فقدت الحضارات التقليدية وفق داريوش شايغان القدرة على الاستجابة امام تحديات العصر الراهنة ولم يعد بمقدورها دخول هذا النوع من الصراعات الذي لم يكن مألوفا في ازمنتها العابرة نحو الماضي بقوة.
فالانسجام والتجانس- ووفق شايغان ايضا- في فضاءاته الروحية والمعنوية الذي كان سائدا في الحضارات التقليدية والناتج عن صورة العالم والانسان والله من خلال صورة الله، صار مهددا بفعل إرباكات الحداثة وتساؤلاتها النقدية المستمرة حول الله والعالم والانسان. وبذلك تشكل مجالا لصراعات غير مألوفة بالنسبة لهذه الحضارات وانماط العيش فيها.
ويمنح شايغان انماط العيش بداهة راكزة في طبيعة هذه الصراعات من اجل تنميط الصراع في اوهام الهويات، وهي فكرة او موضوعة تشكل اغترابا بالنسبة لمفهوم الصراع السائد في ثقافة ومناطق هذه الحضارات التقليدية الى زمن قريب جدا. وهو مفهوم لم يختف او يتوارى عن الافكار والانظار، وانما تعرضت قواعده ومسلماته وافكاره الى محاولات ليبرالية في اسدال الستار عليه وتغييبه عن مجالاته التداولية والضرورية في مجتمعات هذه الحضارات التقليدية او مجتمعاتنا العربية والاسلامية على وجه التحديد.
ثم استبداله بمفهوم اخر في الصراع ذو نزعة وخلفية امبريالية – ليبرالية كان للعولمة دور وقوة الضغط والتبشير به في نظام عالمي جديد تخلص في زعمه من عقدة الصراعات، انه صراع وفق الفهم الليبرالي ليس بين عيشين متفاوتين بما يتسببان عنه في هذا التفاوت من استغلال او هدر لحق او مال عام او تجاوزه على حقوق مشتركة في العيش كما دأبت الافكار النضالية على التأكيد عليه وتصعيداتها الايديولوجية بأزائه، بل هو وفق هذا الفهم الليبرالي صراع بين نمطين من العيش يتسببان في دخول حلبة تحديات في ثقافة هذا العيش وانماطه وطرائق التفكير والتعبيرات المتفاوتة تجاه هذه الانماط والطرائق، وهو نوع من تنميط للصراع لازال الغرب الامبريالي يصر على تسويقه وترويجه بإزاء واقعة الشرق الذي اتقن الاستشراق صنعته.
وفي تصنيفات التنميط لا تحدث تغيرات جذرية واكيدة وانما قد تحدث تصورات فكرية وفنية لا تمس ما هوية وجوهر الشرق والمعني به دوما في رؤية الغرب الليبرالي السياسي، هو الشرق الاسلامي الذي يرتبط بأنماط من العيش عانت صراعات او تحديات الحداثة وانتجت تحولات فكرية وفنية.
ان التحولات الفكرية والفنية في مثال شايغان حول اسيا كبؤرة للحضارات التقليدية، وهي تدخل في تحديات الحداثة هي التي تقود شايغان الى اعتذاره عن فقدان الهوية، واعتذاره امام حضارات او ثقافة شعوب وليس امام الشعوب، لان الشعوب في نظره اصبحت بلا هوية على اثر تحديات الحداثة المربكة. ولعله كليبرالي يضمر فرحا امام واقعة فقدان الهويات لأنها عبء او نمط في العيش لم يعد ملائما او قابلا للاستجابة بأزاء التحديات المعاصرة، او لعل تلك الحضارات التقليدية مجرد نظام او عالم في الهوية مهدد بالانقراض.
ولان شايغان مؤمن بهيمنة التحدي المعاصر وفي ضميمته هيمنة الغرب الثقافي فانه يدعو الى وعي قادر على تحليل الوضع، وعلى معرفة القوى المتنازعة والوسائل الضرورية لتجاوز المرحلة الصراعية، وتجاوز الصراع وتفتيت قيمته هي اطروحة الفكر الليبرالي الجديد في عالمنا القديم. ولم يكن شيئا غير ذا قيمة من الناحية العملية والتحليلية استخدام فكرة او مجرد عبارة (التحديات) التي تتغذى من فكرة الهويات في نظام هذا الفكر المعرفي والسياسي بديلا عن فكرة او مفهوم الصراع الذي ينتمي الى واقع الحاجات الاساسية والمادية الضرورية في الحياة.
