q

السؤال الابرز هذه الايام هو: الى اين تتجه العلاقات المتوترة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة؟ هل ان ما يجري هو مقدمات للحرب ام انه مجرد تراشق اعلامي يريد منه الطرفين تحويل الانظار عن الفشل الداخلي والبقاء تحت الاضواء؟

وابل كبير من التصريحات النارية بين زعيمي الولايات المتحدة وكوريا الشمالية قد يصعب التفريق بينها لكثرتها، يضاف لها هجمات الوزراء والمسؤولين الذين اضافوا جانبا دراميا لخلطة الواقع التي يعرضها دونالد ترامب وكيم جون اون في نشرات الاخبار اليومية.

الرئيس المغرد دونالد ترامب قال في ساحته السياسية المفضلة "موقع تويتر" إن "الحلول العسكرية أصبحت الآن جاهزة للتطبيق بشكل كامل، وفي وضع التأهب والجاهزية إذا تصرفت كوريا الشمالية بشكل غير حكيم. ونتمنى أن يجد كيم جونغ أون مسارا آخر". فيما الزعيم الكوري هدد بضرب جزيرة غوام الامريكية ذات الـ ١٦٣ الف نسمة، وقاعدتها العسكرية الامريكية التي تحتوي ٦ الاف جندي.

وزير الخارجية الروسي سرغي لافروف حذر من انجرار البلدين الى نزاع مسلح وقال ان احتمال نشوب الحرب عالٍ جدا، وكلام رئيس الدبلوماسية الروسية الاكثر خبرة وفاعلية بين وزراء الخارجية الحاليين في العالم لا بد وان ياخذ على محمل الجد. اما الصين فانها انخذت نفس المسار الروسي محذرة من عواقب اي نزاع في جنوب شرق اسيا، لانعكاساته الكارثية على المنطقة والعالم.

قد تكون هذه المواجهة الكلامية الساخنة بين كوريا والولايات المتحدة كافية للقول بان العالم متجه لحرب نووية "كارثية" واذا ما اضفنا لها الترويج الاعلامي فيمكن ان نتوقع حدوث ذلك في اي لحظة، لكن الامر ليس بهذه السهولة وقرار الحرب ليس شربة ماء كما يتوقع البعض، ليس لان امريكا لا تحب الحرب فالدول التي احتلتها الولايات المتحدة لا تزال تعاني ويلات التدخلات الامريكية منذ سنين من الصومال وافغانستان والعراق وليبيا… الخ. لكن القضية الكورية مختلفة تماما.

فالولايات المتحدة لم تتعود ضرب عدو قوي ابدا، فقنبلتيها النوويتين اللتين القتهما على هيروشيما وناغزاكي كانتا في نهاية الحرب عندما انهارت اليابان واقترب الجيش الامبراطوري الياباني من منطقة الاستسلام، وقد يقول البعض انها لم تكن تملك تلك القنبلة لتلقيها في بداية سنوات الحرب الا ان التاريخ يكشف ان هذه البلاد (امريكا)، لا تحارب الا وحوشا لا تملك اسنانا ولا حتى افكاك لتقاتل فيها.

في العقدين الماضيين جردت الولايات المتحدة انظمة سياسية من كل مصادر قوتها من اجل اثبات الولاء لها، وبعدها قامت بضرب تلك الانظمة، والمثال نظام صدام حسين ومعمر القذافي وحاولت مع نظام بشار الاسد لكن الايرانيين ومن بعدهم الروس رفضوا ان يعيد التاريخ نفسه. هذه هي سياسة امريكا لا تحارب عدوا قويا هي تنفخه في وسائل الاعلام الى اقصى حد لكنها تقوم في الوقت نفسه بتجريده من كل ادوات الدفاع من خلال سيطرتها على مراكز القرار العالمي في الامم المتحدة ومجلس الامن والمنظمات الدولية. وهذا لم يحصل مع كوريا الشمالية لحد الان فقرارات مجلس الامن اتعبت البلاد اقتصاديا لكنها لم تمنعها من الاستمرار في عملية تطوير قدراتها النووية والصاروخية القادرة على والوصول الى الولايات المتحدة حاملة كابوسا نووية، بل انها في تطور متسارع وهي الان تملك ترسانة صاروخية كبيرة ما يعني وبشكل عملي ارتفاع تكلفة اي ضربة عسكري ضدها.

في ظل وجود زعيميين لا يمكن التنبؤ بسلوكهما وقراراتهما؛ يصبح توقع مآلات الامور مهمة صعبة، الا ان بعض المعطيات يمكن عن طريقها وضع سيناريوهات مستقبلية للعلاقة بين البلدية وحسب الاتي:

السيناريو الاول: وهو انزلاق البلدين الى الحرب النووية المدمرة، ومايدعم هذا السيناريو التصريحات النارية بين زعيمي البلدين، حيث هدد الزعيم الكوري بقصف جزيرة غوام الامريكية، ليرد الرئيس الامريكي بان خطط الحرب جاهزة لقصف كوريا الشمالية، يضاف الى هذه التهديدات تصريحات كبار المسؤولين الدوليين وخصوصا وزير الخارجية الروسي الذي يرى بان احتمال نشوب الحرب عالٍ جدا، (كما اشرنا الى ذلك في بداية المقال).

السيناريو الثاني: عودة الامور الى طبيعتها بعد انتفاء وظيفة "التأزيم"، حيث يتهم بعض المتابعين الرئيس الامريكي بانه صعد من مواقفه ازاء كوريا الشمالية لانه يريد تحويل انظار الشعب الامريكي عن اخفاقات ادارته في الملفات الداخلية والخارجية والتستر على سجل الفضائح في ادارته الذي لا نهاية له، وقد اختار هذا الطريق (التصعيد) كونه يعرف جيدا ان قرار الحرب يحتاج الى موافقة المشرعين الامريكيين وهم لا يثقون به في هذا المجال ما يعني عمليا انه يصب الماء في اناء مثقوب، وقد المح مدير وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه) الى عدم وجود خطط جدية لضرب كوريا الشمالية حيث قال: إنه "لا يوجد تهديد وشيك" بنشوب حرب نووية مع كوريا الشمالية في ظل تصاعد الحرب الكلامية بين البلدين.

السيناريو الثالث: بقاء الوضع كما هو عليه، حيث ترى وجهة النظر هذه التي يتبناها بعض المتابعين بان كوريا الشمالية وصلت الى مرحلة متقدمة عسكريا ما يصعب مهمة توجيه ضربة عسكرية ضدها، الا ان الولايات المتحدة سوف تبقي الامور متوترة من اجل منع الكوريين من التمتع بالامان والاستقرار، واشعارهم بان ضريبة التمرد على الرغبات لامريكية باهضة الثمن، فضلا ردع الدول الاخرى التي تتخذ من كوريا نموذجا يحتذى لمواجهة الضغوط الامريكية.

الحرب مع كوريا الشمالية ليست نزهة على الاطلاق، لكن ضبط ايقاء السياسة وجعجعة العسكر ليس ممكنا دائما، في ظل غياب الوساطات الدولية لحل الازمة الحالية، واي خطأ غير مقصود قد يشعل حربا كبرى تعيد كوكب الارض عشرات السنين الى الوراء.

اضف تعليق