q

يعتزم نائب الرئيس الامريكي مايك بنس زيارة حائط البراق الذي يطلق عليه اليهود "حائط المبكى"، كجزء من زيارته الرسمية، الى الاراضي الفلسطينية المحتلة، وفي ظل استمرار الانتفاضة الشعبية الرافضة لقرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل.

اذا ما تمت هذه الزيارة فانها ستضع المزيد من الزيت على النار بحسب ما قالت صحيفة هآرتس العبرية، التي حذرت من التبعات الخطيرة لسلوك الادارة الامريكية ازاء القضية الفلسطينية. وترى الصحيفة أن هذا الموقف رغم أنه يلقى حماسة من قِبل أغلبية الإسرائيليين، فإن إعلاناً من هذا القبيل في الوقت الحاضر سيساعد بالضرورة في تهييج الغضب الفلسطيني، الذي ما زال مستمراً منذ إعلان ترامب القدس عاصمة لإسرائيل قبل عدة أيام.

وتقول الصحيفة أن الرياح لا تجري بما تشتهيه سفن الفلسطينيين، إذ جاء برنامج زيارة بنس برسالة ورمزية دينية لا تحتمل التأويل والتفسير، الأمر الذي سيقود حتماً إلى تأجيج الأوضاع أكثر مما هي عليه.

بنس لم يكن أول مسؤول أمريكي يفعل ذلك، حيث سبقه ترامب بزيارته والتقط الصور بجوار الحائط الغربي عند وصوله إلى تل أبيب في مايو الماضي، الأمر الذي يشي بمدى حرص الإدارة الأمريكية على زيارة هذا المكان على وجه الخصوص.

الادارة الامريكية تريد نبش التاريخ بكل تفاصيله وتمزيق كل شيء من اجل خلق بضاعة جديدة يكتب عليها اسم ترامب، والذي يبحث عن مجد شخصي فيه صدى عالمي، لكن هذا الهدف يحتاج الى مواجهة قوة كبرى حتى يطبع في الذاكرة، قد تكون من وزن الصين او روسيا او على الاقل مثل كوريا الشمالية او ايران.

وجرب ترامب مع روسيا_التي كانت وصمة العار عليه_ وقرر ضرب حليفها بشار الاسد باستخدام ٥٩ صاروخ توماهوك استهدفت مطار الشعيرات العسكري، الا ان الضربة لم تعطي مفعولا عالميا طويل الامد وسرعان ما ذابت في زحمة الاحداث والانتصارات المتلاحقة للجيش السوري دفن على اثرها انجاز ترامب، وهو اصلا لم يكن انجازا كبيرا.

راح ترامب الى الصين وهدد بالاقتصاد وفرض الضرائب وتعديل الميزان التجاري، الا ان بكين تعرف جيدا كيف ومتى تنسحب او تهاجم، فكانت الحيرة هي المصير لترامب، الذي وجد نفسه يستجدي افعالا صينية لردع كوريا الشمالية باهاناتها المتكررة والتي وصلت تهديد جزيرة غوام واطلاق الصواريخ فوق الاراضي اليابانية دون ان تعترضها الدفاعات الجوية امريكية الصنع.

ترامب الذي وعد ايضا بتمزيق الاتفاق النووي الايراني، لم يفعل ذلك، واقصى ما قام به هو اطلاق الكثير من الشتائم والقليل من الافعال تجاه النفوذ الايراني المتنامي في المنطقة، فهزم ايضا امام قوة اقليمية صغيرة، وما ارعبه اكثر هو التطبيقات المباشرة للتهديدات الايرانية، في تطور غير مسبوق، ما جعل تأجيل المواجهة امرا حتميا. لا سيما وان صواريخ حركة انصار الله التي تمثل حليفا قويا لايران قد اثبتت عدم فاعلية انظمة الدفاع الامريكية. فاذا كان وكلاء ايران يملكون هذه القدرة العسكرية فكيف الحال مع ايران المتقدمة نسبيا؟ تسؤلات طرحت وبقوة على طاولة النقاش الامريكي ووصلت الى مجلس الامن حيث دعت واشنطن الى ادانة طهران. وهي بالمحصلة النهائية جعلت واشنطن تعيد حساباتها.

لم يبقى من وعود ترامب الانتخابية او مساحات التحرك لديه سوى استهداف دولة لا تملك قوة كبيرة، او ليس لديها سوى الحجارة والاستنكار، ليثبت نجم برامج تلفزيون الواقع انه رجل يستطيع تنفيذ ما يقول، فاعلن القدس عاصمة لاسرائيل منهيا بذلك ربع قرن من التاجيل الذي عكف عليه اسلافه.

ويعتبر الرئيس الامريكي ان ما قام به تجاه القدس يمثل قرارا تاريخيا، انه راية نصر لتاكيد شجاعته، وترسيخ لافكاره القائمة على استعادة التاريخ، شعار ترامب هو "امريكا اولا"، وهو لا يعكس شعورا بالقوة والتفرد بقدر ما يحمله من اهانة لامريكا التي وجدت نفسها امام صعود مفروض عليها لقوى مثل الصين والهند وروسيا وكوريا الشمالية. هذه الامبراطورية التي تربعت على عرش العالم لربع قرن فقدت هيمنتها واهينت في افغانستان والعراق وسوريا وامام كوريا.

ولان التاريخ هو الذي يسيطر على ترامب، والخوف من الموجهة الحقيقية ميزة راسخة لديه وجد في فلسطين كل ما يحتاج، تاريخ ديني حافل بالصراع تتكفل اللوبيات الصهيونية بنبشه واظهار كل معالم الفضيلة في قرار الرجل المتهم دائما بالتعري من جميع القيم، بالاضافة الى غياب اي تكلفة عسكرية سوى الحبر الذي خسره على توقيعه الطويل جدا.

ترامب يريد فتح صفحة جديدة في التاريخ يدوّن فيها اسمه حتى وان كان على ركام من الازمات والحروب، فالرجل لا يعترف الا بنفسه، وحتى شعار "امريكا اولا"، العنصري هو في واقعه "ترامب اولا"، وقد استطاع نقش الحروف الاولى من اسمه من خلال التوقيع على نقل سفارة بلاده الى القدس.

اضف تعليق