وهي محاولة من جانب الفكر الليبرالي في تحديث الصراع او تحريفه من وجهة نظر ترى ان صراعتنا لم تحسم نتائجها بعد وان بناها المتناقصة ماديا واجتماعيا لازالت فاعلة ومؤثرة. لكن القدرة في التعتيم عليها واخفاءها جارية ومتواصلة بفعل تأثير الماكنة الاعلامية والثقافية الليبرالية، وقد ساعد على انطلاقها في عالمنا كسل الفكر الايديولوجي النضالي، واحتساب فشل تجارب الحكم في عالمنا على مستندات هذا الفكر المتشارك في فهم الصراع وتصنيفاته الايديولوجي له رغم اختلاف منطلقاته وصور فهمه لهذا الصراع.
وهنا لا ندعو الى اعادة الصراع وانشغالاته بقدر ما نسعى الى تأكيد انتماء هذا الفكر الايديولوجي – النضالي الى شبكة من المفردات والافكار كانت تنسجها الحاجة المعيشية وانحطاط العيش المشترك على طول خط الهامش في نظامنا الاجتماعي والسياسي في دولة ما قبل الاستقلال وما بعده.
اذ ان صراع الحاجة كان هو سمة النضال الذي قاده الفكر الثوري -الايديولوجي في عالمنا، لكن هذا الصراع تمت استنباته ليبراليا بتحديات الهوية، او تعبيرات الهوية في انماط العيش وطرائق التفكير والدفع بها، اي بالهوية كمفهوم ثقافي الذي تشدد عليه الليبرالية نحو الانثروبولوجيا وترويض مفهوم الصراع من خلاله باتجاه مزيد من الاستقرار السياسي على المدى الاستراتيجي عبر نفي الصراع، وهو ما يوفر ضمانات مطمئنة لنظام السوق الحر والذي هو جزء من مهام الفكر الليبرالي في تحديث الصراع وتوجيهه او تحريفه بعيدا عن المطالب الحياتية واليومية – المعيشية.
فالليبرالية غير معنية في نظامها الفكري وفي سلوكها السياسي بالحاجة المعيشية او بالفقر او باختلال التوازن الطبقي والتفاوت الاجتماعي غير الانساني. انها لاتعرف (روح الحنو في السياسة وما تنتجه من امكانيات جمة)- مايكل ساندل، واذا كان الحنو وامكانياته الجمة يصدر عن مفهوم الحق ومفهوم الخير وهي ذات منحى اخلاقي بحت في التجربة الانسانية الكبرى فإنها اخضعت ايضا الى تحديات الحداثة. ورغم ان الليبرالية تعني بالحق والخير فانها معنية بهما وفق صيغ التعريف والمعنى الليبرالي لهما.
الحق والخير الليبراليان
تطرح الليبرالية مفاهيم خاصة وتعريفات معينة للحق والخير، وهما في اسسهما صيغ فلسفية سعت الليبرالية من خلالها الى تبني منهج حياة وطريقة في العيش وانماطه تستند الى تطبيقات تلك الصيغ في حياة الفرد والدولة ثم تحولت الى صيغ جمالية استطاعت ان تخالط حياة الشعوب وتتحول الى حقيقة بفعل الرفاه المادي والتقني والتطور الدراماتيكي الذي شهده قطاع الصناعة في عالم الغرب وتصوراته حول الانسان عبر الحداثة وثقافة العلمنة، وهي غير مفاهيم الحق والخير في تراثنا وعالمنا او في ثقافتنا الاجتماعية السائدة، وهي وان عدت من مفردات ومفاهيم ثقافتنا وتراثنا الا انها لا تتطابق كليا مع الفهم الليبرالي او تجديداته المبتكرة والخاصة به.
