحابه من العراق ذلك اليوم، وأن الانسحاب جاء تطبيقاً للاتفاقية الأمنية الموقعة مع حكومة بغداد عام 2008، وبعد أن رفضت الأخيرة منح آلاف الجنود الأمريكيين حصانة قانونية.
وكانت بريطانيا بدأت سحب قواتها من جنوبي العراق مطلع أبريل 2009، وأكملته بشكل نهائي يوم 22 مايو 2011.
صنع في العراق
تؤكد تقارير دولية مختصة، فضلاً عن تصريحات لقادة عراقيين، أن العراق أصبح اليوم تابعاً لدول إقليمية، ولم يعد يملك قراراً سيادياً؛ وذلك بسبب الدعم الإقليمي للأحزاب الحاكمة في بغداد.
وشهدت البلاد بعد غزوها تفككاً مجتمعياً، وظهور الطائفية، وبات الشعب مقسماً إلى طوائف، وعرفت لأول مرة اقتتالاً طائفياً مريراً، في خلال الفترة بين 2005 و2009. البلاد أصبحت تُعرف عالمياً بكونها من بين أكثر عشرة بلدان فساداً في العالم، ويُنسب لقادة وأحزاب في السلطة سرقات بمليارات الدولارات، في حين أن البلد يعوم على بحر من الفقر والأمراض والبطالة.
البلاد أيضاً ولأول مرة لم يُشاهَد في أسواقها عبارة "صنع في العراق"؛ فبعد أن كانت الصناعة تمثل أحد موارد الدخل القومي، شهدت توقف الصناعة، إذ غيّب صناع القرار في البلاد الصناعة المحلية، وأغرقوا السوق بالمنتجات المستوردة.
هذا فضلاً عن الشلل الذي أصاب القطاع الزراعي، فبعد أن كان العراق مكتفياً ذاتياً من زراعته ويصدر الفائض منها، توقفت الجهات الحكومية المختصة عن السير على سكة دعم الزراعة وتوفير احتياجات المزارعين مثلما كان الحال قبل غزو البلاد، ما أدى إلى تصحر مساحات شاسعة من الأراضي التي تمثل سلة العراق الغذائية.
في ذكرى الغزو، يتوضح جلياً أن عبارة "لا نريد غزو العراق وإنما تحرير الشعب العراقي" التي قالها الرئيس الأمريكي، حينذاك، جورج دبليو بوش، لم تكن صادقة؛ فما خلَّفه الغزو أكبر بكثير من الغزو نفسه، إذ فقد العراق تماسك المجتمع والاقتصاد والأمن والخدمات.
حاكموا قادة الغزو
الصحف الغربية اطلقت حملات إعلامية لمعارضة الغزو، فقد نظمت صحيفة "ذا سيني مورنينغ هيرالد" الاسترالية، حملة جديدة مطالبة بتقديم رئيس وزرائها السابق ابان فترة غزو العراق "جون هاورد"، الى المحاكمة، بتهمة القيام بجريمة اعلان حرب غير قانونية، وادخال البلاد فيها، منضمة بذلك الى وسائل الاعلام الامريكية والبريطانية.
وبينت الصحيفة خلال تقرير لها، ان هاورد كان قد قام ببناء قراره اعلان الحرب على العراق والمشاركة في غزوه عام 2003، والتي وصفتها بانها "غلطة وحشية"، على خمسة اسس تتباين بين امتلاك العراق اسلحة كيمياوية وسعيه لامتلاك نووية، بالاضافة الى فشل الامم المتحدة في نزع سلاح العراق وتسهيل وقوع تلك الاسلحة بيد منظمات ارهابية مثل القاعدة، وكذلك تشجيع دول اخرى على السعي لامتلاك هكذا اسلحة، قد فقدت مصداقيتها بعد الكشف عن تقارير سرية من جهاز الاستخبارات في حكومته، واللجنة البرلمانية للامن والاستخبارات التي كان يقودها عضو البرلمان "دايفيد جول"، قدمت له بين عامي 2002 و 2003، تثبت "عدم وجود اي ادلة على مصداقية ادعاء هذه النقاط".
وتابعت الصحيفة، بان هاورد وبعد تجاهله اللجان البرلمانية والامنية، تجاهل ايضا تحذيرات ارسلت له شخصيا من وزارة الدفاع الكندية وجهازها الاستخباري، تؤكد له عدم وجود اي ادلة على تلك الادعاءات، الامر الذي تجاهله ايضا، ومضى في قراره المشاركة في الغزو، حيث وصفته الصحيفة بـــ "الكاذب" نتيجة استمراره في تبرير الحرب للعامة في استراليا، على الرغم من فقدان مبرراتها كل المصداقيات.
