q

لم تنجح الولايات المتحدة الامريكية بادراة الازمة مع كوريا الشمالية، وسلوك الرئيس ترامب جعلها تتلقى ضربات قاسية اضرت بسمعتها وكشفت عن ضعفها في مواجهة الازمات الدولية، فالتهديدات بالحرب والنار والنووي وكل ما له علاقة بتدمير كوريا لم ينفذ اي منها، في المقابل استمرت النظام الكوري بتطوير اسلحته النووية ونفذ تجربة لقنبلة هيدروجيدينة "ارعبت واشنطن" فضلا عن تطوير صواريخ بالستية قادرة على الوصول الى الاراضي الامريكية.

الفشل الامريكي كان واضحا خلال زيارة الرئيس ترامب الى اسيا والتي اعتبرت اطول زيارة خارجية لرئيس امريكي خلال الخمسة والعشرين عاما الماضية، اذ لم يأخذ الملف الكوري حيزا كبيرا من نقاشاته كما ان ترامب بدى متناقضا (كما عهده الجمهور) في احاديثه القصيرة عن هذا الموضوع، اذ طرح في البداية امكانية فتح قنوات حوار مع نظام بيونغ يانغ، وبعدها اعاد اسلوبه التهكمي ضد الرئيس كيم جونغ اون، ووصفه بكلمات تقلل من شانه. وقد لا تردعه عن صناعة الصواريخ.

امريكا تسخدم اسلوبا جديدا ازاء ملف كوريا الشمالية، بعد انهيار كل مبادرات التخويف، وتعود مجددا لطريقة قديمة طالما استخدمتها لاحتلال العراق وليبيا، اذ ان "حقوق الانسان" هي السلاح الاكثر قهرا وقدرة على ابتزاز الانظمة الديكاتورية، والذي تستخدمة واشطن في لحظات استعصاء الامور على الحل وتوقف مسار الازمات في مكان محدد، لذا فالامم المتحدة هي المنصة الاقوى لاخذ الدور ومن خلفه دفع امريكي باتجاهات تخدم مصالحها الكبرى.

لجنة حقوق الانسان في الجمعية العامة للامم المتحدة دانت في الرابع عشر من شهر تشهرين الثاني الجاري، ما اطلقت عليه "الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان في كوريا الشمالية"، وقيام هذه الدولة بتجارب نووية وبالستية، في الوقت الذي يعاني شعبها من الجوع. وتبنت لجنة حقوق الإنسان مشروع قرار صاغه الاتحاد الاوروبي واليابان عبرعن القلق الدولي من سجل بيونغ يانغ في مجال حقوق الإنسان.

ومشروع القرار الذي قدمته 61 دولة بشكل مشترك كوريا الشمالية بسبب "تحويل مواردها للأسلحة النووية والصواريخ البالستية على حساب رفاهية شعبها"، كما يدين القرار "الانتهاكات الخطيرة والمتواصلة لحقوق الإنسان" في كوريا الشمالية، مشيرا إلى أن هذه الانتهاكات ادت الى انتشار مجاعة شديدة في البلاد.

القرار يحمل دلالات عديدة حول الازمة الكورية وتحولات في تعامل الولايات المتحدة الامريكية التي يبدو انها قد اتخذت مسارا جديدا، فقد لا نسمع مستقبلا بتهديد نووي كوري ولا صواريخ عابرة للقارات تهدد الامن العالمي، المسارات الجديدة تتجه نحو شيطنة النظام الكوري _ المشيطن اصلا_ وبث الحياة في ملف حقوق الانسان.

هذه الاستراتيجية الجديدة تكشف مرة اخرى ان الاجراءات الامريكية السابقة بالتهديد والوعيد قد فشلت في اخضاع النظام "الديكتاتوري"، بل انها تؤكد بما لا يدع مجالا للشك ان هذا النظام قد فرض نفسه كقوة لا يمكن تدميرها بسهولة، واتضح ذلك بشكل جلي خلال زيارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب الذي زار القارة الاسوية في اطول زيارة خارجية لرئيس امريكي منذ ربع قرن، دون ان يضع مساحة كبيرة للحديث عن كوريا الشمالية.

الدلالة الاخرى ان الازمة ستطول اكثر وان امريكا لا تريد لكوريا ان تتنفس مطلقا، وتبين لها ان محاولتها دخول المجتمع الدولي ليس بهذه السهولة، وهي رسالة اخرى لاي دولة تتمادى ضد الولايات المتحدة الامريكية فالحصول على القنبلة النووية لا يعني تصريحا رسميا بالتفوق والقدرة. وتحريك ملفات حقوق الانسان يعني ان كوريا ستبقى حبيسة حدودها، لا علاقات خارجية ولا تعاون مع الدول الاخرى، كما انه يحمل "توبيخ" الى الدول التي ترى بان سلطة الامر الواقع التي فرضها نظام بيونغ يانغ تسمح لها ببناء علاقات سياسية واقتصادية.

لكن هل يمكن لهذه الاجراءات التاثير على النظام الكوري؟ هذا النظام لا يهتم لسمعته ولاي علاقات خارجية، فهو مستعد للتضحية باقرب محلفائه حتى وان كان بوزن الصين او روسيا من اجل تحقيق طموحات الرئيس "الصغير" كيم جونغ اون، وقد اتضح حجم الخلاف الكوري الصيني في الرسالة التي بعثها كيم الى الرئيس الصيني خلال تجديد ولايته لخمس سنوات جديدة، اذ اقتصرت على تهنئة بسيطة وهو ما يراه محللون بانه دلالة على حجم الخلاف لان الصين ترى في النظام الكوري قد سبب لها متاعب بالتعامل مع الولايات المتحدة وقدم للاخيرة المبررات لنصب منظومات الدفاع الجوي "ثاد".

الازمة الكورية تاخذ منحى اخر والصواريخ تنزاح الى الخلف، لتصعد الى الواجهة ملفات حقوق الانسان، وهذه الاستراتيجية تمثل رسائل للداخل الامريكي اكثر منها الى نظام بيونغ يانغ، فالرئيس ترامب يريد ان يثبت لجمهوره انه ماض في سياسة الحرب لكن باساليب جديدة، لكنها في حقيقة الامر لا تتعدى قرارات اممية فارغة واحصاءات عن انتهاكات حقوقية تتحمل واشنطن جزءا كبيرا منها.

اضف تعليق