فالحق الليبرالي هو في اغلبه حق معنوي تعبر عنه فكرة الحقوق الفردية في الحريات الليبرالية، واذا كان الحق في ثقافتنا يتعدى بكلمة او حرف (على) -على الحاكم على ولي الامر على المسؤول على المكلف- فان الحق الليبرالي يتعدى بكلمة او حرف (لـ) -للمواطن، للفرد- وخيار ممارسته منوط بالمواطن- بالفرد بذاته، له ان يمارسه وله ان يتركه ويتخلى عنه،بخلاف الحق في ثقافتنا فان كلمة او حرف (على) تشير الى وجوب او واجب بالمطلق يجعل عدم الالتزام به مناط مسؤولية شرعية او قانونية او اخلاقية.
لكن الحق الليبرالي وان كان معنيا ً بأنماط العيش وضمان افضل طرائق لها الا انه غير معني بتوفير هذا العيش، وهو مذهب الليبرالية المطلقة التي تعترض على سياسيات اعادة التوزيع التي تفرض الضرائب على الغني من اجل مساعدة الفقير وتعتبره خرقا ً للحق الليبرالي، ورغم ان دعاة الليبرالية المشروطة تطالب بضمان مستوى للمعيشة لائق للفرد باعتباره حق له من تربية وتعليم ودخل ومسكن ورعاية صحية –ساندل – الا ان الجدل الليبرالي في الساحة السياسية الامريكية غير محسوم باتجاه محدد، وهو يدخل في سعي المدافعين عن اقتصاد السوق في قبالة المدافعين عن فكرة دولة الرفاه العام.
اما الخير الليبرالي فانه يقوم على صلة وثيقة بفكرة العدالة وتقوم هذه الفكرة على مبدأ المنفعة، وتنفصل فكرة الخير عن فكرة الحق في التفكير الليبرالي بل من الخطأ الربط بينهما، والخير الليبرالي هو الذي تحدده سياقات لاحقة وهي في جوهرها براغماتية – نفعية وليس مبادئ اولية سابقة.
وهناك من الليبراليين من يؤمن بان تحديدات الحق والعدالة يجب ان ترجع الى تصورات سابقة في الخير، قد نجد التعبير عنها في ثقافات وتقاليد متعددة كل منها يستبطن تصورا خاصا عن الخير، من هنا كان النظام السياسي الليبرالي محايدا في تصورات الخير المتنافسة ويعمد أن (لا تكون مبادئ العدالة واشكال الحقوق منصرفة او مشتقة باتجاه تصور محدد ومعين للخير او الحياة الخيرة).
ان تصورات الخير المتنافسة وهي تكشف عن نسبية مفهوم الخير وسلخه عن المعنى المطلق الذي كان سائدا في تصورات الحضارات التقليدية وكان يمهد من وجهة نظر ليبرالية الى زحزحة السلم والامن عندما احالت الليبرالية امكانية التنافس والصراع الى مفهوم الخير ذاته، لكنه المفهوم الديني للخير وفق تصورها، وقد جادلت الحداثة في مفهوم الخير هذا باعتباره نسبيا ً حين ينتمي الى الحقل الديني، وهو ما يمهد الى الاختلاف في مفهومه وسلوكه بين الاديان نتيجة اختلاف هذه الاديان في عقائدها وافكارها ومن ثم نسبية هذا الخير الذي تؤمن به، ولذلك صار مفهوم الخير جزء من انماط معيشية مختلفة قد يتأدّى الامر بها الى التنافس والصراع وهو ما يجنب الدولة الحديثة عبر علمنتها من تبني مفهوم خاص بالخير.
ومن ثم فان حيادية النظام السياسي الليبرالي في هذه المسألة او عدم تبنيه وجهة نظر محددة في الخير راجع الى تصوره بان الخير وتصورات الحياة الخيرة ترتبط بأنماط العيش عند مختلف الاتجاهات الدينية والاجتماعية والثقافية، وانماط العيش وما تقتضيه من طرائق في التفكير اختزلها مفهوم الثقافة بفضل الانثروبولوجيا وهو علم ليبرالي بدرجة حاسمة، وعلى ضوئه اقترنت انماط العيش بالهوية واقترنت الهوية بالثقافة، وابتكرت الليبرالية بهذه المقارنات- المقاربات انشغالات الصراعات الضالة في عصرنا بالهويات، واستخدم هنا كلمة او فكرة الضالة في توصيف الهويات في صراعاتها، وعلى الضد من شايغان حين يعبر عنها بأوهام الهويات في الحضارات التقليدية ذلك انه يفسر صراعاتها على ضوء تحديات الحضارة الحديثة وعدم قدرتها على مواكبة الحداثة في هذه الحضارة فتتحلل الى اوهام عبر يأسها من التواصل او هزيمتها في الاستمرار في التحدي او مواجهة التحديات المعاصرة، من هنا فانه يفسر الصراع اساسا عبر توكيده على صراع حديث بين نمطين معيشين، انه تحديات هويات اسست له وهيمنت عليه تلك التصورات الليبرالية حول الخير ونمط الثقافة او العيش المرتبطان به.
