لاتكتمل النصوص الحاكمة الا من خلال التلفيق..
اضافة على المتن، ثم اضافة اخرى، واضافة جديدة، ليصبح الهامش هو الحاكم، وهو الحَكَم وهو الحُكْم..
هل ثمة (حكمة) في هامش مغاير عن النص ليستبد بنا؟
لا اتحدث عن النص المقدس، اتحدث عن نصوص مقدسة.. من اين لها هذا التقديس؟
اتحدث عن ثقافة، الحذق فيها لم يعد مطلوبا، ولم يعد المثقف (ثَقِفٌ)، يحيط بما يحاط به من علوم وفنون وآداب، ومن شؤون الحياة والناس.
فهي في واقعنا كما اراه، ثِقافةٌ، وهي الملاعبة بالسيف، أجرحك، تجرحني.. اقتلك، تقتلني.. لماذا لايمكن القول: اجرحني.. اقتلني؟
ولم تعد الثقافة غير ثِقافٍ تقوّم بها الرماح وتسوّى، ثم ارميها بعيدا، لكن لا أصيب احدا، لأني لم اعد ارى..
فما عاد المثقف (ثَقُفٌ)، وماعاد حذقا وفطنا لما تتطلبه الثقافة.
ما يكتب استخفاف بعقل المتلقي، بمن يقرأ وما يقرأ.
نصوص الاستخفاف، نتاج ثِقافة جارحة، تستهزئ، تحتقر، تستهين..
من جميع مايعنيه الاستخفاف في لغتنا الام، ينفرد الغناء حين يستخف بسامعه الى الطرب، هل في ثقافتنا مايطرب؟
من هو اول انسان صفّق؟ اخترع التصفيق، او اكتشفه؟
الطيور اول من صفقت جناحيها.. وربما كان تصفيق اول انسان محاولة للطيران، تقليدا للطائر.
لكنه اكتشف انه يصفق لظله، وهو يحاول.. ثم لغيره وهو يحاول من جديد.. وتصفيق اعلى لمن نجح في محاولته ربما الالف او المليون، وتلك المحاولة هي الجديرة بهذا التصفيق..
طار بعيدا، ارتفع، لكن المصفقون على حالهم، وهذه المرة للفاشلين في حفلة مواساة، وتلفيق احاديث حول نجاح لم يتحقق، لكنه تحقق، وهما وخيال.
يشترك البحر والشجر مع البشر في (الراء) ومنه الفاعل من (رأى) فهو راءٍ، لكنه يرائي حين يكون (راءِ) حركة واحدة، في تنوين الكسر، الى كسر المكسور لاجبره، لينتقل المعنى من رؤية الى نفاق.
ما المشترك بين الاتي؟
تلفيق – تحليق – تصفيق – تصديق؟
وما المشترك بين الاتي؟
تبرير – تدوير – تزوير – تنوير؟
حتى الان امارس التقطيع، وهو الكلمة الاولى في العنوان، وهي تقابل النص المؤسس، لا اقصد النص المتعالي، بل نصوص الثقافة التي اسست بنيانها على شفا جرف هار.
واقصد نصوصا غيره تؤسس لثقافة – ثقافة، في معناها الاجتماعي، والتي هي تعبير عن نمط حياة وتفكير.
ماذا عن الكلمة الثانية في العنوان (لصق)؟
انها التأصيل لتأسيس سابق، وهو المتن، وما دون ذلك هامش يتبعه، ثم هوامش..
لماذا ترتفع الهوامش وتصعد الى المتن، وتحلق شامخة برأسها، لكن الانسان (خالق النصوص وصانع الهوامش) حين يصبح هامشا لايعتد به ولا ينظر اليه، ومثله في الجماعات المهمشة، وهي هامش الهامش في الكرامة والانسانية.
وحتى في الثقافة واعود اليها، لانها متن الحديث، فيها النص وفيها هوامشه، ومنها ثقافة او ثقافات مركزية واخرى هامشية، تفترض وتؤسس لعلاقة بينها ومجتمعها الحاضن لها من:
تابع – متبوع.
سيد – عبد.
شريف – وضيع.
