مشهد ساخر ذاك الذي رأيناه هذا الأسبوع والذي ظهر فيه أفراد من أكراد اقليم كردستان العراق وهم يرفعون علم اسرائيل في حشد شعبي مؤيد للاستفتاء على استقلال الاقليم عن العراق، ورغم سخرية المشهد إلا أنه يعكس وبصورة واضحة أزمة سياسية عربية وإقليمية واضحة المعالم لفكرة المواطنة والهوية الوطنية في الدولة الاقليمية في الشرق الأوسط التي يصعب فيها إيجاد مكان تحت الشمس للأقليات بأنواعها.
وقد وظف الاستعمار الأجنبي الورقة الكردية في الكثير من المراحل السياسية وكانوا ضحايا حقيقيين لذلك خاصة في تواجدهم في أربع دول وبين ثلاث قوميات متفقة جميعها وفي حالة نادرة على إبقاء وضعهم السياسي على ما هو عليه، ولقرابة قرن من الزمن فقد الشعب الكردي أي تمثيل سياسي قومي له ولم يحظى بأي تمثيل تقافي لهويته القومية في الدول الأربع لدرجة أن اللغة الكردية لم تكن تحظى باعتراف في الدول الأربع ناهيك عن حالة التهميش التي عانى منها سكان تلك الاقليم الكردية لعقود من الزمن، وحجم الاضطهاد الذي تعرضوا له في كلا من تركيا وايران والعراق بسبب الطموحات القومية ومحاولات التمرد والاستقلال الفاشلة على مر التاريخ، ابتداء من مملكة كردستان في أربيل مروراً بكردستان الحمراء في ناجورنوا كارباخ وصولاً لجمهورية مهاباد في ايران والتمرد المسلح الذي قاده حزب العمال الكردستاني جنوب شرق تركيا والتي كلفتهم أثمانا باهظة خاصة في تركيا والعراق، ورغم احتلال العراق في العام 2003 وانهيار نظامها السياسي وحصول اقليم كردستان العراق على حكم ذاتي موسع إلا أن الفيتو الاقليمي منع تطور الواقع السياسي للإقليم بأكثر من ذلك.
لكن على ما يبدو أن أكراد العراق رأوا في التطورات الاقليمية التي تعصف بالمنطقة فرصة سانحة للتقدم ولو خطوة صغيرة إلى الأمام نحو حلم الاستقلال والدولة الكردية منتشين بما حققته قوات البشمركة في العراق؛ وقوات حماية الشعب الكردي في سوريا من انتصارات على داعش في معارك تحرير الموصل والرقة؛ ومن قبلها كوباني شمال سوريا في ظل ضعف وإنهيار الحكم المركزي في كلا من بغداد ودمشق؛ وانهيار الحدود السياسية على الأرض بين سوريا والعراق وهو ما أتاح لأول مرة منذ قرابة القرن التواصل الجغرافي بين أراضي الاقليم الكردستاني في كلا البلدين بقوة السلاح الكردي بعد انهيار ما يعرف بدولة داعش.
ورغم كل تلك الانجازات يدرك صانع القرار في أربيل جيداً أن وقت الاستقلال لم يحن بعد لكنه في المقابل عازم على جني غنائمه هذه المرة كاملة ودون استكراد من أي طرف مستفيداً من تجارب الماضي القريب والبعيد، فقد أقدم على تنظيم استفتاء على استقلال الاقليم وقواته تسيطر على كل الاقليم بما فيها مناطق مختلف عليها ككركوك وأخرى في قضاء الموصل ورغم الرفض العراقي والاقليمي له إلا أن أربيل نفذته وكسبت ورقة سياسية في يدها أمام العالم وعلى طاولة المفاوضات مع الحكومة العراقية الضعيفة في بغداد والتي لن يكون بمقدورها إرسال قواتها إلى أربيل لوضع حد لأحلام الكرد؛ وليس أمامها اليوم إلا الجلوس على طاولة مستديرة لبحث وضع الاقليم الكردي الذي صوت 90% من سكانه بنعم للاستقلال والذي يرفض قادته العودة للاتفاق الفدرالي القديم.
وهنا لن يكون أمام بغداد سوى الرضوخ للحل الوسط بين الاستقلال والفدرالية ألا وهو الكنفدرالية والتي تمنح الاكراد الاستقلال ولا تقسم العراق وتعطي الدعم لأكراد سوريا في تكرار نفس السيناريو لاحقا، وتمنح نفس الأمل لأكراد ايران وتركيا وتقرب حلم كردستان الموحدة، وفي المقابل على حكام أربيل أن يدركوا أن الدولة الكردية لا تشبه اسرائيل في شيء وأن الطريق لقيامها لا تمر مطلقا بتل أبيب لأن من منع قيام دولة كردستان سابقا هو نفسه الذي لن يسمح بإقامتها الآن وفق حساباته الاقليمية والدولية، وهو نفسه من صنع اسرائيل ككيان وظيفي يستخدمه في المنطقة، واسرائيل بدورها تستخدم كل العوامل التي من شأنها كسر كل جسور التواصل بين شعوب الاقليم ضمن سياسة فرق تسد، وصحيح أنه لا يوجد مبادئ في السياسة لكن لها قواعد تاريخية وجغرافية تحتم على الأكراد أن لا يتعلقوا بحبال الوهم الاسرائيلي كما أن على العرب والفرس والأتراك أن يدركوا أن الدولة الكردية وفي ظل المتغيرات الدولية المتتالية آتية طال الزمن أم قصر ولكن وفق إرادة دولية وبحسابات متأنية تحفظ ماء الوجه السياسي للجميع.
اضف تعليق