تشهد عدة مدن الايرانية تظاهرات مناهضة للحكومة مع تحول احتجاجات ارتفاع الاسعار الى اكبر موجة من التظاهرات تشهدها البلاد منذ الاحتجاجات المؤيدة للاصلاحيين في عام ٢٠٠٩، بحسب ما تقول وسائل اعلام غربية.
قوات الامن الايرانية تدخلت وبقوة لتفريق الاحتجاجات المناهضة للحكومة التي انتقلت من مدن غرب البلاد الى العاصمة طهران، بحسب ما قالت وكالة فارس شبه الرسمية. وقال مسؤولون إن السلطات احتجزت بضعة محتجين في طهران وانتشرت تسجيلات فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر وجودا أمنيا مكثفا في طهران وبعض المدن الأخرى، فيما عبر الرئيس حسن روحاني عن عدم معارضته للتظاهرات لكنه حذر من اعمال الشغب.
حالة من الارتباك والقلق تسود الشارع الايراني، وخاصة الاوساط الحكومية التي ترى في الاوضاع الجديدة تهديدا للاستقرار الذي طالما تفاخرت به امام الدول الاخرى في اقليم يشهد صراعات دموية منذ سنوات في الوقت الذي نجت طهران من كل هذه الحرائق ولم تخرج سالمة فحسب بل خرجت وهي اكبر واقوى بكثير مما في السابق، ومن ثم فان اي تغيير في الوضع الداخلي يمثل استهدافا وفشلا للنجاحات التي تحقق خارجيا.
في البداية يعكس اندلاع الاضطرابات تنامي السخط بشأن ارتفاع الأسعار ومزاعم فساد ومخاوف بشأن مشاركة إيران الباهظة التكلفة في صراعات إقليمية مثل سوريا والعراق. ويبدو ان ما يجري في ايران يحظى بدعم خارجي وهو ما صرح به مسؤولون ايرانيون على اعلى المستويات، ورغم ان هذا جزء من نظرية المؤامرة المتجذرة في الفكر الشرقي، لكن طبيعة التغطية الاعلامية والتصريحات الامريكية والاسرائيلية والخليجية تؤكد ان هناك من يدعم هذه التظاهرات،. اذ ادانت وزارة الخارجية الأمريكية بشدة اعتقال ما وصفتهم بـ"محتجين سلميين" في إيران وحثت "كل الدول على التأييد العلني للشعب الإيراني ومطالبته بالحقوق الأساسية وإنهاء الفساد".
وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأميركية هيذر نويرت ببيان "إن القادة الإيرانيين حولوا دولة مزدهرة ذات تاريخ وثقافة غنيَين إلى دولة مارقة تصدّر أساساً العنف وسفك الدماء والفوضى". وقال البيت الأبيض: "هناك معلومات كثيرة عن احتجاجات سلمية لمواطنين إيرانيين سئموا فساد النظام وهدره ثرواته من أجل تمويل الإرهاب بالخارج".
خطاب السعودية واسرائيل لا يختلف كثيرا عن اللهجة الامريكية الحادة تجاه طهران، وهو خطاب تقليدي لا يحمل جديدا في سجل المواجهة الشرسة بين الطرفين، عكس ما قالت ادارة الرئيس دونالد ترامب بانها تحمل استراتيجية جديدة للتعامل مع طهران، وهذا يعني ان الاحتجاجات لا تدوم طويلا ولا تنجح اصلا لان الاجهزة الامنية تعرف كيف تستهدف قادة التظاهرات وهي صاحبة سجل طويل في التعامل مع هذا النوع من التحديات.
توقيت هذه التظاهرات ليس بريئا بالمرة، فقد تزامن مع اكبر حشد من الغضب والكراهية ضد امريكا وحلفائها في المنطقة، واستفادت منه ايران ومحورها بشكل منقع النظير، اذ تحول اعتراف دونالد ترامب بالقدس عاصمة لاسرائيل واعلانه بدء الاجراءات لنقل سفارة بلاده اليها، تحول هذا القرار الى شبه انتفاضة اسلامية كبرى، رفعت من شأن طهران وازالت الكثير من الغبار الذي التصق بصورتها وشوهها نتيجة السنوات الطويلة لمشاركتها في العراق ومؤخرا سوريا واليمن.
التظاهرات الايرانية لا تنجح، وحتى الدول الغربية ومنها الولايات المتحدة لا تطمح لهذا الهدف، الا انها تاتي لتحويل الانتباه عن قضية فلسطين عامة والقدس بشكل خاص، وفي هذا الاطار ستنجح بقوة، ومن يتابع نشرات الاخبار والوكالات الاخبارية الايرانية يعرف حجم هذا النجاح، لا سيما وان الانتفاضة الاسلامية ضد قرار ترامب بشان القدس كانت اعلامية اكثر من كونها انجازات ميدانية على الارض.
ايران وحلفائها يشعرون انهم حققوا بعض الانجازات وازاحوا جزء من القوة الامريكية في العراق، وسيطروا على سوريا وارهقوا السعودية في حرب اليمن وجعلوا لبنان شبيه بوضع العراق، لذلك ليس من صالحهم اندلاع مواجهة جديدة، اما الحلف الامريكي السعودي الاسرائيلي فيرى ان هذا الوضع يمثل تهديدا استراتيجيا يجب تهديم اركانه قبل فوات الاوان، والاحتجاجات في الداخل الايراني هي رسالة واضحة لطهران بان كل الخيارات مفتوحة في حال اصرت على شروطها وعدم اخذ مخاوف خصومها على محمل الجد.
اضف تعليق