ثم استتباع واستعباد وتسلط.. ونسأل بعد ذلك، من اي ثقافة يستمد المستبد والمستعبد والمتسلط وجوده؟
من هو المثقف؟
من تمكنه قدرته وموهبته من النفاذ الى منجز ذو قيمة ثقافية، من يمتلك المعرفة ويصوغ حكمه على الواقع، من يتخصص بامور الثقافة ويضع اعتباراتها فوق اي اعتبار اخر، من يسعى الى صياغة ضمير مجتمعه والتاثير في السلطات الاخرى.
انه بتعبير اخر (صانع أفق)..
الكلام مهارة، لكن القليل منه يقول شيئا.
شهرزاد تكلمت كثيرا، وقالت كثيرا ايضا، ربما هي وحدها، من اتقنت فنون الكلام وقالت، او لانها ارادت ان تختصر عذابات الانسان، مطلق الانسان، عبر لياليها الواحدة والالف.
يمكن ان اكون اتحدث هنا عن عطاري الثقافة وهم يخلطون توابلهم واعشابهم، او مثقفي التسلية يرتدون ازياء البهلوانات ويتقافزون ضاحكين ويضحكون الاخرين عليهم، او يمكن ان اتحدث عن المثقفين النقليين، ببغاوات تتدرب اذانها على ماتسمعه وتعيد نطقه، (يتخذون من التلقين طريقاً إلى "معرفة مستبدة")، او ربما اتحدث عن مثقف تلفيقي، يجمع المتناقضات ويجمّلها، والذي (يعثر على وصفة خاصة لكل فترة ، فيتأسلم ويتقومن ويتمركس ويتلبرل ويتأمرك ، كما لو كان جملة من الأقنعة تلتبس بوجه لا وجود له).
هو التزوير ولا شيء غيره، في ثقافة كل مافيها مزور، مبرر، مستخف، مستهين، ومهين.
لماذا لاتفعل الثقافة – الثقافة، فعلها الفاعل؟ لانها تفتقر الى قوة الفعل واندفاعه، وصدقه.
لماذا ثانية؟ لانها ثقافة طاردة، تحتقر حرية التفكير والتعبير للتغيير. (فالمثقف الذي يستهدف تغيير السائد ينطلق من قاعدة الرفض، لا يستكين إلى تجليات البنيات السائدة الثقافية والعلائق الإجتماعية والتوزع المادي للخيرات الإقتصادية، وهو مطالب بمجابهة بنيات راسخة مترسبة في لا وعي الناس، كثيرا ما تعبر عن ذاتها بشراسة تتخطى الإمكانيات القليلة التي يحوزها هذ المثقف الرافض).
نتكلم كثيرا لكننا لانقول شيئا، والمتكلم بهذه الكثرة في ثقافتنا الحالية، كحاطب ليل، يكثر من تعثره وسقطاته.
الثقافة المتكلمة، التي لاتقول شيئا، ثقافة عالِمةٌ، فهي تعرف كل شيء، ومستعدة للاجابة عن جميع الاسئلة، لكنها اسئلة بائسة، تحايث وجهها.
لا ثقافة دون اسئلة معذبة، وقلقة، ترفض الاطمئنان للاجوبة المحفوظة والمكررة والمعادة.
ما الذي تعنيه الكتابة – الكتابة، غير الشرح والتفسير؟
انها احتجاج ضد نفسها اولا، وضد وسائل القمع التي تحيط بها، لكن الكتابة في واقعنا الحالي، هي القامعة والمقموعة في الوقت نفسه.
كيف تكون الاثنان معا؟
رفض الكلمات المغايرة، والمتوافقة مع قواعد الكهنة الكتاب، من خطوط مستقيمة، وكلمات منحوتة، وعبارات مصفوفة، تتشابه في ما بينها، ولاتختلف عن غيرها، وهو شرط لازم الوجود يسبق لحظة الشروع في الكتابة ويسبق لحظة التفكير فيها، ويرافق خطوات القلم، او نقرات الكيبورد.
انها لاتترك غصة في الحلق او شوكة في القلب.. اي ثقافة يمكن ان تنتجها تلك الشروط للكتابة؟
اضف تعليق