بعد ان سيطر تنظيم داعش الارهابي على مناطق واسعة في محافظات شمال غرب العراق عبر تسلله الكبير من سوريا، وقيامه بازالة الحدود بين البلدين في وقت كان كل من العراق وسوريا غير قادرين على حماية حدودهما المشتركة، أصبح تهديد داعش للعراق يختلف عن تهديد سلفه تنظيم القاعدة. اذ احسن التنظيم الاستفادة من الوضع السياسي والامني الهش في غربي العراق والمناطق الصحراوية الواسعة واستثمرها كمعق استراتيجي في تكتيكاته العسكرية، ثم نقل عناصره وعدته وتهريبه من والى سوريا.
ومنذ ذلك الوقت والحكومة العراقية – ومع بدء عملياتها لتحرير الاراضي من سطوة التنظيم الارهابي – تنظر لعملية مواجهته في العراق وسوريا على انها حالة واحدة وانه لابد ان تتوازى الجهود في البلدين للقضاء على التنظيم. وكذلك الحال مع التحالف الدولي لمكافحة داعش في العراق وسوريا الذي تشكل في آب 2014 كان هدفه القضاء على التنظيم في البلدين وعد عناصر التنظيم ومقراته فيهما هدفا له ولا زال الى الوقت الحاضر يعتمد ذات التكتيك.
ولأجل ذلك وافقت الحكومة العراقية للمشاركة في انشاء مركز معلوماتي يضم ممثلي هيئات أركان جيوش دول روسيا وإيران وسوريا والعراق في نهاية ايلول 2015. ويهدف المركز الى جمع ومعالجة وتحليل المعلومات عن الوضع في منطقة الشرق الأوسط وتوزيعها على هيئات أركان القوات المسلحة للدول المشاركة في المركز وذلك لتنسيق العمليات العسكرية لمحاربة تنظيم داعش.
كذلك الزيارات المتعددة التي قام بها مستشار الامن الوطني العراقي ورئيس هيئة الحشد الشعبي السيد فالح الفياض ولقاءاته المتعددة بالرئيس بشار الاسد. وقبل أشهر وجهت القوة الجوية العراقية ضربة جوية لاجتماع ضم مجموعة من قيادات التنظيم في الاراضي السورية بالتنسيق مع النظام السوري.
وبهذا الاتجاه حرصت الحكومة العراقية على محاصرة مدينة الموصل من جهاتها كافة قبل اقتحامها حيث اوكلت مهمة الجانب الغربي من المحافظة لقوات الحشد الشعبي ومنعت اي تواصل لعناصر التنظيم بين سوريا والعراق. وأعلن وقتها رئيس الحكومة العراقية السيد حيدر العبادي ان العراق لن يسمح لمقاتلي داعش الهروب وليس امامهم الا القتل او تسليم أنفسهم ولازال العراق يعتمد ذات التكتيك وكذلك التحالف الدولي. وهذا الامر ينم عن سعة إدراك وينم عن نظرة شمولية صحيحة دلالتها ان هروب عناصر التنظيم الى سوريا يُبقي عنصر التهديد قائم. وازاء ذلك تكبد العراق جهدا كبيرا ووقتا طويلا ودماءا غزيرة ومدن مدمرة.
اذن وضوح التكتيك المستخدم في العراق لابد ان يقابله ذات التكتيك في سوريا استنادا الى خطورة عناصر التنظيم الارهابي، والتنسيق الذي يجري في مركز جمع ومعالجة وتحليل المعلومات الاستخباراتية، وهدف تحسين صورة النظام السوري امام المجتمع الدولي الذي يهدف الى القضاء على الارهاب.
ولكن نلاحظ النظام السوري غير اسلوبه، فالاتفاق الاخير بين حزب الله وتنظيم داعش بالتنسيق مع النظام السوري يضع الاخير في خانة الخاسرين ويضع جهود التنسيق مع العراق على حافة الهاوية. فلم يُعلم الجانب السوري الحكومة العراقية بالاتفاق، كما انه جرى بعلم بعض اعضاء مركز جمع ومعالجة وتحليل المعلومات الاستخباراتية وهم سوريا وايران. وبالتالي أفرغ النظام السوري مركز جمع وتحليل المعلومات الاستخباراتية من مضمونه.
