q

الصراع حول الصلاحيات بين السلطات الامريكية متجذر منذ عشرات السنين، وهو يعكس طبيعة النظام الديمقراطي الذي يمنع تمركز السلطة بيد مجموعة صغيرة، لكن ومع صعود الرئيس دونالد ترامب القادم من خلف جدران السياسة، ازدادت المخاوف حول القرارات الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية والتي يرغب المشرعون الامريكيون في حصولهم على حصة كبيرة من المناقشات حولها، لا سيما قرارات الحرب المصيرية مع وجود رئيس متهور.

أعضاء الكونغرس الأمريكي بحثوا مع كبار مسؤولي البيت الأبيض، في الثلاثين من تشرين الاول، تفويضا جديدا باستخدام القوة العسكرية في الحملة ضد تنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية.

التفويض الجديد الذي يبدو روتينيا الا ان الاحداث التي سبقته وردود الافعال التي تسبب بها خاصة لدى وزارتي الدفاع والخارجية تكشف اهميته وتاثيره الاستراتيجي على كيفية توزيع الادوار بين السلطات الامريكية.

ويجادل أعضاء الكونغرس من الجمهوريين والديمقراطيين منذ سنوات، بأن الكونغرس تنازل عن قدر كبير من سلطته، بشأن نشر القوات الأمريكية للبيت الأبيض في أعقاب هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001. ولكن هناك انقساما أيضا فيما بين المشرعين بشأن حجم السيطرة التي يجب أن ينتزعوها من البنتاغون.

ورغم ان اعلان الحرب رسميا هو من حق الكونغرس بموجب الحق الحصري الذي تمنحه له المادة الثامنة من البند الأول للدستور، لكن المرة الأخيرة التي أعلن فيها الحرب بهذه الصورة كانت في الحرب العالمية الثانية، والكثير من الحروب السابقة تم شنها بقرار من الرئيس باعتباره القائد الاعلى للقوات المسلحة.

وبعد حرب فيتنام، تبنى الكونغرس ما أطلق عليه "قرار سلطات الحرب"، لإجبار الرئيس على الحصول على موافقة السلطات التشريعية قبل أي تدخل في "أعمال حربية" يمكن أن تطول أكثر من 60 يوما، إلا أن عددا من الرؤساء تجاهلوا هذا القانون، ومن بينهم بيل كلينتون (البوسنة والهرسك في عام 1995 وكوسوفو في عام 1999) وأوباما (ليبيا في عام 2011).

أما جورج بوش فحصل على تفويضين كبيرين بعد اعتداءات 11 سبتمبر عام 2001 لغزو أفغانستان في ذلك العام، ولغزو العراق في عام 2002، ويشكل هذان القراران الأساس القانوني للعمليات العسكرية في العراق وسوريا ضد تنظيم داعش.

مخاوف الامريكيين زادت بعد الكشف في مطلع تشرين الاول عن تنفيذ عمليات عسكرية سرية ومن دون علم المشرعين، بالقرب من حدود النيجر مع مالي، اسفرت عن مقتل 3 جنود من القوات الخاصة الامريكية و5 جنود من النيجر، يضاف لها اجراء تجارب على الاسلحة الاستراتيجية النووية في الايام الاخيرة، وهذا يعني توجها نحو عسكرة امريكا.

المشرعون الامريكيون يحاولون كبح جماح القوة المنفلتة لوزارة الدفاع والتي لا تقيم وزناً لقواعد ومؤسسات النظام العالمي، وهو ما يثير المخاوف من خلق نظام عالمي أكثر عدائية، الأمر الذي يزيد كثيراً من صعوبة تحقيق المصالح الأمريكية.

فالمشكلة الفورية التي ستنجم عن سياسة تسخين الاجواء في ظل نظام عالمي مضطرب، سوف تقود إلى تضاؤل فاعلية الآليات المتعددة الطرف والتي أهمها تقويض انتشار القوة غير التقليدية خارج المنظومة الدولية الكبرى.

فايران وكوريا الشمالية يمثلان الان لاعبين جديدين في الساحة الدولية ويزاحمان مختلف القوى الكبرى سواء الامريكية او محور الصين وروسيا، لان التجارب السابقة في التعامل مع القوى المعارضة للنظام الدولي القائم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي افضت الى نتيجتين لا ثالث لهما اما انهيار كامل للانظمة التي تهاجمها الولايات المتحدة، مثلما حدث في الصومال وافغانستان والعراق وليبيا، او صعود كبيرة لتلك التي تحاصرها بقوة الاقتصاد، والمثال كوريا الشمالية وايران، حيث زادت عدائية الولايات المتحدة تجاههما الى نتائج عكسية تهدد بقلب موازين القوى.

امريكا التي ارادت صياغة العالم وفق مقاساتها الخاصة تخشى اليوم من انفلات الامور وتحولها الى نظام مركزي السلطة يتحكم فيه جنرالات البنتاغون بحجة مواجهة المخاطر التي تهدد الامن القومي، لكن يبدو ان علاج هذه القضية جاء متاخرا جدا كونها تزامنت مع انتعاش القوة العسكرية والاقتصادية المعادية للولايات المتحدة.

اضف تعليق