إن كيم يسعى لتخفيف العقوبات، وإجهاض الجهود العسكرية الأمريكية، وخلق حالة يعترف فيها العالم بشرعية كوريا الشمالية كدولة نووية\\\"، وبالنسبة لترامب فإنها أجرأ خطوة تاريخية يتخذها رئيس أمريكي في السياسة الخارجية فلو نجحت هذه المقامرة فإن ترامب قد يقدم نفسه باعتباره الرئيس الذي حل مشكلة كوريا الشمالية
لا شيء جديد يعرض في وسائل الاعلام عن العلاقات الكورية الامريكية، فالاخبار الصادمة هي الصلاة الصباحية الاسبوعية التي تقام على نعش امريكي وكوري شمالي بطريقة متبادلة.
فمنذ وصول الرئيس الامريكي للبيت الابيض التهبت العلاقة مع "العدو" كوريا الشمالية، واصر دونالد ترامب في اكثر من مناسبة على معالجة الملف النووي الكوري بطريقته الخاصة والقائمة على استبعاد اي حل لا يتضمن عملية عسكرية، حتى انه (ترامب) قد اعترض على محاولة وزير خارجيته البحث عن مخرج سياسي للازمة الكورية ودعاه لعدم "تضييع الوقت" مع المجنون كيم جونغ اون.
العام الماضي شهد اندلاع الحرب الكلامية بين ترامب وجونغ أون؛ فبعد توليه بشهر خرج الرئيس الأمريكي بهجوم على كوريا الشمالية قال فيه: إنها "لن تكون أبداً قادرة على تطوير سلاح ذري قادر على بلوغ الأراضي الأمريكية".
تصريح ترامب أشعل فتيل الصواريخ الكورية الشمالية، إذ أطلقت الأخيرة صاروخين عابرين للقارات، في يوليو 2017، ولحق بهما تصريح لرئيس البلاد قال فيه: إن "كل الأراضي الأمريكية باتت في مرمى صواريخنا".
هذه الصواريخ اعترضتها "المضادّات الترامبية" حسبما يصف موقع الخليج اونلاين؛ حين توعّد في أغسطس من العام ذاته، الشطر الكوري الشمالي "بالنار والغضب"، وهو ما أخذته بيونغ يانغ على محمل الجد.
في الشهر ذاته، ورداً على تصريح ترامب "المجنون"، أطلقت بيونغ يانغ صاروخاً باليستياً عبر أجواء اليابان أجّج الحرب المشتعلة، لا سيما بعد أن استبعد ترامب التفاوض كحلّ سياسي مع كوريا الشمالية، في إشارة إلى الخيار العسكري.
بعدها بشهر أجرت كوريا الشمالية تجربة نووية سادسة، مؤكّدة أنها اختبرت قنبلة هيدروجينية، لتدفع الحرب إلى ذروتها، بعدما هدّد ترامب -أمام الأمم المتحدة- كوريا الشمالية "بتدميرها بالكامل".
ترامب لم يكتفِ بذلك، بل صعّد من إجراءاته الكلامية ضد كوريا الشمالية حين وصف زعيم كوريا الشمالية بأنه "رجل صاروخ يقوم بمهمة انتحارية".
هذا على صعيد القذائف الكلامية، أما على الأرض فقد أرسل ترامب، في الشهر ذاته، قاذفات أمريكية قرب السواحل الكورية الشمالية، في ردٍّ على إمكانية إجراء تجربة نووية في المحيط الهادئ تحدثت عنها بيونغ يانغ.
على أثر ذلك استعرت الحرب الكلامية بين الزعيمين، إذ هدّدت كوريا الشمالية على الفور بإسقاط الطائرات التي أرسلتها أمريكا قرب سواحلها في المستقبل، متهمةً ترامب بـ "إعلان الحرب عليها".
وفي نهاية سبتمبر، انتقلت الحرب من ساحة الكلام إلى فرض الإجراءات العقابية، إذ فرضت واشنطن عقوبات على 8 مصارف كورية شمالية و26 فرداً، قالت إنهم متّهمون بتأمين تمويل لتطوير البرنامج النووي لكوريا الشمالية.
