منذ عام ٢٠١٤ وبعيد تشكيل التحالف الدولي لمواجهة الارهاب ولاسيما الارهاب الداعشي، نشطت دبلوماسية الحماية والتعاطف الدولي مع العراق، وكانت حركة الوفود وزيارات المسؤولين الدوليين لبغداد تؤشر شكلا من اشكال التعهد الدولي بدعم العراق ومساعدته وحماية وجود الدولة العراقية لضمان الصمود في مواجهة عاصفة الزحف الداعشي التي راهنت على اسقاط الدولة وتغيير جغرافية المنطقة السياسية ووحداتها القائمة على انقاض الانهيار العثماني الشهير وقواعد سايكس -بيكو.

كانت الزيارات المصحوبة بتعهدات الدعم العسكري والاقتصادي تشي بقلق دولي ومخاوف من انهيار خطير في منطقة الشرق الاوسط يكون منطلقها الهلال الخصيب، (العراق وسوريا)، ومنذ ذلك الوقت كانت حلقات العزلة حول العراق تتفكك بسرعة وسط ارتياح عراقي كبير وآمال واعدة بان يصبح الفضاء الدولي مؤزرا للعراق في محنته، مساعدا له في حلحلة جملة مشكلات داخلية وخارجية ساهمت في اضطراب اقليمي كبير كان من نتائجه ظهور خلافة داعش وتحولها الى نقطة استقطاب لكل ارهابيي العالم.

خلال ثلاثة اعوام نجحت بغداد، وعبر خطوات محسوبة محليا واقليميا ودوليا في تحويل الانكسار العسكري والامني الى انتصار كبير، ونجحت كذلك بتسويق مفهوم الامن المشترك، والتركيز بقوة على مبدأ نيابة القتال العراقي عن العالم في مواجهة التمركز الارهابي على الارض العراقية.

مع استمرار النجاحات العراقية واهتمام المجتمع الدولي بأهمية ومحورية الانجاز العراقي، كانت دول الاقليم المحيط بالعراق تراجع هي الاخرى مواقفها المأزومة من بغداد نحو الانفتاح والتعاون وتنشيط الحوار السياسي والدبلوماسي، وقد عززت مخاطر الاستقطاب الطائفي والازمات المستعصية في المنطقة، من محاولات المراجعة وتجريب افاق جديدة من العمل الدبلوماسي، جعلت من التفاهم مع العراق محطة مركزية لمقاربة استراتيجية جديدة، في الآونة الاخيرة وبعد تحرير الموصل واستعصاء الحل العسكري في اليمن، واندلاع الازمة الخليجية بتصدع مجلس التعاون وعزلة قطر خليجيا، وبعد تراجع جميع الدول الاقليمية والدولية عن فكرة اسقاط النظام السوري، صار مؤكدا ان المنطقة باتت مهيأة للانخراط في مشروع التسويات الكبرى دخولا الى التسويات المحلية، فالتفاهم الاقليمي والدولي من شأنه ان يثمر عن حلول تصالحية في المنطقة تكون باكورتها عودة الدفء للعلاقات السعودية -الايرانية وتراجع سياسية المحاور الطائفية، ومنها صعودا للبحث عن حلول سياسية للحرب في اليمن والحل السياسي في سوريا والمصالحة والاستقرار في العراق.

المبدأ الاساسي الذي تستند عليه كل هذه المقاربات الجديدة هو عودة منطق التوازنات الاقليمية، فلا استقرار في الاقليم دون استقرار العراق وعودته محور توازن ونقطة تلاقي مصالح للدول المتنافسة في المنطقة، ومن شأن تطوير دبلوماسية التوازن والاقناع هذه، ان تعيد للعراق توازنه الداخلي وتقطع الطريق على مشاريع اضعافه وتقسيمه وتقزيمه، وهو مابدا واضحا من المعارضة القوية دوليا واقليميا ومحليا لمشروع الاستفتاء الكردي.

لازالت هناك فرصة للعراق ليمارس دبلوماسية الوساطة والتقريب بين الدول المتخاصمة والمتنافسة فيما لو امتلك رؤية واضحة لبلورة مشروع أمن اقليمي متوازن يبدأ بتسوية الازمات وفق منطق اللاغالب ولامغلوب وحفظ مصالح الجميع والانطلاق بعدها بمشروع اعادة الاعمار والبناء والاستثمار والعمل على مبدأ الثقة والتعاون الاقليمي الذي يحقق مصالح الجميع في الشراكة في الامن وعدم التدخل في الشؤون الداخلية والكف عن منهج بناء النفوذ المستند على عوامل طائفية أو مذهبية.

العراق بحاجة الى دبلوماسية جريئة وعقلانية تأخذ كل تلك الاعتبارات لتؤسس لمرحلة جديدة تكون فيها بغداد عامل استقرار وجذب ومحطة تفاوض وحجر زاوية كبير في البناء الاقليمي الجديد لمرحلة مابعد الاضطراب الكبير.

* ابراهيم العبادي، كاتب وباحث، عضو ملتقى النبأ للحوار

...........................
* الآراء الواردة لا تعبر بالضرورة عن رأي شبكة النبأ المعلوماتية

اضف تعليق