موجة إعتقالات لا سابق لها في المملكة السعودية أثارت إهتمام الرأي العام العالمي برمته، إلى جانب أهم التطورات في لبنان وهي إستقالة رئيس الوزراء سعد الحريري من الرياض بدون مقدمات، وصفت على أنها إستقالة إجبارية وتصعيد لحرب بالوكالة ضد إيران، يكون مسرحها لبنان وتحديدا حزب الله.
عملية التطهير من قبل الأمير الفولاذي محمد بن سلمان - كما أسمته الصحافة الفرنسية- رجت صفوف الأمراء، والوزراء، والأثرياء، مع مقتل نائب أمير منطقة عسير منصور بن مقرن، ووفاة أمير آخر بالمستشفى في ظل ظروف غامضة.
محمد بن سلمان يقود التغيير بالقوة ويجري حملة تطهير من خلال إحلال الفراغ في أجنحة الحكم السعودية لتعزيز قبضته نحو إستلام الحكم.
كما أن الملابسات والظروف غير الاعتيادية التي واكبت وصول بن سلمان لولاية العهد تقرب مستويات التوقع لوصوله إلى السلطة في حياة والده وهذا أيضا سيلقي بظلاله على سلالة درجات الحكم القائم بالتوافق والتوازن بين ورثة الملك سعود من الأمراء الذين يشكلون أعمدة وأجنحة الحكم في المملكة، ليتحول إلى نظام ملكي مركزي ينحدر تحت سلالة ورثة سلمان حصرا بما لا يحتاج إلى بيعة وولاية عهد ومباركة هذه الأجنحة التي ستقبع بالسجون والقبور.
وفعلا إستكمل بن سلمان من خلال هذه الإعتقالات عملية القضاء على جميع منافسيه من داخل العائلة المالكة وبالتحديد جناح الملك السابق عبدالله، في ظل دهشة وخوف يتنازعه السعوديون.
هذه الحملة تحاول أن تظهر مدى جدية الحكم الجديد في القضاء على الفساد الملازم لأجواء العمل والإستثمارات في المملكة، وأن محمد بن سلمان يراهن على الطبقة الوسطى وعلى جيل الشباب الذين يشكلون سبعون بالمئة من الشعب السعودي، والذين يؤيدون ضمنا حملة مكافحة الفساد التي جرت الإعتقالات باسمها، لكن هذه السرعة التي كانت أكثر من اللزوم ترسخ قناعات عند السعوديين أن الأمير الشاب يمضي في إتجاهات متعددة تتمثل في مسعاه للقضاء على كل المتنفذين الذين يقفون أمامه في ظل سياسة تشدد سياسي مقابل نهج يقوم على الإنفتاح الإجتماعي والإقتصادي بشكل متدرج يغطي على تلازم نهج الحكم الملكي المطلق، والتشدد على صعيد السياسية الإقليمية فيما يخص حصار قطر وتصعيد الحرب في اليمن.
لكن مع كل هذا لا يمكن لهذه الإجراءات أن تضمر نوايا تغيير وتركيز هيكلية الحكم في السعودية بمباركة إدارة ترامب والثمن قد يكون إيران والساحة هي لبنان وحزب الله.
وفي هذا السياق نشير إلى أن التصعيد ما بين السعودية وإيران مبني على ضوء تقديم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري إستقالته إنطلاقا من الرياض، إذ أرفق الإستقالة ببيان كان أشبه بإعلان حرب على حزب الله وعلى إيران ودورهما في لبنان، متوعدا "بقطع اليد التي تمتد إلى لبنان، وتريد الهيمنة عليه"، مما يرجح أن يدفع لبنان ثمن الصراع بين الطرفين في ضوء تصميم (أمريكي - إسرائيلي – سعودي) لتقليم أظافر إيران عبر ضرب حزب الله.
وفعلا أن إستقالة الحريري قد تغرق لبنان مجددا في متاهات مجهولة تتولد عنها أزمة حكم جديدة تبدأ من صعوبة تشكيل حكومة جديدة إلى تأجيل الإنتخابات البرلمانية مجددا والمفترض إجراؤها في آيار القادم، مما يزيد حدة الصراعات الطائفية في لبنان ويتيح أن يتهم حزب الله بممارسات إرهابية تسمح للسعودية أن تشن حربا بالوكالة عن أمريكا وإسرائيل ضد حزب الله، ولا أحد يخطأ حينما يستبصر هذا المشهد: "إن السعودية تحت حكم بن سلمان وبدعم من دونالد ترامب تسعى لهجوم مضاد على إيران، بعد أن كانت قد سلمت بوجودها ونفوذها في سوريا وباستمرار حليفها بشار الأسد في الحكم".
لكن السرعة والبطش في سلوكيات محمد بن سلمان وعدم قراءة المعطيات والمتغيرات الإقليمية والدولية بشكل صحيح وعدم الإتعاض بالتاريخ (صدام حسين في حربه ضد إيران)، قد تلقي بظلالها على حكم محمد بن سلمان في المرحلة المقبلة، فعلى الصعيد الداخلي قد تتشكل معارضة خفية تزعزع نظام الحكم الجديد، كما أن إستقالة الحريري يمكن إنهاء مفاعيلها بأن يمضي حزب الله مع رئيس الجمهورية بإجراء إستشارات نيابية ملزمة وفقاً لما يقرره الدستور، وتكليف شخصية سنية أخرى لتشكيل الحكومة، وتمضي الأمور بشكل عادي دون أن يتأثر حزب الله عبر تسوية جديدة، والإبتعاد عن التصعيد مع تنازلات سياسية يدفع بعضها رئيس الجمهورية، وبعضا آخر حزب الله، بالإتفاق على إعادة الأمور إلى نصابها السليم، وبذلك تتبدد قناعة محمد بن سلمان بأن بداية الحكم القوي لا تتحقق إلا بفتح حروب متزامنة في الداخل وفي الخارج.
اضف تعليق