ولهذا يصبح أحد الخيارات امام الحكومة العراقية هو عدم التنسيق مع سوريا ويصبح وجود مركز جمع وتحليل المعلومات عديم الجدوى، ولكن –ولاستمرار الحرب ضد التنظيم– فان العراق بحاجة لهذا التنسيق وعلى الجانب السوري تعزيز هذا التنسيق كون انعدامه يصب في صالح التنظيم الارهابي ويمنحه حرية الحركة عبر الحدود التي ازالها ويسيطر عليها.
كما ان هذا الاتفاق يأتي في غير وقته، فالأحداث والانتصارات على الارض في كلا البلدين بشأن مكافحة داعش تجري بسرعة واحد اسباب ذلك هو التنسيق الاستخباراتي. وكان من الاولى ان يتجه البلدين نحو المناطق القريبة من الحدود بوقت واحد اي ان يتوجه العراق للقضاء على التنظيم في غرب الانبار وصولا الى القائم والبو كمال العراقية وان يتجه النظام السوري الى تحرير محافظة دير الزور والبو كمال السورية في القوت الذي تقاتل فيه وحدات حماية الشعب الكردية في الرقة. وعليه انعدام ذلك سيجعل التنظيم ينشط فيما يسميه " ولاية الفرات".
هذا الاتفاق سينعكس سلبا على جهود الحكومة العراقية التي وصلت الى المراحل النهائية في القضاء على داعش ولم يبقى سوى اقضية قليلة هي الحويجة واقضية غرب الانبار. فوصول المزيد من عناصر داعش إلى منطقة دير الزور شرق سوريا من الذين تم نقلهم وفق الاتفاق مع حزب الله، سيسمح لتنظيم داعش بإعادة ترتيب صفوفه في المحافظة الاستراتيجية وربما تخوله من شن هجمات انتقامية ضد العراق انطلاقا من سوريا، خاصة أن المسافة من مركز دير الزور إلى الأراضي العراقية تبلغ 100 كيلومتر تقريبا.
كما منح الاتفاق التنظيم عمق استراتيجي متمثل بمناطق شرق سوريا وغرب العراق وهي مناطق يسيطر عليها داعش منذ ثلاث سنوات بفعل سيطرته على محافظة دير الزور، وهي بمعظمها أراضٍ قاحلة غير مؤهولة خالية من الطرق الدولية، وبالتالي يصعب السيطرة عليها وخاصة مع سيطرة داعش لفترة طويلة من الزمن على النقاط الحدودية والرسمية، وهو ما مكّنه أيضا من تأسيس خطوط تهريب خفية عصية على السلطات في كلا البلدين.
وأما أكثرها خطورة على الأمن العراقي فبطبيعة الحال هي مناطق نفوذ تنظيم داعش في دير الزور، والتي هي امتداد طبيعي لمحافظة الرقة حيث المعارك المستمرة ضد التنظيم من قبل وحدات حماية الشعب الكردية والمدعومة من الولايات المتحدة الاميركية. وقد أجبرت المعارك هناك عشرات من مسلحي داعش إلى الانتقال إلى المناطق الحدودية مع العراق، بعد تضييق الخناق على التنظيم من الشمال والغرب وكسر الحصار عن مدينة دير الزور من الجهة الغربية يوم الثلاثاء 5/ايلول وهروب بعض قيادات التنظيم شرق المدينة باتجاه البو كمال السورية الحدودية مع العراق.
ومع ان الامر يجري داخل الاراضي السورية، الا هذا الاتفاق يؤثر سلبا على الامن الوطني العراقي. والحكومة العراقية بحاجة الى تعزيز جهودها مع التحالف الدولي لمنع وصول هؤلاء الارهابيين الى شرق سوريا واجتيازهم الحدود الى داخل العراق في وقت تستعد القوات العراقية لتحرير قضاء الحويجة. كما على الجانب السوري اعادة التنسيق مع الجانب العراقي وتفعيله لغرض افادة البلدين من المعلومات الاستخباراتية المتوفرة لديهما.
اضف تعليق