q

تشيع مفردة "الأمنية" او "التمني" في مجتمعات تشعر بالحرمان والتخلف، كما تشعر بالعجز في تجاوز هذا الواقع، ولانها تفتقر الى عوامل النهوض، فانها تتشبث بالتمني لتحقيق هذا التغيير، وربما تكون هي حالة نفسية يوجدها الانسان تلقائياً للهروب من الفشل والشعور بالتقصير.

واذا أخذنا المفردة لغوياً نجد أنها لا تفيد التحقق، فقد ربط علماء اللغة؛ التمنّي بإحدى أدوات النصب وهي "ليت" التي تفيد لما يصعب تحقيقه او يستحيل، بينما "لعل" –وهي ايضاً من أدوات النصب- تفيد الترجّي مع إمكانية الحصول، ويستشهدون بأمثلة عدّة منها: "ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيبُ"، وفي القرآن الكريم: {...ليتني لم أتخذ فلاناً خليلا}،

وفي مجتمعات تعيش مع وجود امكانيات وقدرات كبيرة للنهوض التقدم، يكون مفردة التمني مثار تساؤل، كما هو الحال في المجتمع العراقي المحسود من كثير من الشعوب في المنطقة وربما العالم، لما يمتلكه من ثروات عظمى مثل النفط والماء والارض الخصبة الى جانب قدرات انسانية كبيرة وموقع جغرافي مميز، مع ذلك يتمنى البعض سيادة النظام في الشارع، والنظافة في المناطق السكنية والحصول على توظيف حكومي مضمون الراتب.

بالمقابل نجد شعوب في العالم تفتقر الى الموارد المالية والثروات الطبيعية، بيد أنها غنية في الروح المعنوية والارادة والعزيمة فحولت بلادها من الارض الجرداء والتبعية والتخلف الى بلد مصنّع من الدرجة الاولى ومنافس في الاسواق العالمية، مثل سنغافورة والهند وكوريا الجنوبية وغيرها.

وهذا يؤشر الى خطوات للتخلص من هذه الحالة الرتيبة والقاتلة، تكون البداية من سياسات النظام الحاكم وفرضه القانون الى جانب توفيره للفرص وتوزيعه للثروات بشكل عادل، ثم يأتي دور الوعي والثقافة المجتمعية بضرورة العمل والمثابرة والايمان بسنن الحياة، والحرص على المال العام، ومن ثمّ يكون للثقة بالنفس لكل فرد في المجتمع بقدرته على تغيير واقعه الفاسد، دوره الحاسم والنهائي في وضع البلد على عجلة التقدم والتخلّص من غفوة الاحلام والأمنيات الفارغة.

وقد حذر العلماء من مغبة التمادي في التمني والركون الى الانتظار والتقاعس، فالقضية لا تعد شخصية، بأن تكون لأي انسان امنياته ، لان استمراء هذه الحالة غير المثمرة، لها تداعيات خطيرة، فبدلاً من أن تتحول الأمنية الى انفراجات في حياة الانسان والمجتمع، ربما تنتج المزيد من الازمات، لان هذه الامنية لا تكون من نسج الخيال الجميل في مخيلة البعض دائماً، وإنما تكون نتاج مرجل الحسد والتنافس غير الشريف الذ يغلي بين افراد المجتمع الذي يضم الغني والفقير، ويضم الذكي والبليد ويضم الجميل والدميم، ويضم المرأة الولود والعقيم، وهكذا سائر الفروقات التي تسود أي مجتمع انساني.

ومن هؤلاء العلماء؛ سماحة الفقيه الراحل السيد محمد رضا الشيرازي – طاب ثراه- الذي يعد التمنّي بانه "مشكلة خطيرة..."، ثم ينبه في إحدى محاضراته، بأن لاتظنوا أنها مشكلة هيّنة، فهي من أخطر المشاكل وذلك لوجود الابعاد التالية:

البعد الاول: البعد الايماني أو العقدي، الذي يجر الانسان الى الاعتراض على المشيئة الإلهية.

البعد الثاني: تدمير سعادة الفرد في حياته، لانه سيكون دائم التفكير في وضعه وقدراته التي لا يراها في المستوى المطلوب، لذا ينكفئ على نفسه ولا يتجاوز هذا الشعور ويتقدم الى الامام حيث تنمية هذه القدرات وتطويرها، ولعل خير مثال نورده؛ الاشخاص البصيرين وحتى المعوقين في أنحاء مختلفة من اجسامهم، مع ذلك نلاحظ في اماكن مختلفة من العالم كيف أنهم يبهرون الناس بما يصنعونه وينتجونه وحتى ما يقدمونه من قدرات علمية باهرة، فنرى البصير، أديباً مبدعاً، او مدرساً.

البعد الثالث: تدمير المجتمع، عندما تتحول الأمنية الى منطلق للتنافس غير الشريف والصراع على النفوذ والتملّك بكل الوسائل.

فاذا كانت ثمة نية حقيقية للتغيير نحو الاحسن ومعالجة الازمات والظواهر المرضية، مثل؛ الفساد والفوضى الاخلاقية والقانونية، يتعين صياغة نوع جديد من التفكير لتحقيق هذا التغيير تكون أدواته ذات صلة بالواقع وما فيه من قدرات وفرص قابلة للاستثمار، وهذا يشمل المواطن البسيط كما يشمل المسؤول في الدولة ايضاً، لان الحركة بهذا الاتجاه يجب ان تكون متزامنة ومتكاملة.

اضف تعليق