دائما ما يكون الحديث عن العلاقات الايرانية الخليجية متبوعا بمصطلحات العداء والاحتراب الابدي الذي لا امل في نهايته، حيث يوظف الموروث الديني المتعارض مع بعضه من اجل خدمة اهداف سياسية آنية.
لكن الأزمة الخليجية فتحت الباب على مصراعيه من أجل العودة إلى فتح خطوط العلاقات الخليجية مع ايران من قبل طرفي هذه الأزمة سواء قطر وحليفها التركي أو الدول المقاطعة لها (الامارات والسعودية)؛ فقد أعلنت وزارة الخارجية القطرية يوم الثالث والعشرين من شهر اب الجاري أن الدوحة ستعيد سفيرها لدى طهران لممارسة مهامه الدبلوماسية، وجاء في بيان للخارجية القطرية أن دولة قطر تعبر "عن تطلعها لتعزيز العلاقات الثنائية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جميع المجالات".
وفي الضفة الاخرى كشف وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف ان وفودا من بلاده والسعودية سيتبادلون الزيارات الدبلوماسية قريبا، اذ قال لوكالة الانباء الطلابية الايرانية ان "التاشيرات صدرت من كلا البلدين لهذه الزيارات، ونحن ننتظر انجاز الخطوات النهائية لكي يستطيع الدبلوماسيون تفقد سفاراتهم وقنصلياتهم".
وشهد منتصف شهر اب الجاري زيارة رئيس الاركان الايراني محمد باقري الى تركيا، في اول زيارة لمسؤول في مثل منصبه لتركيا منذ الثورة الاسلامية عام ١٩٧٩، وكانت سوريا والعراق وملف استفتاء اقليم كردستان اهم القضايا التي تم التباحث حولها بين الوفد الايراني برئاسة رئيس الاركان والمسؤولين الاتراك وعلى اعلى المستويات من ضمنهم الرئيس رجب طيب اردوغان.
ولا يمكن تفسير التصالح الاخير بين الدول الاسلامية السنية مع ايران خارج الاطر الاتية:
اولا: بالنسبة الى تركيا وايران فانهما ورغم التناقضات السياسية بينهما والتوافق المتذبذب في بعض الاحيان قد لا تبدو هذه الزيارات الاخيرة تطورا جديدا بحسب ما يرى خبراء في هذا الشان، لكن توقيتها وطبيعة الشخصيات المشاركة تكشف تحولا جذريا في العلاقات بين الطرفين، ومن المتوقع ان تفرز موقفا سياسيا وعسكريا مشتركا ازاء العراق وسوريا عنوانه التصدي لاي محاولات لتقسيم البلدين من قبل الاكراد.
ثانيا: اما قطر فالازمة الخليجية قد دفعتها صوب العدو المفروض عليها من قبل السعودية قسرا، وحينما وجدت من التصالح مع الرياض وابو ظبي ضربا من المستحيل طرقت ابواب طهران لرد الصاع صاعين، لتبدو انها مستقلة في قراراتها عن دول الخليج، بما يلبسها ثوب الدولة الكبيرة التي تملك خيارات كثيرة للتعامل مع الازمات التي يحاول تحالف السعودية والامارات اسقاطها بها.
ثالثا: بالنسبة لعودة العلاقات الدبلوماسية بين ايران السعودية التي تحدث عنها محمد جواد ظريف فيبدو انها لا تخرج عن سياق التحولات في منطقة الشرق الاوسط والتراجع السعودي عن لغة الحزم ازاء ايران، ويرجع السبب في ذلك الى الخسائر الفادحة التي منيت بها سلطة "ال سلمان" في الصراعات السابقة التي حسمت اغلبها لصالح ايران مضافا اليها الخسارة الكبيرة بتحول تركيا وقطر تدريجيا الى جانب عدوها الايراني السابق، وهي (اي السعودية) بعودتها هذه تجد نفسها مجبرة على التطبيع مع ايران خوفا من حدوث خسائر اكبر في حال تصلبها الى حيث تنعدم النهايات.
كما ان الوضع الداخلي في السعودية يفرض عليها عقد نوع من الهدنة مع ايران كونها تمر بمرحلة مفصلية في تاريخها، حيث ينتظر ولي العهد محمد بن سلمان تسلم مقاليد الحكم من والده سلمان بن عبد العزيز، وما يترتب على ذلك من توقع حدوث بعض المشكلات الداخلية بين افراد الاسرة الحاكمة التي ترى في محمد بن سلمان شابا لا يلائم المنصب الذي سوف يسند اليه.
لكن ما السبب الذي يدفع دول الخليج لمصافحة اليد التي كان من المفترض ان تقطع سابقا؟
يمكن القول ان انخفاض اسعار النفط سوف تطول اثارها الاقتصادية على الامارات الخليجية، وسياسات التقشف من الممكن ان تؤدي الى حتمية التحركات الاجتماعية الداخلية، وظروف مثل هذه تمثل ارضية خصبة لزرع حلفاء او متعاونين مع ايران، ومجرد التفكير بهذه السيناريو تصاب القيادات الخليجية بالهلع.
يضاف الى كل هذا تخلي الدول الغربية في التوسط لحل الازمة الخليجية ما اعتبر خيانة غربية كما فعل حلف الناتو حينما ورط تركيا مع روسيا ثم تخلى عنها، ليكون التخلف الامريكي والاوربي عن ايجاد مخرج للازمة سببا في تفاقم الازمة وتحول الحديث عن حلها مجرد سراب.
دول الخليج اشعلت حربا من الكراهية ضد ايران اتبعتها بحروب الوكالة في البلدان الاسلامية العربية، لكنها فشلت في تحقيق اي انتصار فعلي لانها استخدمت المال لتاجير البنادق، في حين اعتمدت ايران سياسة النفس الطويل مدعومة بخبرتها في حروب الاستنزاف سواء مع صدام بسنواته الثمانية او حرب العقوبات الامريكية.
ما افشل الدول الخليجية في التعامل مع ايران هو غياب الاستراتيجية والاعتماد على القرارات الارتجالية للزعماء (الشيوخ)، وهو ما كلفهم غاليا، فالسياسة الدولية وخاصة اثناء الازمات لا يمكن ان تدار من اجل ارضاء الزعيم لان اي خطأ قد لا يقود الى الهزيمة فقط بل قد يؤد الى انهيار النظام بكامله او خضوعه للخصم في افضل الاحوال وهذا الوضع الاخير ينطبق كثيرا على العلاقة بين دول الخليج وايران فعلاقاتها انتقلت من مرحلة صراع الند للند الى صراع بين مهيمن على مفاتيح منطقة الشرق الاوسط اسمه ايران وامارات خليجية تصارع على البقاء ينخرها العجز عن ايجاد المخرج السليم من الازمات المتلاحقة.
ارقام الواقع تتحدث اليوم عن مولد شرطي شرق اوسطي يتحدث الفارسية، يملك من التجربة السياسية الكثير ولديه تحكم واضح بمجريات الازمات في الشرق الأوسط ما جعل هذه الامارات الخليجية مضافا اليها تركيا تلتف خلف جدران الشتائم وتعود لتحج الى طهران طلبا لغفران الذنوب.
اضف تعليق