وفي ظل هذا الخطاب والواقع المتشنج التف ترامب على نفسه كالافعى معلنا عن لقاء قمة مرتقب يجمعه مع رجل الصواريخ الصغير، وعدو امريكا الاول، واللافت ان الاعلان عن لقاء القمة هذا كان اكثر صدمة حتى من تجارب كيم جونغ اون النووية واثار تساؤلات مفتوحة ومربكة للامريكيين ودول العالم اجمع.
فما الذي دفع ترامب لاتخاذ او الموافقة على هذه الخطوة غير معروف، وهذا الغموض هو ما يجعل من زعيم اقوى دولة في العالم اكثر رعبا من كل شيء، فقراراته غير متوقعة وقيل انها تنم عن قلة خبرة او تعبر عن نوع من الامراض النفسية.
هذه التساؤلات طرحتها عدة صحف ومواقع اعلامية عالمية، فحاولت البي بي سي طرح اجابة عبر جون ديلوري من جامعة يونسي والذي علق على خطوة الرئيس الكوري الجنوبي الذي اتخذ دور الوسيط في المحادثات: "يصف الناس ما يحدث بأنه هجوم السحر والجاذبية من قبل كوريا الشمالية، وفي الواقع أرى أنه هجوم جاذبية من قبل كوريا الجنوبية، فهو أمر يريده الرئيس الكوري الجنوبي مون جي إن بوضوح." كما يحاول الرئيس الكوري الجنوبي، مختارا ألفاظه بعناية، لعب دور الوسيط النزيه بالتعامل مع كيم وترامب في الوقت نفسه.
اما البروفيسور لي يونغ سون من كلية الحقوق والدبلوماسية بجامعة تافتس فيرى الامر بعين الرئيس الكوري الشمالي ويقول:" إن كيم يسعى لتخفيف العقوبات، وإجهاض الجهود العسكرية الأمريكية، وخلق حالة يعترف فيها العالم بشرعية كوريا الشمالية كدولة نووية".
وبالنسبة لترامب فإنها أجرأ خطوة تاريخية يتخذها رئيس أمريكي في السياسة الخارجية فلو نجحت هذه المقامرة فإن ترامب قد يقدم نفسه باعتباره الرئيس الذي حل مشكلة كوريا الشمالية، ولا سيما أن انتصارات إدارته محدودة للغاية.
كما أنه يعتقد أن استراتيجيته القاضية بفرض "أقصى درجات الضغوط" واستمالة الصين والضغط على بيونغ يانغ اقتصاديا قد آتت أكلها.
لكن في الوقت الحالي هناك بعض الاصوات التي تربط بين الحوار مع كوريا والقطيعة المرتقبة مع ايران، اذ تقول بعض هذه الأصوات إنَّهم يخشون ما هو اخطر من التقارب. فمع فتح نافذةٍ دبلوماسية مفاجئة مع كوريا الشمالية، قد يرى ترامب أنَّ إلغاء الاتفاق الإيراني يُعزِّز موقفه في المحادثات مع كيم. حسبما ينقل موقع هاف بوست عن وول ستريت جورنال.
واشار دبلوماسي غربي كبير إلى أنَّ المحادثات مع كيم من المحتمل أن تُمثِّل أخباراً سيئةً بالنسبة للاتفاق الإيراني، الذي أُلغيت بموجبه معظم العقوبات الدولية في مقابل قيودٍ مُشدَّدة مؤقتة على معظم عمليات البرنامج النووي الإيراني. وقال في إشارةٍ إلى ترامب: "هناك خطرٌ من أن يقول إنَّه كان اتفاقاً سيئاً وسنريكم كيف تقومون بالصفقات".
واذا ما عقدت القمة بين ترامب وكيم فهل سيستعرض بعضهم "ازرارهم" التي تفاخروا بحجمها، وهل ان ترامب قادر على الامساك بزر كيم دون ان يفجر قنبلة نووية.
اضف تعليق