لليوم الخامس على التوالي تستمر التظاهرات في ايران وتزداد الرقعة الجغرافية لها وعدد المشاركين فيها، فضلا عن تصاعد حدة الشعارات التي وصلت الى حد المطالبة باسقاط نظام الجمهورية الاسلامية الحاكم منذ حوالي اربعين عاما، والسبب كما هو معلن ورُفع في الشعارات الحالة الاقتصادية المتردية وانتشار الفقر بين اغلب المواطنين، ما دعاهم للتعبير عن سخطهم من حصول التغيير الموعود منذ سنوات.
في الجهة المقابلة والمتمثلة بخصوم النظام الايراني الحاكم احتفلت السعودية بالاحداث الجارية واعتبرتها خطوة اولى نحو اسقاط ما تصفه بـ"حكم الملالي"، والمتابع لوسائل الاعلام السعودية والخليجية ايضا يجدها احتفلت اكثر من احتفالات رأس السنة التي كانت استثنائية هذه المرة في الشرق الاوسط. اما الولايات المتحدة فقد دخل الرئيس الامريكي بقوة واعتبر التظاهرات نتيجة طبيعة لعدم استخدام الموارد المالية للبلاد في تحسين الاحوال المعيشية، واستثمارها في الازمات الخارجية.
الاوساط الايرانية لا تزال تتعامل مع الامر بحذر شديد، فالرئيس حسن روحاني اكد حق الشعب بالتظاهر والمطالبة بحقوقه، واشار الى ان هذا يسهم في تحقيق التغيير المطلوب، لكنه شدد على ان يبقى في الاطار القانوني والا اعتبرت ضمن عمليات تخريب ستتصدى لها الاجهزة الامنية. والواضح ان الشعارات المناهضة للمرشد الاعلى اية الله علي خامنئي لا تعد انتهاكا للقانون فحسب بل هي جريمة كبرى، وهو ما فعله بعض المتظاهرين، فهل يمكن ان تسكت الاجهزة الايرانية امام هذا التغيير الكبير في النظرة للنظام الحاكم ككل.
وليس ببعيد عن خطاب روحاني تبنت القيادات المحافظة لغة اكثر تشددا تجاه مثيري القلاقل بحسب وصفها والمخربين الذين يعرضون امن البلاد للخطر، واتهمت هذه القيادات الجهات الخارجية وعلى رأسها امريكا واسرائيل والسعودية باثارة القضية لضرب الجمهورية الاسلامية، فيما قالت صحيفة كيهان ان هناك غرفة عمليات مخابراتية امريكية اسرائيلية سعودية تدير التظاهرات من محافظة اربيل، كما ان روحاني ايضا اشار الى انهم (اعداء ايران) قد هددوا صراحة بنقل الحرب الى الداخل وهم ينفذون تهديداتهم الان بحسب تعبيره.
اذن ايران مقتنعة على ان اعداءها هم من يدعمون هذه التظاهرات ما يعني انها فقدت الشرعية القانونية لاستمرارها كونها لا تعبر عن لسان حال الشارع حتى وان تبنت اكثر قضاياه الحاحا، وتدخل وسائل الاعلام الغربية والقيادات السياسية سؤدي الى مفعول عكسي ويسرع في عملية القمع وانهاء هذا التحرك.
واذا كانت القناعات الايرانية الراسخة بحقيقة التدخل الغربي والاقليمي في شؤونها الداخلية، فانها تملك من الاوراق الاخرى ما يجعل من الشرق الاوسط ساحة ملتهبة في المرحلة المقبلة، ويعرف خصومها انها لا تتردد في اللجواء الى اشد ردود الافعال خطورة، خاصة اذا تعلق الامر بحرب وجودية.
اما مساحات التحرك المحتملة فهي سوريا والعراق على الارجح ومياه الخليج، وبالنسبة للعراق فالقواعد الامريكية المهددة اصلا من قبل الفصائل الموالية لايران ستصبح اسهل الاهداف لها، وتعرف امريكا الخطورة على حياة جنودها في العراق، والحكومة العراقية معنية قبل الجميع بعدم السماح لتفاقم الحراك ضد ايران لان انعكاساته ستكون خطيرة جدا على العراق.
في سوريا تبدو الساحة مشابهة للعراق، فالقواعد الامريكية ورغم الحماية الجوية لها لكنها محاصرة من كل الجهات بقوات ايرانية او جماعات موالية لها وهي على استعداد لحرق الارض من اجل اخراج الجنود الامريكان من هناك واستخدام اولى الاوراق ضد الولايات المتحدة.
روسيا الجارة والحليفة القوية لطهران التزمت الحياد في هذه القضية كما هو معتاد، فهي لا تتدخل في الازمة الا بعد ان تنكشف الامور اكثر، وتستقر الاوضاع على اتجاه معين لتدلو بدلوها، فالى هذه اللحظة تعتبر القضية شأن داخلي ايراني. الا ان ايران بالنسبة لروسيا تعني حليفا قويا في الشرق الاوسط يمكن الاستفادة منه كقوة اقليمية ضد حلفاء امريكا في المنطقة، بالاضافة الى ذلك فان اي تغيير في شكل النظام الحالي يعني مجيء نظام موالٍ لامريكا لا محال، وهذا يعد من المحرمات الروسية الكبرى، اذ ان التغيير الجديد يعني ولادة دولة موالية لامريكا تتقاسم الحدود مع روسيا لالاف الكليومترات، وتنافسها اقتصاديا وعسكريا. فهل تسكت روسيا امام هذا السيناريو؟
الاحتجاجات لم تتجاوز الخطوط الحمراء بالنسبة لروسيا وايران على حد سواء فالاخيرة اذا ما اشتعلت من الداخل واشعلت الدول الاقليمية وخصوصا سوريا، فان ذلك يعني انهيارا لاجواء الانتصار التي يريد فلادمير بوتين توظيفها لاجل حملته الانتخابية باعتباره الرئيس الذي فرض المعادلات واعاد لبلاده هيبتها، وبالتالي فاستمرار الارتباك في ايران غير مقبول روسيا حتى وان اعتبر شأنا داخليا.
اي تحرك في الشرق الاوسط يجد صداه عالميا بسرعة، واوراق جميع اللاعبين اصبحت مكشوفة لبعضهم، ومن ثم فان فالخطوات محسوبة ومحسومة ايضا لكنها صغيرة ولا يمكن توقع اكثر من اثارة القلاقل وبث اشارات تحذيرية لهذا الطرف او ذاك، ومن يريد سحق خصمه عليه اخذ العبر من الحربين السورية واليمنية ليجد ان عصر الغاء الاخر قد ولى والتغيرات الجذرية لم تعد مقبولة عالميا.
اضف تعليق