وسردت الصحيفة تبريرات اخرى قدمها هاورد الذي تولى المنصب منذ عام 1999 وحتى عام 2007، والوثائق التي كشفت زيفها، مطالبة عبر ذلك بتقديمه الى المحاكمة، اسوة بالمطالب التي قدمتها وسائل اعلام امريكية وبريطانية ومنذ يومان، لتصادف مرور الذكرى الخامسة عشر لغزو العراق من قبل قوات التحالف.
العمليات الامريكية لا تزال مستمرة
وبالتوازي مع ازمة غزو العراق، طرحت في الآونة الأخيرة مسالة عودة القوات الأجنبية للعراق من جديد، وادت الى بروز ازمة جديدة بين قوى عراقية مختلفة سياسيا وايدلوجيا، حتى ان تنفيذ العمليات العسكرية الامريكية اصبح تهمة للامريكيين الذين يقولون انهم يقومون بدور استشاري فقط، وفي هذا الشأن قال قال عراقي بارز في بغداد، الثلاثاء، 20 اذار الجاري، إن الجيش الأميركي ما زال ينفذ مهام قتالية واستخبارية في البلاد رغم مرور نحو أربعة أشهر على إعلان بغداد رسميا النصر على تنظيم "داعش" الإرهابي وتحرير كافة المدن العراقية من قبضته.
ويأتي ذلك مع تصاعد وتيرة الضغوط السياسية والتصريحات الهجومية لفصائل مسلحة تابعة "للحشد الشعبي" والتي تطالب بسحب القوات الأجنبية من العراق بعد زوال حجة وجودهم، مهددين في حال بقائها باعتبارها قوات احتلال يجب مقاومتها، بينما ما زال قرار البرلمان الذي ألزم فيه الحكومة بوضع جدول زمني لسحب القوات الأجنبية من العراق في عداد القوانين غير المفعلة رغم إقراره منذ أسابيع.
وقال الضابط عراقي بارز في وزارة الدفاع ببغداد في تصريح لصحيفة "العربي الجديد"، إن "اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة مقتل أفراد أمن عراقيين على يد الجيش الأميركي بمدينة البغدادي 180 كيلو متر غرب بغداد نهاية شهر يناير/ كانون الثاني الماضي لم تصل إلى أي نتيجة حتى الآن".
وبين أن "مجموع الضحايا في حادثة فتح مروحية أميركية النار على قوات كوماندوس عراقية كانت في مهمة خاصة لاعتقال قيادي بارز بتنظيم (داعش) في مدينة البغدادي بلغ 9 قتلى و18 جريحا من بينهم قائد شرطة المدينة العقيد سلام العبيدي وآمر وحدة العمليات الخاصة بجهاز الشرطة برتبة مقدم وعناصر شرطة وقوات عشائر ومدنيون تعرضوا للقصف وهم داخل منازلهم".
سوء تنسيق
وأضاف "الأجوبة الأميركية حيال الحادثة تتمحور في عبارة واحدة: سوء تنسيق وفهم من قبل قائد الطائرة الأميركية حيث اعتقد أن القوة هم من عناصر (داعش) وليسوا قوات الأمن، وبادر بفتح النار عليهم".
وكشف أن "النشاط الأميركي العسكري والاستخباري ما زال قائما بالعراق فهناك قوات خاصة تبحث عن قيادات (داعش) وتحلل في معلومات ووثائق عثرت عليها في مخابئ التنظيم، وهناك عمليات عسكرية للجيش الأميركي على الشريط الحدودي العراقي السوري وفي صحراء الأنبار وبادية الموصل".
وأضاف "منذ إعلان رئيس الوزراء (حيدر العبادي) النصر على الإرهاب تم تنفيذ ما لا يقل عن 30 نشاطا بطابع عسكري واستخباري من قبل القوات الأميركية وقد يكون العدد أكبر لكن هذا ما تم رصده من قبل القطعات العراقية المتواجدة في المناطق المرتبكة امنيا غرب وشمال العراق" وفقا لقوله.
وتبنى البرلمان العراقي مطلع الشهر الجاري قرارا يلزم الحكومة بوضع جدول زمني لمغادرة القوات الأجنبية البلاد في إشارة إلى التحالف الدولي الذي قدم الدعم خلال المعارك ضد مسلحي تنظيم "داعش".
اضف تعليق