q

تخطط الدول المتربّعة على قمة التقدم، أو تلك الطامحة بهذا الهدف، تخطط بعلمية ومثابرة وجديّة لتطويع الظروف الصعبة المادية والفكرية والمعنوية، أمام المرأة كي تشترك بقوة في دفع عجلة التطور للبلاد في المفاصل التي تتقنها المرأة وتتناسب وقدراتها الذهنية والإدارية والتربوية، ولا يمكن أن تجازف الأمم المتطورة بتجميد نصف المجتمع مهما كانت المبررات التي تضع العراقيل والمعوقات أمام هذا الكائن الأنثوي الحيوي، ليس من أجل المرأة فحسب، وإنما لسبب آخر أهم، فلا يمكن للأمة وللدولة أن تتسلق حواجز التقدم ما لم تدخل المرأة في المعترك شديد الوعورة، فالمرأة حينما يُقال أنها تعدلُ نصف قوة المجتمع المعنوية والمادية، فهذا القول ليس خاطئا أو غير دقيق، وإنما قد يكون أقل مما تستحقه المرأة في التوصيف الدقيق إذا كان هنالك إنصاف تجاه دور المرأة.

ولكي لا يكون الوصف مجّانيا، أو مبالَغا به، لابد من صنع النموذج الأرقى للمرأة من داخل الوسط النسوي، على أمل أن ترتقي هذه المهمة لتشمل المجتمع كلّه، وهذه الصناعة كغيرها من الصناعات الفكرية أو المادية، تتطلب استعدادات تربوية وتثقيفية ومهنية وتعليمية وسلوكية، حتى يتم صقل شخصية المرأة في عموم المجتمع، ولكي ينطبقُ عليها التوصيف أعلاه، والسؤال الأهم هنا ما هي العوامل التي يمكن للمجتمع من خلالها أن يساعد المرأة لتحتل مكانتها الطبيعية في المجتمع؟.

كثير من علما المجتمع، وعلماء التربية، والوراثة، وأولئك المختصون بعلم الإنسان، أو الأصح أن كل هذه العلوم والمقاربة لها، حسمت التوصيف الفسيولوجي والعملي الوظيفي لصالح المرأة، وكل العلوم اتفقتْ على أن المرأة تمتلك جميع العناصر والعوامل التي تمنحها صفات وسمات التفرّد والإبداع، أي أنها تمتلك المؤهلات التي تحسم فاعلية دورها في المجتمع.

ولعلَّ أهم العوامل والمؤهلات يكمن في فاعلية القراءة، فكلما وفَّرَ المجتمع فرصا أفضل للمرأة في المجال الثقافي الفكري المستدام، فسوف يحصل المجتمع نفسه على طاقة مضاعفة توفّرها المرأة في المقابل، لكي يتم رفدها مع القدرات التي تنتج عن الرجل، لتصب في صالح الجميع، وهكذا سوف تتآزر هذه المنتَجات بأنواعها كافة، لتشكل تكتلا دافعا لتطور المجتمع بأكمله بما في ذلك المرأة نفسها.

ويحتاج الأمر الى اندفاع ذاتي أو فاعلية ذاتية تتحلى بها المرأة كي تضاعف من مستوى مؤهلاتها، ولعل القراءة تمثل أكبر وأهم الروافد التي تجعل المرأة مهيّأة لأخذ دورها الأساس في الدولة والمجتمع، ولدينا نماذج نسائية رائعة تؤكد هذا الرأي، فالمرأة القارئة ستنتهي الى أهدافها أسرع من غيرها بكثير لسبب واضح تماما، أن القراءة تزيد من كنز المعلومات لدى المرأة وتجعلها قادرة كل المقدرة على أداء دورها الأسري التربوي، وفاعليتها في المحيط المجتمعي الأكبر.

المشاريع القرائية في العراق

وأقرب دليل أننا تابعنا بعض المشاريع القرائية هنا في العراق، كما حصل ذلك مع مشروع، أنا عراقي أنا أقرأ، وذلك النجاح الواضح الذي حققه هذا المشروع ليس في العاصمة بغداد وحدها على الرغم من تميزها بالعوامل المساعدة لنجاح مشاريع كهذه، وانتقل المشروع نفسه الى المدن والمحافظات العراقية ليشمل العراق كله من أقصاه الى أقصاه، والشيء الأهم باعتقادنا في هذا المشروع ذلك الدور المهم والمشرف والمتميز للمرأة القارئة التي أثبتت لنفسها أولا ولغيرها من أفراد المجتمع العراقي بأنها طاقة فاعلة ومتجددة ومساهمة حيوية في المشاريع القراءة الثقافية والعلمية وسواها.

