التطورات العسكرية والميدانية المتسارعة في الايام الماضية من الموصل في شمال العراق، الى سوريا، ووصولا الى جرود عرسال على الحدود اللبنانية الشرقية، تؤكد اننا دخلنا في مرحلة جديدة على صعيد المعركة ضد تنظيم داعش وجبهة النصرة.
وترافقت هذه التطورات العسكرية مع الاتفاق الروسي – الاميركي على صعيد الجبهة الجنوبية في سوريا والذي يهدف الى ابعاد حزب الله وايران عن جنوب سوريا حسب تصريحات اميركية وروسية واسرائيلية، وهذا يعني ايضا انه بموازاة المعركة الدولية والاقليمية والمحلية لمحاصرة تنظيم داعش وجبهة النصرة وبعض المجموعات الاسلامية المتطرفة، فانه بالمقابل هناك جهود دولية واقليمية لإضعاف الدور الايراني وحزب الله وحلفائهم وذلك لمنع هذا المحور من استثمار الانتصارات التي يحققها في اكثر من جبهة عراقية وسورية ولبنانية.
والخلاصة التي يمكن استخلاصها من هذه المعطيات وحسبما تؤكد مصادر سياسية مطلعة في بيروت: ان الاتفاق الروسي – الاميركي حول سوريا سيؤدي الى البدء بالبحث الجدي في المسارات السياسية ومستقبل الاوضاع في سوريا ودول المنطقة وان استهداف الاطراف الاسلامية على اختلاف توجهاتها هو العنوان الاساس لكل هذه التطورات.
ومع ان المعارك العسكرية لم تنه كليا سواء في العراق او سوريا او منطقة جرود عرسال وجرود القاع وراس بعلبك على الحدود اللبنانية الشرقية، فان ما يجري من تطورات ميدانية وسياسية يفرض على جميع الاطراف وخصوصا القوى والحركات الاسلامية البحث الجدي حول اليوم الثاني لانتهاء المعارك العسكرية او القسم الاكبر من هذه المعارك.
ومسؤولية البحث عن افاق المرحلة الجديدة لا تقتصر على فريق دون اخر او على بلد دون اخر، ففي كل بلد عانى ويعاني من التطورات والصراعات العسكرية والسياسية والامنية وبروز التنظيمات المتطرفة هناك مسؤوليات مختلفة يجب ان تتحملها كل الجهات المعنية سواء على المستوى الرسمي او الشعبي او الديني، ولعل السؤال الابرز الذي يجب ان يطرح من قبل الجميع: لماذا وصلنا الى ما وصلنا اليه من اوضاع متردية سمحت ببروز التطرف والعنف الديني والسياسي والاجتماعي؟
والسؤال المركزي الاخر الذي على الجميع ان يطرحه: كيف يمكن ان نتجنب العودة الى الاوضاع التي ادت الى انهيار الدول والانظمة وهل بالإمكان اعادة بناء المجتمع والدولة والمؤسسات على اسس جديدة تمنع من انهيارها مرة اخرى؟ وما هي البرامج والمسؤوليات والسياسات التي يجب اتباعها في المرحلة المقبلة لمواجهة حالات التفتت والانهيار والانقسامات المذهبية والطائفية والمجتمعية والعرقية؟.
ويضاف لذلك ضرورة وضع الخطط العملية السريعة لإعادة اعمار المناطق التي تهدمت والمساعدة في عودة النازحين واللاجئين الى مدنهم وقراهم واعادة التواصل بين المناطق التي كانت مسرحا للصراعات والاشتباكات والمناطق الاخرى الامنة.
وفي محاولة الاجابة على بعض هذه الاسئلة، فان القوى والحركات الاسلامية معنية قبل غيرها بإجراء مراجعة شاملة لأدائها طيلة السنوات الماضية ان على صعيد انخراطها في الصراعات المختلفة او لجهة دورها السياسي والميداني او حول توجهاتها الفكرية والسياسية ومدى مساهماتها بترك الساحة للتنظيمات المتطرفة والعنفية.
ومن الواضح ان الجميع من قوى سياسية او حزبية او مرجعيات دينية او هيئات ثقافية وفكرية يتحملون مسؤولية ما وصلنا اليه من حالة انهيار في جميع المجالات، وان اقصر الطرق لإعادة بناء ما تهدم ينطلق من اعادة الاعتبار لفكرة الدولة العادلة وتعزيز المواطنة في مجتمعاتنا العربية والاسلامية، لان قيام الدولة المركزية القوية، مع اعطاء جميع المكونات في هذه الدولة حقوقها، هو الطريق الوحيد من اجل الخلاص من حالة التمزق والصراعات البينية.
اذن وبانتظار انتهاء المعارك العسكرية ومع اهمية ما تحقق من انجازات في مواجهة تنظيم داعش وبقية التنظيمات المتطرفة في مختلف الساحات، فان الاهمية تكمن في ما يجب القيام به في اليوم الثاني من انتهاء المعارك العسكرية لانه بذلك لا نعود للحرب مرة اخرى.
اضف تعليق