ان صراع الهويات هو صراع ثقافات من وجهة نظر ليبرالية خالصة وعامة، وهو صراع حول مفهوم الخير الذي تتبناه تلك الثقافات.استنتاجا ً عن تلك الرؤية يقول مايكل ساندل الليبرالي (ان اختلافاتنا الاخلاقية والدينية انعكاسا لتعدد صور الخير البشري في نهاية الامر) وحين يستشعر خطورة هذه الخلافات على منحى الخير البشري العام فانه يقترح (تقدير صور الخير المتخيلة في اختلاف حيواتنا) وهو تعبير عن امكانية فهم خير مطلق او دعنا نقول خير عام تخفيفا من حدة المطلق الميتافيزيقي، لكن ساندل لا يخرج في مفهومه عن تقدير صور الخير المتعدد- النسبي عن فكرة او مفهوم المجتمع التعددي الذي يعبر عن فكرة التعددية الثقافية المقترنة بالفهم الليبرالي للهويات، وهي الفكرة ذات الجذور الامبريالية الامريكية وبذلك فهي تعيش هاجس صراعات الهويات وتمثلاتها السياسية الخطيرة في صدام الحضارات كرؤية ليبرالية – امريكية.
ازاحة منطق الصراع لصالح اوهام الهويات
اهتم الفكر الليبرالي بمفهوم الخير في حقله الدلالي العام عبر مصاديقه المباشرة والمادية في حياة الانسان، وقد حاول الفكر الليبرالي إزاحة مفهوم الخير الديني عبر ازاحات الحداثة المتكررة في الحضارة الحديثة الى نطاق الضمير الشخصي، الذي هو نطاق الدين الخاص به وغير المسموح له بالخروج عن هذا النطاق عبر علمنة الدولة والسياسة ومن ثم الحياة العامة في مجتمعات هذه الحضارة.
واذ نجحت الليبرالية الغربية والحداثة الاوربية في تكريس هذا الواقع الاجتماعي والسياسي المتحضر والحديث في نطاقها المكاني – الاوربي، فإنها ركزت في تعاملها خارج هذا النطاق المكاني والافق الثقافي الذي نشأت وتكرست فيه على تضادات مفهوم الخير الديني بينها وبين الشرق الاسلامي، وخصوصاً عبر مفهوم الاستشراق الامبريالي، وفي داخل النطاق المكاني للشرق الاسلامي سعت بقوة الى تكريس هذا التضاد بين مفهوم الخير الديني ذاته عبر تكريس المسميات الدينية والمذهبية والطائفية التي تتشكل عبرها هويات هذا الشرق العابر باتجاه أزمنته الماضية بحثاً عن تجذير أكثر أصالة في هوياته.
وبالقدر الذي ادى الانشغال عن مفهوم الخير الديني والهويات المتشكلة عبره بالنسبة للفكر الليبرالي الغربي الى الانشغال او التفرغ والسعي نحو بناء الذات-الفرد-المجتمع-الدولة وبناء السعادة المادية، فإن انشغال الشرق بالهويات الدينية وليس انشغاله حتى بمفهوم الخير الديني ذاته الذي تزخر به حياته الروحية وتاريخه الديني وثراء المعنى نحو الخير والفضيلة فيه، قد ادى هذا الانشغال الى ترك او نسيان مجتمعه وانسانه وبناء ذاته في توليف حضارته، وهو انشغال جاء في احد صوره واسبابه بأنه استجابة غير واعية لمخطط الهويات وافتراضاته الليبرالية في خارطة مواجهات الغرب والشرق، وشكلت في حقيقته مدا ثقافياً طال منطقتنا وازاح منطق الصراع ومفهومه المادي لصالح تحديات الهويات او اوهام تلك التحديات.