وقد لاحظ المتابع لهذا النشاط القرائي وغيره من النشاطات المماثلة، حضور المرأة الفاعل، وإقبالها الكبير على القراءة، واللافت للنظر في هذه الأنشطة أن العمر أو السن لم يشكل حاجزا أما حضور المرأة لهذه المشاريع وتشجيعها والمشاركة فيها كفعل مجتمعي جماعي، فحضرت المرأة الشابة، والمتوسطة العمر، والمسنّة أيضا، أي أن الأمر لم يتعلق بمستوى الحضور النسوي من حيث الكم، وإنما امتد ذلك الى الفئات العمرية للمرأة، ولا أبالغ أنني بلغت قمة الفرح عندما كنتُ أشاهد المرأة الكبيرة في السن تفتح صفحات الكتاب وتقرأ بنهم شديد والى جانبها تجلس حفيدتها وهي في عمر الزهور لتتعلم من أمها أو جدّتها.

ولابد أن المرأة الكبيرة تقصد تمام القصد أن تزرع في حفيدتها حبّ القراءة وهي لم تزل صغيرة، فالعلم في الصغَر كالنقش في الحجر، لا يزول ولا يمحى حتى نهاية العمر، وإذا تعلّم صغيراتنا وصغارنا حب القراءة في هذه السنّ المبكرة، فإننا سنصل في يوم ما الى مجتمع مثقف بكل فئاته، وهذا يعني أننا بنينا دولة قوية متعلمة، وما يُثلج الصدر حقا، عندما ترى هذا الإقبال المفعم بالرغبة والحيوية للقراءة من قبل النساء، وهو فعل رائع ومنظر يسر العين والقلب والروح معا، ويقدح جذوة الأمل ويجعل منها شعلة مضيئة الى الأبد.

الظروف المساعِدة على القراءة

أما على صعيد تمهيد الأوضاع والظروف والمستلزمات التي تضاعف من أعداد النساء القارئات، فهذا الأمر يحتاج الى التخطيط الرسمي والمدني على حد سواء، وصولا الى النسبة التي تحتاجها الدولة ويستحقها المجتمع لكي يصبح من المجتمعات الراقية، أما فيما يخص الكيفية التي يجب أن تكون عليها خارطة العمل أو التخطيط الإجرائي لتبني مثل هذه المشاريع، وتعميد المرأة بماء العلم والثقافة والفكر المتوقد، فينبغي لنا أن نمضي قُدما في هذا الاتجاه استرشادا بما نقترحه هنا من خطوات:

- تسليط الضوء الإعلامي بوسائله المتاحة على النماذج النسائية المتميزة في مجال القراءة، لكي يصبحنَ قدوة لجميع النساء من جميع الأعمار وخصوصا الأطفال.

- تذليل الظروف الصعبة التي تحد من نشاط المرأة وحركتها، خصوصا على المستوى الأسري.

- إقامة الأنشطة القرائية الجماعية المخصَّصة للنساء.

- تنظيم الحفلات القرائية على هوامش الاصبوحات والأمسيات التي تقيمها المنظمات الثقافية الفاعلية.

- من المهم جدا، أن لا تقتصر مثل هذه الفعاليات على العاصمة وحدها، فما فائدة أن يكون الرأس متنورا والأعضاء الأخرى تغطّ في الظلام.

- أن يشترك الأثرياء من مشجعي الثقافة وتطوير الوعي والفكر بتمويل المشاريع التي تصب في رفع المستوى القرائي لعموم النساء.

- لابد من الاهتمام الكبير والمتواصل بالنساء المثقفات القارئات الفاعلات، وتسليط الضوء الإعلامي على نشاطاتهن، حتى يصبحن عاملا مشجعا للنساء الأخريات للإقبال على القراءة بجديّة وديمومة.

- ومن الأهمية بمكان أن يكون هناك جهد حكومي فاعل وكبير ومنظّم لتشجيع المرأة على القراءة، وتكريم القارئات المتميزات ماديا وعينيّا لتحفيز النساء الأخريات في تعزيز الميدان القرائي والثقافي بوجه عام.

- وأخير من المهم أن تجد المنظمات والجمعيات النسوية كل الدعم بأنواعه المادية والمعنوية من الجميع، لما تقدمه هذه الجمعيات من جهود مهمة ومتميزة في مجال صناعة النساء القارئات المثقفات.

اضف تعليق