في حوار متلفز مع المفكر العربي عماد يوسف شعيبي، اجري معه قبل نحو عامين، قال في سياق كلامه عن راهننا المضطرب؛ اننا كثيرا ما نستقي معلوماتنا عن بلداننا ومشاكلنا من مراكز بحوث اميركية وغربية، وهذه المراكز بعيدة عن واقعنا وغير دقيقة، واننا نعرف عن واقعنا اكثر مما تعرف .. وانقل هنا قول شعيبي بالمعنى وليس بالنص .. نعتقد ان هذا الكلام يتفق معه اغلب المهتمين بالشأن السياسي والثقافي عندنا، لان التجربة الحياتية علمتنا ان (عقدة الخواجة) التي تحكمنا تجاه الآخر- الغربي والاميركي تحديدا- فرضت على الكثيرين منا ان يتعاملوا مع كل ما يأتينا من هناك، كما لو انه من المسلمات، على الرغم من ان الكثير مما وصلنا وصرنا نتعامل معه كمقدس، انتهى هناك ومات، او انه جاءنا مجتزئا من حراك ثقافي محكوم بسياقات مختلفة عن واقعنا ومشاكلنا، او يعكس في بعض جوانبه النظرة الينا، وهي نظرة محكومة بثقافة نمطية وقعت تحت سطوة المستشرقين الذين لايمكن الاطمئنان الى كل ما كتبوه او تبرئته من قصديات مسبقة.
لكن الشيء الذي علينا ان نقف عنده بشجاعة ونعترف به، هو اننا نعاني من غياب اوعجز مؤسسي، دفع بنا الى قراءة واقعنا من خلال الآخر وبعينه ايضا، لنقع في الغالب ضحية لذلك الانقياد الذي فرضناه على انفسنا. فمنذ عقود غير قليلة ونحن نمتلك الجامعة والمعهد، لكننا وللاسف لم ننضج مراكز بحثية رصينة تتوفر فيها اسباب التواصل مع العالم، لنمكن بواسطتها باحثينا ومثقفينا من قراءة ماحولهم بدقة ويسر واستنباط الحقائق، وصولا الى استشراف، ولو نسبي، لمستقبلنا الذي صار يصاغ بعيدا عن مشاركتنا او معرفتنا، بسبب غيابنا الثقافي وتغييبنا الحضاري الذي اسهمت فيه عوامل عدة، لم تكن حاضرة، او مطروحة بشكل موضوعي، هي الاخرى امام باحثينا ليقرؤوها قراءة علمية غير عاطفية، كي تكون اداة قوة بايدينا، بعد ان نحولها الى عبر تاريخية، تهدينا في رحلة تيهنا الذي طال اكثر مما يجب.
معروف للجميع ان اصحاب القرار السياسي في العالم المتحضر، يعتمدون في الكثير من قراراتهم على ما تقدمه مراكز البحوث المتخصصة في السياسة والثقافة والبيئة والعلوم المختلفة، وانها – القرارات –لايكسبها صدورها من رأس الهرم بالسلطة في أي بلد هناك سوى القوة القانونية التي تجعلها نافذة لا أكثر، وان عمقها العلمي يبقى في ذمة المراكز المعنية التي تحظى بثقة اصحاب القرار، وان كان بعضها او بالتحديد ما يتناول شؤوننا، يبقى محط شكوك ببراءته من شوائب السياسة، او بسبب جهلها الميداني لبعض خصائصنا الثقافية التي تخضع لتأويلات معينة تبعدها عن الواقعية في التحليل، وهو ما اشار اليه المفكر شعيبي وغيره ممن ظلوا يبحثون عن مراكز بحوث رصينة في بلداننا تحتضن مواهبهم وقدراتهم لكي نصل بها ومن خلالها الى العالم، او يقرأنا بواسطتها كما نقرأ اليوم مشاكل العالم من خلال المتخصصين في مراكز البحوث في تلك الدول ممن تستضيفهم وسائل الاعلام، فيما نحن ننظر اليهم فاغري الافواه ومشدوهين ايضا ومتسائلين .. لماذا لايكون لدينا مثل ما لدى تلك الدول؟.
اضف تعليق