لقد الفت ثقافتنا ذاتها امام تضادات اجتماعية مشغولة بقوة بتأثير التطورات الحداثوية والعلمانية والمغلفة بالرؤية الليبرالية -الاميركية في عصر العولمة حول الخير والضمير والدين، وهي مناخات الهوية والثقافة، فانكفأت ثقافتنا وحضارتنا على ذاتها التي استشعرت ازاحتها المقصودة عن مجالات السلطة والهيمنة المتشكلة عبر هذه المناخات بانسجامها وتجاوبها بقناعة الضمير الداخلي لأفرادها كثقافات تنتمي الى حضارات تقليدية، وهي حضارات وجدت نفسها على حافات الطرد لها من الفضاءات الثقافية والاجتماعية الخاصة بها، مما عزز لديها قناعة المواجهة والتصدي والتعبير عن هذه الازاحات او الطرد لها في ميادين الحياة العامة بأنها محاولات في الغزو الثقافي الذي تجده خصماً ومنافساً قوياً لها في عالمها الخاص بها والموروث لها بفعل او نتيجة التاريخ ومنطق الحق الطبيعي لها، ثم التأسيس المبكر لمفاهيمها وهويتها في هذا العالم الخاص بها.
واذا كانت صور هذا الغزو الحالّة في الاستعمار القديم قد انحلت بفعل المقاومة والجهاد المسلح، فإن ما يؤرق ثقافتنا التقليدية هو صورة الغزو الحالّة في الثقافة، وهكذا نجد توافقاً في فهم الصراع وابعاده بين الثقافة الليبرالية الحديثة والثقافة التقليدية في منطقتنا، انه صراع ثقافات ومن ثم فهو صراع هويات، وبتعبير اوضح صراع ديانات لدى الفهم الليبرالي الحديث والفهم الثقافي الديني التقليدي لطبيعة هذا الصراع، بل ان كلا الفهمين او المدركين الليبرالي الحديث والثقافي التقليدي همشا مصطلح الصراع ليحل محله مصطلح التحدي الليبرالي ومصطلح الغزو الثقافي، وقد انتهى مصطلح التحدي الى مصطلح الصدام ومفهومه الليبرالي بفعل القوة التي تمتلكها الليبرالية الحديثة ونظامها السياسي، فجاءت مقولة صدام الحضارات مثلما صنع مفهوم الغزو الثقافي لتلغي صراع الحاجات المادية والاساسية المعيشية وتضع الهويات وازماتها المفتعلة على حافة صدامها الاخير في مقولة نهاية التاريخ التي تشي او تتنبأ بالقدر البائس للهويات او هويات الهامش الذي يتمثل به العالم كله سوى المركز – الولايات المتحدة الامريكية، وهو خلاصة عصر العولمة الذي يعد عصر التطبيقات الكلية في انبعاثات الهويات وتعبيرات حقوق الاقليات والاثنيات التي تبنتها الامبريالية الامريكية والثقافة الليبرالية فيها تحت مقولة التعددية الثقافية **.
وهي انبعاثات وتعبيرات كانت قد مهدت لها علوم الاثنوغرافيا والاثنولوجيا ومن ثم الانثروبولوجيا، واذا كانت نهاياتها او تطوراتها – تلك العلوم – تتطابق مع العصر الامبريالي الامريكي فإن بدايتها كانت تتزامن مع عصر وفتوحات الاستعمار القديم قبل قرن من الزمان، وعبر منطلق الحداثة فيها تحولت الهوية الى ثقافة او الهويات الى ثقافات متعددة تكتمل فيها استعدادات المواجهة والصراع او التحديات غير المطمئنة الى نهاياتها، وبهذا القدر اسهمت تلك العلوم وبموازاة الليبرالية في تحديث الصراع ومفهومه او تحريفه في اتجاهاته نحو الهوية الدينية والمذهبية الطائفية والهوية القومية والعرقية والاثنية.
اضف تعليق