آراء وافكار - مقالات الكتاب

الجسد..

وسيم داعش بعد وسيم بغداد

بعد وسيم بغداد الذي تتهافت عليه الفتيات الايرانيات لأخذ صورة معه، وتخليد لحظات السرور والاحتفاء بوسامته، يتداول الناشطون على شبكات التواصل الاجتماعي، صورا لوسيم داعش، بعد ايام قليلة من انتشار صور لما عرف بعزرائيل، والذي يشبهه في البنية الجسدية الممتلئة والطول الفارع واللحية الكثة.

وسيم داعش، (أبو وهيب)، سخر منه الكثيرون، من أزيائه وتصفيفات شعره، حيث ظهر في صورة حديثة أشبه بـ(شيش شاورما).

اشتهر أبو وهيب بلقب (وسيم داعش) نظراً لاهتمامه بتزيين نفسه وتصفيف شعره بشكل خاص، إلا أنه بالغ بعض الشيء وظهر قبل يومين بما أصبح معه شبيهاً بشيش شاورما، فتحول على فايسبوك وتويتر الى مصدر الهام لاطلاق النكات.

أبو وهيب، يبلغ من العمر 28 سنة، وهو من محافظة الأنبار في العراق، ويتزعم وحدة (داعشية) سماها (أسود الصحراء) وقامت بأعمال ارهابية متنوعة، ولا تزال، لذلك خصصوا مكافأة قيمتها نصف مليون دولار لمن يأتي به حياً أو ميتاً، أو يدلي بمعلومات تؤدي لاعتقاله ومنعه مما هو ممعن فيه من إرهاب.

أما صورته التي سخروا منها، لشبهه فيها بشيش الشاورما، فنشرها له موقع (الرقة تذبح بصمت) المتربص دائمًا بالدولة (الداعشية) وسلبياتها في الشمال السوري، وفيها نراه واقفاً قرب شاحنة سوداء، مرتدياً بزة عسكرية مرقطة ويغلب عليها اللون البني المحروق، كما يغلب على لحم الشاورما تمامًا.

من الملاحظ على الصور التي تنشرها داعش، او مقاطع الفيديو المصورة لإعدامات الرهائن، انها تركز على اجساد من يقومون بتنفيذ عمليات الاعدام، وهم عادة مايكونون ذوي اجساد ممتلئة، وقامات فارعة، ويقفون بصورة منتصبة امام الكاميرات، وهو جزء من مناخ اشاعة الخوف لدى المتلقي بصريا لتلك الصور، عبر اللغة المكشوفة او المضمرة التي يتم تأويلها من قبل المشاهد.

الصورة وماتحمله من رسائل مباشرة ومضمرة، وبالعودة الى الوراء مع صور من نوع اخر كان يتسيد فيها الرئيس العراقي السابق صدام حسين، او صور للفنانة الامريكية مادونا، وجدت مقارنة لدى الكاتب المعروف حازم صاغية في حديثه عن صدام حسين من خلال عقد مقارنة بينه وبين مادونا، مع تأكيده على الفارق بين الاثنين، وهو ثنائية الدين – الجنس وما ينطوي عليه احيانا من بعد سادي – مازوشي في حالة مادونا، بينما استقرت صورة صدام على رسالة سادية احادية وظيفتها نقل الخوف، والخوف وحده الى المتلقي.

لاتكتمل هذا الصورة الا من خلال الجسد والقوام الممتليء، والذي لاحظ باحثون يمثلون عدة وجهات نظر متعدد ان الجسد مطية للذات، وان التصورات عن الجسد تكشف عن التصورات عن الذات، خاصة الذات بوصفها ذكرا او انثى.

ويمكن الاشارة الى عدة تصورات حول الجسد وما يمثله في عدد من الثقافات، مثلا، تتميز اتجاهات الامريكيين نحو الجسد بازدواجية العقل والجسد، وزهو الاعتقاد بان العقل والجسد منفصلان، وان الذات الحقيقية تسكن في العقل، وتمارس التحكم في الجسد ذي الاخطاء الكثيرة.

تدعم ازدواجية العقل والجسد انعدام المساواة بين الرجال والنساء، بربطها الرجال بالعقل الراقي القادر على التحكم، والنساء بالجسد المتدني الخاضع للتحكم.

تتداخل هذه الاتجاهات تداخلا مضبوطا مع حاجة الرأسمالية الاستهلاكية لبيع المنتجات، لان الجسد – لاسيما جسد الانثى – يعرّف باستمرار باعتباره شيئا يمكن العمل عليه وتحسينه بشراء اشياء.

في ازمان وثقافات مختلفة، شاعت افكار اخرى عن الجسد، فالأوربيون في العصور الوسطى مثلا عرّفوا الجسد بوصفه موضعا للخصوبة والتفسخ والقداسة. لقد تحكموا في اللحم وادّبوه بل وعذبوه تطلعا الى سمو مرعب وان كان لذيذا نحو الالهي. وقد عزز الفكتوريون تدني منزلة النساء بتعريفهم للجسد الانثوي باعتباره جسدا ضعيفا خاليا، يميل الى المرض، وخال من الرغبات المشروعة.

يعرف سكان جزر فيجي الجسد تعريفا اجتماعيا بوصفه موضعا مشروعا للهم الاجتماعي والتثقيف الاجتماعي، وهم يقوون اجساد بعضهم البعض من خلال اطعام الطعام، ومن ثم يعطون قيمة للجسد الكبير باعتباره علامة على النجاح الاجتماعي.

في وقتنا الحالي، يرى المهتمون بالدراسات السيميائية والانثروبولوجية، اننا يصعب او يستحيل علينا أن نَتعرَّف على الإنسان كجوهر مجرد من دون المرور عبر بوابة (الجسد)، وذلك لارتباط الهوية الشخصية بالهوية الجسدية.

للجسد طرق خاصة للتعبير والتواصل، وهي لغة تمزج بين الإيحاء والمجاز، بل إن الجسد هو من يمنح الوجود الإنساني حضوره المادي، ليصبح بذلك هذا الوجود الإنساني وجودًا جسديًا.

الجسد لم ينظر له دائمًا على أنه رمز للوجود الإنساني بل نظر إليه أيضًا على أنه واجهة مختلف التحولات التي يعرفها المجتمع، لذلك طالما كان الجسد عنوانًا لنمط العلاقة التي يقيمها الأفراد فيما بينهم.

الثقافة المجتمعية منحت للجسد دلالات جديدة، لهذا رأينا كيف أن نظرة الشعوب إلى الجسد – شأنها شأن مقاييس التعامل معه – متعددة ومختلفة باختلاف ثقافات المجتمعات، وتعتبر العمليات المرتبطة بالجسد، سلوكيات ثقافية الغرض منها اضفاء طابع الثقافة حتى على الجسد بما هو معطى طبيعي في الإنسان.

اضف تعليق